علاقات » عربي

الإمارات تعبث بأملاك سكان القاهرة.. ومراقبون يعتبرونها "بلطجة"

في 2019/01/25

الخليج أونلاين-

عمدت الحكومة المصرية إلى إخلاء منطقة تجارية حيوية وسط العاصمة القاهرة من سكانها، تُعرف باسم "مثلّث ماسبيرو"، وانتزعت ملكية عدد كبير من سكّانها بموجب قرار حكومي؛ بدعوى تنفيذ مشروعات خدمية وتنموية بواسطة شركات إماراتية.

وتأتي الخطوة المصرية في إطار ما تقوم به الإمارات من عمليات استحواذ على قطاعات مهمّة في اقتصاد مصر، منذ دعهما انقلاب يوليو 2013، الذي أتى بالمشير عبد الفتاح السيسي على رأس السلطة.

محلّلون وصفوا إقدام الدولة المصرية على مصادرة أملاك 915 مواطناً مصرياً دون تقديم تعويضات مُجزية بدعوى التنمية بـ"بلطجة دولة"، معربين عن استغرابهم الشديد من دعم مصالح شركات إماراتية عملاقة.

وتواترت أنباء عن سيطرة الشركات الإماراتية على أهم مفاصل الاستثمار في البلد، مقابل سلب حقوق مواطنين تملّكوا عقارات على مدار نصف قرن من الزمن؛ بدعوى أن بعضهم لا يملك مستندات تُثبت ملكية العقارات التي يشغلونها.

أهمية "مثلث ماسبيرو"

تُصنّف منطقة "مثلث ماسبيرو" كواحدة من عشوائيات العاصمة المصرية القاهرة، وتقع قرب نهر النيل، وتُحيط بها مبانٍ حكومية عديدة، وتمتلك الدولة 10٪ فقط من مساحتها البالغة 90 فداناً.

ويُقدَّر عدد الأسر التي تعيش بهذه المنطقة بنحو 4500 أسرة، وفيها العديد من المشاريع التجارية والفنادق، وقد قدَّمت الدولة تعويضات رمزية قدرها 2500 دولار للسكان الذين يمتلكون وثائق رسمية تُثبت ملكيتهم للعقارات التي يشغلونها، بينما يرى المتضرّرون أن المبلغ زهيد قد يكفي لدفع إيجار شقة متواضعة لمدة عام واحد في العاصمة.

ونشرت جريدة "الوقائع" الرسمية، في العاشر من يناير الحالي، قرار رئيس الحكومة، مصطفى مدبولي، بنزع ملكية 915 قطعة في المنطقة، كما أصدر قراراً آخر بتأميم قطع الأراضي التي رفض أصحابها تسليمها للحكومة، أو القطع التي فشل أصحابها في تقديم المستندات التي وصفها الأهالي بـ"التعجيزية" التي طلبتها الحكومة لتأكيد ملكيتهم لهذه الأراضي والعقارات.

وأقدمت السلطات الأمنية على إجلاء ما يقرب من 4100 أسرة، بينما ترفض 400 أسرة ترك منازلها، وأُجبرت على فعل ذلك بالقوة، وصرفت تعويضات لـ2880 أسرة، بينما نقلت 437 أسرة لحي الأسمرات بصحراء المقطم كسكن بديل.

أصابع إماراتية

وبحسب الكاتب والمحلل الاقتصادي، أبو علي الديب، فإن أهمية المنطقة تأتي من عدة أوجه؛ منها موقعها الجغرافي من العاصمة القاهرة حيث تتوسّط العديد من المواقع الحيوية والحكومية، إلى جانب قربها من نهر النيل.

وقال الديب في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "نعم ماسبيرو واحدة من أسوأ العشوائيات في القاهرة، لكنها كسائر العشوائيات في مصر ارتبط وجودها بجملة تحوّلات اجتماعية واقتصادية في البلد، على مدار نصف قرن، وسكانها هم من أشد طبقات المجتمع المصري فقراً وبساطة".

وأضاف الديب: "تطوير المنطقة ليس من مشاريع الحكومة الحالية، بل هو مشروع قديم يعود إلى زمن حكم الرئيس الأسبق، حسني مبارك، لكن ما منع من تنفيذ عملية التطوير هو عدم قدرة الدولة على إيجاد حلول لسكان المنطقة البالغ تعدادهم بالآلاف، وقيمة الأرض المُقامة عليها العقارات كبيرة".

وأوضح أن سعر المتر الواحد فيها يقدَّر بـ100 ألف جنية (5800 دولار)، ما يجعل التعويضات أرقاماً فلكية غير التي تم دفعها.

واستدرك الديب بالقول: إن "توفير الموارد لتعويض السكان كان العائق الأساسي أمام الحكومات المتعاقبة لتنفيذ مشروعات التطوير، أما حكومة مدبولي فقد استقوت على السكان بالنفَس السائد في مصر بعد الانقلاب؛ القائم على استضعاف الشعب وقهر أي شكل من أشكال المعارضة".

ويتهم الديب الحكومة المصرية بممارسة سياسة الإكراه لإجبار السكان على التخلّي عن أملاكهم "بطريقة لا يمكن وصفها إلا بأنها بلطجة دولة".

