علاقات » عربي

استغلالاً للفقراء.. هكذا يهرب سعوديون بعد الإيقاع باليمنيات

في 2018/11/15

وكالات-

"صدمنا حين أخبرنا المتحدث عبر الهاتف من فندق يقع في مدينة يمنية حدودية مع السعودية، أن نحضر لاستلام شقيقتي العروس".

يواصل الرجل، وهو يسرد قصة من واقع يمني مؤلم، كاشفاً لـ"الخليج أونلاين" كيف تحول المجتمع في هذا البلد الذي يعاني من أزمات كبيرة منذ سنوات، فريسة لـ"جشعين" الذين يفدون من السعودية لاستغلال العوائل الفقيرة.

يقول الرجل، الذي طلب عدم التصريح عن اسمه، إن شقيقته وعائلته بشكل عام، وقعوا ضحية لجشع رجل سعودي، حقق رغبته وهرب إلى بلاده.

وأوضح قائلاً: "تقدم أحد السعوديين لزواج أختي عبر أحد الوسطاء اليمنيين. تمت الزيجة بعد موافقة العريس على كافة الشروط"، موضحاً أنه كان مقرراً أن تسافر العروس مع زوجها إلى السعودية حيث يقيم، بعد قضاء شهر العسل في فندق بمدينة حرض الحدودية مع المملكة.

لم يمر من شهر العسل سوى أسبوعين وإذا بالعريس يهرب تاركاً عروسه في بمفردها في الفندق، بحسب شقيقها الذي يقول إن العريس السعودي ترك عروسه من دون أي مبلغ مالي يساعدها في العودة إلى أهلها.

ليس ذلك فقط، يوضح شقيق العروس، بل إن العريس سرق ذهب العروس، وهو مهرها الذي قدمه لها ضمن شروط الزواج المتفق عليها، ولم يتوقف عند هذا الحد، بل إنه لم يسدد كامل أيام الإقامة في الفندق؛ ما أجبر والد العروس أن يدفع ما ترتب على الزوجين من مصروفات فندقية. 

تلك القصة تشبهها قصص أخرى، تندرج ضمن ما يطلق عليه بـ"الزواج السياحي" أبطالها سعوديون، يسافرون إلى اليمن لغرض السياحة، وقضاء وقت من المتعة والاسترخاء. 

تفوقهم المادي، وفارق سعر صرف عملة بلادهم، يشجع السعوديين على السفر إلى اليمن للسياحة، لا سيما أن الأخيرة تتمتع بمقومات طبيعية، فضلاً عن تقارب العادات الاجتماعية بين البلدين الجارين.

لكن اليمنيين يتحدثون عن ممارسات سعودية يعتبرونها "لا أخلاقية"، وأن ممارساتهم لم تخلو من الاستعلاء، بل وصلت إلى حدّ استغلال الوضع المتردي الذي تمر به العوائل الفقيرة، تمثلت أبرزها في "الزواج السياحي"، الذي خلف عدداً كبيراً من الفتيات الضحايا لهذا الزواج.

وفقاً لما يرويه يمنيون عن "الزواج السياحي" فإنه يتلخص بتقدم سعودي بطلب الزواج الرسمي من فتاة لأسرة يمنية فقيرة، مقدماً إغراءات مالية؛ يضطر على إثرها أولياء أمور هذه الفتيات للقبول تدفعهم حالة الفقر التي يعيشونها، لكن هذا الزواج لا يستمر سوى لأشهر في أحسن الأحوال، ويلوذ العرسان السعوديون بالفرار دون أي ملاحقات قانونية أو قضائية.

- تداعيات قانونية

وفقاً لمتخصصين، فإن معظم أسباب قبول الفتيات هذا النوع من الزواج، ترجع بالإضافة إلى الظروف الاقتصادية القاسية التي تحيط بالمجتمع اليمني، لنسبة الأمية العالية التي قد تصل إلى حوالي 50%، فضلاً عن أن الزواج بالإكراه منتشر في المجتمع اليمني الذي لا يأخذ أحياناً برأي الفتاة.

في هذا السياق، يقول المحامي عمار الأهدل: إن "الزواج السياحي انتشر بهذا المسمى في اليمن بعد عام 2000، وبدأت آثاره تظهر على السطح بعد قيام كثير من السعوديين والخليجيين بالزواج من اليمن. وبالذات من بعض المحافظات كمحافظة إب التي سجلت نسبة عالية مقارنة بغيرها من المحافظات".

