علاقات » عربي

رقبة العرب تحت المقصلة الأمريكية – الإسرائيلية فأين السعودية مما يجري؟

في 2018/10/30

مبارك الفقيه- خاص راصد الخليج-

تحدّث الجاسوس البريطاني مستر همفر الذي نشر مذكّراته في أجزائها الخمسة عن صور قاتمة للعالمين العربي والإسلامي، وعن سيادة العقلية البدوية على القبائل والنزاعات المستحكمة بينهم في المنطقة العربية، التي أطلق عليها العرب تسمية استعمارية هي "الشرق الأوسط". ويستعرض نقاط الضعف الكثيرة التي أسّست لهوّة كبيرة بين الطوائف الإسلامية وبين الحكام والشعوب، فضلاً عن الخلافات الجغرافية.

ومنذ القرن الثامن عشر أي في مرحلة تأسيس المملكة السعودية، ركّز هذا الجاسوس على الخلاف بين قوميات ثلاث هي: الفرس والأتراك والعرب، ولم تكن بريطانيا في كل ذلك – وفق اعتراف مستر همفر - بعيدة عن إذكاء نار الفتن، وزرع بذور الشقاق، بل كانت في صلب التخطيط والتنفيذ لمؤامرة مثلّثة الأضلاع، تقوم أولاً على إثارة النزاعات والخلافات الشديدة بين الأتراك والفرس، وإذكاء نار الطائفية والعرقية ثانياً، وثالثاً تحريض القبائل والشعوب العربية والإسلامية على التقاتل بهدف إرساء حالة مستدامة من عدم الاستقرار وإضعاف الأطراف كلّها، مما يسهّل على بريطانيا تكريس احتلالها واستغلال ثروات المنطقة.

مضى أكثر من قرنين من الزمن ولم يتغيّر شيء، فسياسة استعمار البلاد العربية والإسلامية واستحمار شعوبها لا تزال حاضرة وبقوة، ولا سيما مع نشوء كيان "إسرائيل" وتطوّر الأساليب والأدوات وتنوّع الأداء والخطاب الداخلي والخارجي، ومع اتّساع دائرة التشرذم العربي على أرض الواقع.

ولا يقف هذا التشرذم عند إنشاء دويلات وإمارات وأنظمة هجينة، ولا عند إثارة الخلافات الحدودية بين هذه الكيانات، بل دخل التشظّي المباشر تركيبة الجينات الوراثية لدى أفراد هذه الشعوب تحت شعار الولاء للوطن والتعصّب للقومية المحليّة، فبات كل فرد عربي يحمل في باطنه حالة عدائية تجاه الفرد العربي الذي ينتمي إلى كيان آخر، في ظل إرث متعاظم لدى هذه الدول من المخاوف والتوجّس من الجار العربي أو الإسلامي، على قاعدة الحوت الكبير يأكل السمك الصغير.

هكذا هي الحال التي بتنا نعيشها اليوم مع استفحال الأزمات والانقسامات بين الدول العربية، فها هو حلف السعودية ومعها البحرين والإمارات + مصر يواصل خوض الحرب المشتعلة في اليمن، وقد استقدم جنوداً عرب من السودان وغيرها ومن أبناء دول هذا الحلف ليقاتل العرب في اليمن، والحلف نفسه يحاصر دولة قطر ويعمل على عزلها جغرافياً وسط إشارات ونوايا بإزالتها من على الخارطة الخليجية، وها هي ليبيا تنزف جرّاء الحرب الداخلية فيها وأطراف الصراع عرب ومسلمون، وها هي سوريا تشتعل منذ أكثر من سبع سنوات ويتصارع على أرضها مقاتلون عرب ومسلمون جاؤوا من أقاصي الكون، أما العراق فلا يزال يلملم أشلاء نظامه سعياً لإعادة الاستقرار وعينه على الحدود الغربية خوفاً من تسلّل مجموعات الحرب من سوريا، وها هي الكويت تحاذر في سياستها حوفاً من إغضاب أي طرف عربي أو غربي، لتحافظ على كينونتها وسيرورتها كدولة صغيرة في محيط خليجي عملاق.

