علاقات » عربي

زيارة بن سلمان لتونس .. غضب شعبي وترحيب رسمي

في 2018/11/26

هدى القشعمي- خاص راصد الخليج-

تخضع العلاقات السعودية التونسية اليوم لاختبار جديد بعد الاعلان عن زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الثلاثاء القادم تونس في ظل ترحيب رسمي وغضب شعبي رافض للزيارة على خلفية تورط الأمير الشاب بقضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بتركيا. في ظل هذا التباين الرسمي والشعبي، هل ستلغي تونس الزيارة تحت الضغط الشعبي؟ وهل ستستطيع منع المظاهرات التي ستخرج معترضة عليها؟

لمحة سريعة عن تاريخ العلاقات بين البلدين:

مرت العلاقات السعودية التونسية بحالات ممتازة أيام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، إلى حين قيام الثورة التونسية عام 2011 التي أدانتها الحكومة السعودية وعبرت عن رفضها طابعها التغييري ودعمت نظام زين العابدين بن علي، كما أدانت هيئة كبار العلماء المظاهرات وحرمتها لأنها سبب للفتن وتفريق الجماعة، في إشارة غير مباشرة لمظاهرات الربيع العربي، وتناوب أعضاء هيئة كبار العلماء وعلى رأسهم الشيخ عبد العزيز آل الشيخ على التذكير بأن الانتحار جريمة نكراء، وأن من يتخذ الانتحار وسيلة للضغط لتحقيق مطالب آثم شرعاً، في إشارة لحادثة انتحار البوعزيزي التي يعزى إليها تفجير الثورة التونسية، وما زاد الأمر تعقيداً ذهاب بن علي الى السعودية في 14 يناير 2011 التي استضافته ورحبت بقدومه مع أسرته إلى المملكة" متمنية أن يسود الأمن والاستقرار في الديار التونسية. وقد طالبت السلطات التونسية مراراً بتسليم بن علي لكن السلطات السعودية لم تستجب لهذه المطالب حتى يومنا هذا، ومن أبرز المطالبات التونسية طلب المنجي الرحوي ممثل الجبهة الشعبية في نوفمبر 2016 في مجلس نواب الشعب الحكومة السعودية بترحيل زين العابدين بن علي في إطار جلسة اجتماع مع وزير المالية، اضافة إلى تأكيد رئيس الجمهورية التونسية الباجي قائد السبسي في ديسمبر 2017 أن طلب بلاده جلب بن علي من السعودية قوبل بالرفض، أما بعد نجاح الثورة  فقد أعلنت الحكومة السعودية وقوفها التام مع الشعب التونسي، إلا أنها لم تهنئ الحكومة التونسية الانتقالية، أما بعد فوز الباجي قائد السبسي في انتخابات 2014 الذي رحبت السعودية بفوزه وايدته فقد شكلت العلاقات انعطافة جديدة تخللتها بعض الزيارات وكذالك الاستثمارات والصفقات والمنح والهبات. فما هو تأثير هذه الصفقات على الموقف التونسي الرسمي؟

العلاقات الاقتصادية:

قدمت السعودية لتونس العديد من الهبات وكذلك عقدت معها العديد من الاتفاقيات الاقتصادية، ففي سنة 2013 منح الصندوق السعودي للتنمية قرضاً للحكومة التونسيّة بقيمة 290 مليون دينار يتم سدادها على مدى 20 عاماً، وتتضمّن فترة إمهال 5 سنوات، بفائدة نسبتها 2 بالمائة. ليصبح اجمالي قروض تونس من هذا الصندوق بالذات مليار دينار تقريباً، وفي  2015 كانت هناك اتفاقيات التعاون في مجال النقل والدفاع المدني، حيث وقّعت تونس على قرض جمليّ بقيمة 659 مليون دينار، كما تم  الاتفاق على منح السعودية لتونس هبة من 48 طائرة مقاتلة من طراز أف 5، أما في 2016 فقد أعلن يوسف بن إبراهيم البسام رئيس صندوق التنمية السعودي عن منح تونس 500 مليون دولار لدعم الاستثمار في مجالات عدّة، وكذلك تخصيص 200 مليون دولار لتمويل صادرات سعودية من خلال برنامج الصادرات السعودية التابع للصندوق، وفي 2018 أعلنت المملكة أنها قدمت 500 مليون دولار مساعدات لتونس.