وأكد المحامي اليمني أن السعوديين كان يعدون بالاستمرار بالزواج، ويقدمون إغراءات لإقناع أولياء الأمور؛ مستغلين حالة الفقر وعدم الوعي وضعف الدولة اليمنية.

الأهدل أوضح في حديثه لـ"الخليج أونلاين" أن "عدداً كبيراً من الفتيات اليمنيات تقدمن للمحاكم لطلب الفسخ من سعوديين تزوجوهنّ بهذه الطريقة. لقد وجدن أنفسهن معلّقات؛ فلا الزوج حضر بعد أن سافر ووعدها بالعودة، ولا هو أخذها معه إلى بلاده، أو يرسل إليها نفقة تؤكد ارتباطه بها، وأحيانا ينقطع التواصل كلياً حتى بالهاتف".

وأشار  إلى "ظهور العديد من المشكلات المرتبطة بهكذا زواج، ومنها مشكلة الأولاد؛ حيث تواجه المتزوجة صعوبة كبيرة في تسجيل ولدها كإبن لشخص سعودي أو خليجي؛ كون قوانين الخليج تضع عراقيل كثيرة قبل اعتماد الأطفال من الأجنبيات، وغيرها من المشاكل كالنفقة وضياع حقوق تلك الفتيات المادية المترتبة على الطلاق؛ بسبب عدم وجود وثائق رسمية تثبت هذه الحقوق وتلزم الأزواج بدفعها".

ومن التبعات السلبية الخطيرة لهذا الزواج القائم على إغراء المال، إغفال المقومات الإنسانية للزواج، وتحويله إلى إجازة سياحية، بالإضافة إلى المشكلات النفسية التي تلحق بالفتاة بعد طلاقها، علاوة على انتقاص كرامتها.

بذلك، ونظراً لعادات مجتمعية موروثة، تُصبح هذه الفتيات محل ازدراء الشباب والرجال وأفراد المجتمع؛ كونهن قبلن بهذه الصفقة في مقابل المال، فضلاً عن هذا، فإن تخلي بعض الأسر عن مسؤولياتها تجاه فتياتهن اللاتي وقعن ضحية لهذا الزواج قد يدفعهن للسقوط في وحل الانحراف الأخلاقي.

ولمحاولة الحد من هذه الظاهرة، أضافت الجهات الرسمية اليمنية شروطاً لزواج الأجنبي من يمنية، تتمثل في الحصول على إذن من وزير الداخلية اليمني بعد الاطلاع على الملف، وموافقة سلطة بلاده، وإرفاق إيداع بنكي معتمد رسمياً كضمان وفاء لحقوق المرأة.

لكن هذه الشروط الرسمية لم تمنع الظاهرة في بلد يظل فيه القانون حبراً على ورق، فضلاً عن أنها لم تقم بإجراءات مع السلطات السعودية لملاحقة من تورطوا من مواطنيها.

- الشعور بالاستعلاء

بدوره يرى الباحث والأخصائي الاجتماعي اليمني معاذ الذبحاني، أن "سبب تكريس هذا السلوك في اليمن هي الظروف المادية الصعبة لليمنين التي تجبرهم على البحث عن بدائل أفضل للمعيشة".

وأيضاً من الأسباب الرئيسة لهذه الحالة، بحسب الذبحاني "الحروب المستمرة التي جعلت اليمني يتحمل أي تصرفات، وإن كانت غير سليمة، وأيضا التدخل السعودي في الشأن اليمني منذ الستينيات تقريباً".

هذه الظروف، يقول الباحث اليمني "عززت ثقافة الاستعلاء على المواطن اليمني".

واعتبر الذبحاني، وهو يتحدث لـ"الخليج أونلاين" أن "الاستعلاء الاجتماعي الذي يشعر به السعوديون يعود إلى انغلاق الثقافة السعودية على ذاتها؛ حيث لم يتم معالجة هذه الظاهرة داخلياً، تربوياً واجتماعياً وثقافياً، رغم تكرار الشكاوى منها في أكثر من بلد".

بالإضافة إلى هذا فإن "القمع الذي يتعرض له المفكرون والعقلاء والحكماء في السعودية، زاد من تفشي هذه الظاهرة، يضاف إلى ذلك أن عيشهم على المذهب الواحد والتوجه الواحد والرأي الواحد أضعفهم في معرفة الآراء والتوجهات والثقافات والاختلافات"، وفقاً للذبحاني، الذي لفت النظر  إلى أن "الاستعلاء المادي الكبير ساعد على تشكيل بيئة خصبة داخل السعودية، وثقافة ترى أن كل مثقف أو صاحب رأي يمكن شراؤه أو قابل للشراء".