كل ذلك والعرب في فلسطين المحتلة يئنون تحت وطأة الإرهاب الإسرائيلي، ونرى مئات بل آلاف المليارات من الدولارات ينفقها أنظمة وحكام العرب من خيرات أرضها وثروات شعوبها على التسلّح وتغذية الحرائق التي تفتك بالجسد العربي هنا وهناك، في حين يعربد الصهاينة داخل فلسطين المحتلة قتلاً للمواطنين وقضماً للأرض وتهويداً للهوية العربية والإسلامية وحتى المسيحية فيها، وها قد بدأ يعربد على الملأ في أرض العرب، وكأن حال اليأس قد استفحلت من إمكانية الجمع والعودة إلى النسيج الواحد، فاندفع كل كيان، مهما كبر أو صغر، إلى التعلّق بأذيال أمريكا و"إسرائيل" كما سبق أن تعلّق العرب بأذيال بريطانيا، فأصبحنا كالعبد الذي لا يتقن عيش الحرية وأدمن البقاء في ظل الوصاية والتبعية، فتراه يتبع سيّده في كل خطوة دون أن يصدّق أنه بات قادراً على أن يجد ذاته في ممارسة حريته، فيبقى عبداً بلا انتماء حتى لو امتلك هوية حرّة.

وما يجعل السكين تحزّ في الأعناق أكثر أن جريمة، ارتكبها عناصر سعوديون بحق الصحافي المعارض جمال خاشقجي في سفارة الرياض باسطنبول، تحوّلت إلى مطرقة، لا تضرب الرأس السعودي على السندان الأمريكي - الدولي فحسب، بل قد تطال كل رؤوس العرب الخائفين من التبعات، ولا يمكننا هنا أن نقلّل من شأن ما يمكن أن يحصل، وما يمكن أن يجرّ من ردّة فعل من قبل الأخ السعودي الأكبر في منطقة الخليج، فالكل اليوم في حالة انتظار واجمة خوفاً من تنمّر هذا الأخ، واندفاعه نحو حرق كل الأوراق، وتقديم كل هذه الكيانات الصغيرة على مذبح البقاء في الحكم، خصوصاً مع مباشرة الذئب الإسرائيلي في الدخول إلى الحظائر العربية بشكل مباشر، وباكورته المعلنة سلطنة عمان، والإمارات والبحرين، بعد مصر والأردن، فتصبح المعادلة: من لا يسير في الركب الأمريكي – الإسرائيلي مصيره الزوال، ومن لا يقدّم القرابين المالية والاقتصادية ويفتح الحدود الجغرافية والسياسية فمصيره الخواء والإضمحلال.

ولكن هل ستكون النتيجة – كما عهدُ العرب – أن يسلّموا رقابهم خوفاً على حكوماتهم؟! ومن يتحمّل مسؤولية ما جرى ويجري من وبال على أمة العرب؟ لا يمكن أن نغفل في الجواب على هذا السؤال عامل الخوف الذي طالما سيطر على الكيانات العربية الصغيرة، من قطر والكويت إلى اليمن وصولاً إلى الأردن وحتى إلى مصر وليبيا والسودان، فمن يقف اليوم ليتحدث باسم العرب، وهم باتوا اليوم بلا كلمة جامعة وبلا قرار واحد موحّد، وعليه فلا نظلم المملكة السعودية حين نقول إنها تتحمّل المسؤولية الكبرى في هذا الصدد، لأنها الطرف الأقوى اقتصادياً ومالياً، فهي التي ساهمت في تعميق حال الخوف من الذوبان لدى هذه الكيانات الصغيرة، فإذا سقطت السعودية اليوم تحت المقصلة الأمريكية – الإسرائيلية فلن يرحمها التاريخ، لأنها ستكون السبب في انهيار أمة العرب وتفكّكها واستعبادها، وحينها يصح القول: على العرب السلام.