غضب الشعب التونسي من زيارة بن سلمان:

تجلى الرفض الشعبي التونسي لزيارة ولي العهد السعودي بقيام اكثر من 30 محاميا بتقديم دعوى استعجالية لمنع قدوم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الى تونس، أما النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين فقد عبّرت في رسالة مفتوحة إلى رئيس الجمهورية عن "استهجانها اعتزام ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، زيارة تونس كونه خطراً على الأمن والسلم في المنطقة والعالم وعدوّاً حقيقياً لحرية التعبير. بدوره أكّد النائب بالبرلمان التونسي عماد الدايمي، أنه يرفض "تدنيس التراب التونسي من قبل قاتل متورّط في جريمة كبرى"، وقد أكد الناشط السياسي والقيادي السابق في حزب "حراك تونس الإرادة" طارق الكحلاوي أنه من المنتظر أن يحتشد المئات أمام القصر الجمهوري بقرطاج بالتزامن مع حلول ولي العهد السعودي بتونس. بدوره دان المتحدث الرسمي باسم الجبهة الشعبية المعارضة في تونس حمة الهمامي الزيارة المرتقبة لولي العهد السعودي، واعتبرها استفزازا للشعب التونسي ولثورته ومبادئه. هذا وقد عبر عدد كبير من الشعب التونسي في منصات التواصل الاجتماعي عن رفضهم زيارة ولي العهد السعودي لبلدهم.

هل يتأثر الموقف التونسي بفعل الهبات المقدمة لها؟

كما قدمنا أعلاه الهبات والاتفاقات التي عقدت بين البلدين كان من اللافت توقيتها، إذ إن المملكة مثلاً قدمت عام 2015 هبة هي عبارة عن طائرات وتبين فيما بعد أنها كانت من أجل إقناع تونس في دخول التحالف الاسلامي العسكري وهذا ما قامت به تونس بالفعل وقتها، أما الهبات الأخرى فقد ركزت بها السعودية على الأماكن والصروح الدينية في تونس وهي الهبات التي تريد المملكة من خلالها استمالة شريحة كبيرة من التونسيين وجعل تبعيتهم الدينية لتونس كما أنها تؤكد من خلال هذه الهبات على أنها الثقل الأكبر في العالم الاسلامي ويجب على تونس أن تكون تحت عباءتها وذلك لتفادي جنوح تونس نحو إيران الطرف الثاني القوي في منظمة العالم الاسلامي. وفي موقف داعم آخر انحازت تونس للمملكة العربية السعودية في أزمتها الدبلوماسية مع كندا، وأخيراً حاولت تونس أن تأخذ موقف الوسط في قضية جمال خاشقجي حيث دانت الحادثة ولكنها بنفس الوقت شددت على أن هذه الحادثة لا يمكن أن تكون سبباً لاستهداف استقرار السعودية.

على ضوء ما تقدم من الواضح أن زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان تونس لن تمر مرور الكرام وستكون لها تداعيات سلبية على العلاقات بين البلدين لأن الشعب التونسي الغاضب لن يكون مرحبا بها وهذا ما أعلنت عنه مكونات مختلفة من الشعب التونسي إذ إن ولي العهد لن يستقبل بالورود والترحيب بل بمظاهرات ستحيط بالقصر الجمهوري بقرطاج وسط هتافات منددة بجريمة اغتياله الصحافي جمال خاشقجي ما سيحرج السلطات التونسية وخاصةً الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي الذي سيكون بين نارين، الشعب الغاضب الذي لا يرحب بالزيارة وموقفه الرافض بشدة لها وبين الامير محمد بن سلمان وخسارة الصفقات المالية، فهل سينحاز السبسي لشعبه ويقوم بإلغاء الزيارة والدوس فوق المال السعودي، أم أن مال محمد بن سلمان سيقول كلمته كما في كل مرة؟