إسماعيل العوضي - إنسايد أرابيا-
منذ سقوط "معمر القذافي" عام 2011، لم يحقق الليبيون أحلامهم في الحرية والأمن، ولا توجد سلطة تسيطر بشكل كامل على البلاد. وتنقسم السلطة بين حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة بقيادة "فايز السراج" ومقرها في العاصمة طرابلس، وما يعرف بـ"الجيش الوطني الليبي" المنافس بقيادة القائد العسكري "خليفة حفتر" ويتمركز شرق البلاد. وولد الفراغ في السلطة في البلاد الغنية بالنفط حالة من التنافس بيم العديد من الفصائل الأخرى مثل "الإخوان المسلمون" والجماعات السلفية وحتى الميليشيات المسلحة.
كما تعمل القوى الإقليمية والدول المجاورة على تصعيد التنافس على السلطة في الساحة السياسية الليبية. وتدعم مصر والإمارات العربية المتحدة حملة "حفتر" العامة ضد المقاتلين الإسلاميين، في حين تدعم تركيا والمجموعات الإسلامية المدعومة من قطر في غرب البلاد رئيس الوزراء في الحكومة الوطنية "فايز السراج".
وقد أطلق اللواء "حفتر" "عملية الكرامة" في بنغازي في مايو/أيار 2014؛ للقضاء على التنظيمات الإسلامية والسيطرة على محطات تصدير النفط الرئيسية في البلاد. وقدم نفسه كمنقذ لليبيا من الجماعات الإسلامية المتشددة، التي ألقى عليها باللوم في الإرهاب والاضطرابات في البلاد. وذكر "حفتر" مرارا وتكرارا أنه لا يسعى إلى السلطة، وأنه يستجيب فقط لـ "نداء الشعب".
في أحضان الإمارات
وهناك أهمية سياسية واقتصادية للدعم المستمر من دولة الإمارات لـ"حفتر". وتعتبر الإمارات "حفتر" زعيما يشن حربا على الإرهاب والفصائل الإسلامية المتطرفة، وهو وصف لا يوافق عليه الكثير من الليبيين ولا المجتمع الدولي. وفي العديد من المناسبات، دعت السلطات الإماراتية "حفتر" لزيارة الإمارات، وأشادت بدوره في القتال للقضاء على الإرهاب في ليبيا. لكن ليس هذا هو السبب الوحيد لأهمية "حفتر" لدى الإمارات.
وتقوم العلاقة بين الإمارات و"حفتر" على المصلحة المتبادلة. وتخدم معركة "حفتر" ضد الفصائل الإسلامية في ليبيا أجندة الإمارات السياسية في المنطقة. ويأتي هذا تماشيا مع الحملة التي تشنها الإمارات على الجماعات الإسلامية في جميع أنحاء المنطقة، ولا سيما جماعة "الإخوان المسلمون". وقد مولت الإمارات، إلى جانب المملكة العربية السعودية، الانقلاب العسكري ضد الرئيس المصري "محمد مرسي" عضو جماعة "الإخوان" عام 2013.
وشاركت الإمارات في مفاوضات سرية مع "حفتر" هذا الصيف لتصدير النفط الليبي عبر قنوات غير المصدر الوحيد المعتمد من قبل الأمم المتحدة، المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس، وفقا لصحيفة "وول ستريت جورنال". وبعد سيطرة قوات "حفتر" على العديد من الموانئ في الهلال النفطي الليبي في يونيو/حزيران 2018، أوقف الصادرات اليومية البالغة 850 ألف برميل من النفط، فقط لإعادة توجيه النفط عبر شركة إماراتية غير معتمدة من قبل الأمم المتحدة. وقد أثارت هذه الحادثة ضغوطا دولية دفعت "حفتر" إلى تسليم الموانئ إلى مؤسسة النفط الوطنية.
ويعمل "حفتر" على ضمان المصالح الاقتصادية والتأثير السياسي لدولة الإمارات في ليبيا. وفي المقابل، توفر الإمارات الدعم لـ"حفتر" بطرق مختلفة.
وتوفر الإمارات الدعم العسكري لـ"حفتر" في الوقت الذي يسعى فيه إلى الوفاء بالتزامه المزعوم "بتطهير" البلاد من الميليشيات الإسلامية. واتهم تقرير الأمم المتحدة الإمارات بانتهاك حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة على ليبيا عبر توفير الدعم المالي والمعدات العسكرية، مثل المروحيات والطائرات والمركبات المدرعة إلى قوات "حفتر" في يونيو/حزيران 2017.
التدخل في الانتخابات
وإلى جانب الدعم العسكري والمالي، تقوم السلطات الإماراتية بتمويل الحملات الانتخابية للمرشحين المؤيدين لـ"حفتر" بالانتخابات الوطنية التي كان من المفترض أن تتم في ديسمبر/كانون الأول 2018، لكن تم تأجيلها بسبب القتال في طرابلس. وبعد المؤتمر الوطني في "باليرمو" الأسبوع الماضي، قال "غسان سلامة"، المبعوث الخاص للأمم المتحدة في ليبيا، أنه يتوقع الآن أن تجري ليبيا انتخابات في ربيع عام 2019.
وكان "حفتر"، البالغ من العمر 75 عاما، ضابطا في انقلاب "القذافي" الذي أطاح بالملك "إدريس" عام 1969. وقد عمل "القذافي" على ترشيح "حفتر" للقيادة العسكرية، وعينه مسؤولا عن القوات الليبية المتورطة في الصراع في تشاد، وبعد أن أسرت القوات التشادية "حفتر" عام 1987، وأنكر "القذافي" وجود أي قوات ليبية في تشاد، انتهت العلاقة الوثيقة بين "القذافي" و"حفتر".
وبعد إطلاق سراحه من السجن، أصبح "حفتر" أحد أقوى معارضي "القذافي"، واختار العيش في المنفى في الولايات المتحدة، وشارك مع وكالة الاستخبارات المركزية في عمليات الإطاحة بنظام "القذافي"، وعاد "حفتر" إلى ليبيا خلال الانتفاضة ضد "القذافي" عام 2011، وسرعان ما أصبح أحد القادة الرئيسيين لقوى المعارضة الليبية في شرق البلاد.
لكن يبقى أن تصمد العلاقة المتبادلة بين "حفتر" والإمارات أمام اختبار الزمن. وقد يؤدي صعود زعيم عسكري منافس في المنطقة إلى وضع حد لسلطة "حفتر"، خاصة إذا خسر الدعم الليبي الشعبي. وإذا لم يكن استمراره في صالحهم، فإن مؤيدي "حفتر" في الإمارات يمتلكون أيضا القدرة على تنظيم زعامة سياسية بديلة، وخلق حكومة دموية جديدة، لإنجاز أجندتها في ليبيا وتأكيد نفوذها في المنطقة.