الكاتب والمحلل الاقتصادي المصري قال لـ"الخليج أونلاين": إن "ماسبيرو أغلى أرض في مصر؛ فهي من بين الأعلى سعراً في البلاد، وجذب موقعها المهم منذ عقود الكثير من المستثمرين الذين يأملون في استغلالها لإقامة مشروعات ضخمة تشمل فنادق وأبراجاً ومجمّعات تجارية".

وتابع: "ورغم تأكيد الحكومة أنها لن تمنح المستثمرين الأجانب حق استغلال المنطقة، فإنّ التسريبات تؤكد أن الإمارات هي من استحوذت عليها، فقيمة التعويضات التي قدّرتها محافظة القاهرة بنصف مليار جنيه ما كانت الحكومة لتقدر عليها لولا توفير الموارد من قبل الشركات الإماراتية، والدليل على ذلك عجزها عن تنظيم كأس أمم أفريقيا، ولجوءُها لطلب عون القطاع الخاص في ذلك".

ودعمت الإمارات نظام السيسي بمساعدات مالية قبل سيطرته على الحكم، ولكن عقب وصوله للسلطة انخفضت تدريجياً، لتباشر بعدها شركاتها عملية استيلاء على نصيب الأسد من الاستثمارات في السوق، بعد أن فتح لها النظام الباب على مصراعيه وشرعن تغلغلها في مفاصل الاقتصاد.

وفي يوليو 2017، كشف السفير الإماراتي بالقاهرة، جمعة الجنيبي، في تصريحات صحفية، أن حجم استثمارات بلاده في السوق المصرية بلغ أكثر من 6.2 مليارات دولار، تُدار من خلال 877 شركة مشتركة.

ووفق معلومات نشرها البنك المركزي المصري، في يونيو 2017، تحتلّ أبوظبي المرتبة الأولى من حيث أهم الشركاء التجاريين مع القاهرة؛ بحجم تبادل تجاري بلغ في النصف الأول من العام المالي نحو 3 مليارات دولار، منها 1.17 مليار دولار صادرات.

احتلال اقتصادي

حجم المشاريع التي استحوذت عليها أبوظبي من خلال شركاتها، خلال السنوات الخمس الماضية، تحت عنوان "الاستثمار"، يجعل أهم مفاصل الاقتصاد المصري تحت سيطرتها، وهو ما دفع المعارض المصري، سمير عليش، إلى اعتبار ما تقوم به الإمارات في مصر عملية "احتلال اقتصادي".

وقال المتحدث السابق باسم "الجبهة الوطنية للتغيير"، في حديثه لـ"الخليج أونلاين": إن "أبوظبي، وفي إطار سعيها للسيطرة على حركة التجارة العالمية، وقعت من خلال مجموعة موانئ دبي العالمية، في فبراير 2017، مع هيئة قناة السويس على اتفاقية لتنفيذ المرحلة الأولى من تطوير منطقة صناعية وسكنية متكاملة في مدينة العين السخنة".

ونصّت الاتفاقية على أن تسهم المنطقة الاقتصادية لقناة السويس بنسبة 51%، وموانئ دبي بـ49%، مع احتفاظها بحق الإدارة، وأضاف عليش: "كما استحوذت الإمارات على حصة 90% من شركة تطوير ميناء السخنة، بصفقة قُدِّرت قيمتها بـ670 مليون دولار".

وتابع بالقول: "وفي مجال الطاقة اشترت شركة مبادلة للاستثمار الإماراتية حصة 20% من امتياز حقل نور البحري للغاز، شمال سيناء، من شركة إيني الإيطالية التي تملك 85% منها بالشراكة مع الشركة المصرية للغازات الطبيعية، التي تستحوذ على 15% فقط من الامتياز".

واستدرك عليش حديثه بالقول: إن "ما ذكرته آنفاً هو بعض من تلك المشاريع الاستراتيجية التي استحوذت عليها الإمارات، والقائمة تطول وما خفي أعظم، وهي تعطينا مؤشراً واضحاً عن سبب دعم أبوظبي للانقلاب بلا حدود".

ووصف ما يحدث من قبل الإمارات في مصر بـ"احتلال بكل معنى الكلمة"، داعياً المعارضة المصرية اليومية لتنحية خلافاتها الحزبية جانباً والتوحّد وراء مشروع سياسي يحرّر البلاد من هذه التبعية.

يُشار إلى أن صحيفة "المصري اليوم" نشرت، في سبتمبر 2016، تقريراً لهيئة الرقابة الإدارية في مصر وصفته بـ"السري"، حذّرت فيه من أن "استحواذ الشركة الإماراتية على المؤسسات الصحية يمثّل تهديداً للأمن القومي المصري".

وكانت شركة "أبراج كابيتال" متعدّدة الجنسيات، والتي تتخذ من دبي مقراً لها، قد استحوذت على منشآت صحية مصرية كبرى، وهو ما اعتبرته نقابة الأطباء المصرية، في مؤتمر صحفي عام 2015، تهديداً للأمن القومي للبلاد.