علاقات » عربي

اقتصادات الخليج 2019: عين على النفط وعين على الإصلاح

في 2019/01/26

عامر ذياب التميمي- البيت الخليجي-

ما هي التوقعات المحتملة للاقتصاديات الخليجية في هذا العام 2019؟ هل يمكن أن تتحسن أسعار النفط بما يمكن حكومات بلدان الخليج من مواجهة التزامات الإنفاق العام؟ أم أن الأسعار ستبقى دون تغيير أو ربما تراجعت بما يدفع الحكومات إلى مراجعة مخصصات الإنفاق الجاري والإنفاق الرأسمالي وترشيدها أو تقليصها؟

ماذا عن  الإصلاحات الاقتصادية التي يثار حولها الحديث ومدى واقعيتها أو قدرة الحكومات، أو بعضها، على إنجازها؟ هل يمكن لدول الخليج أن تمنح مسألة التركيبة السكانية اهتماماً مستحقاً وتعيد ترتيب أوضاع سوق العمل بما يعزز من مشاركة العمالة الوطنية ويرفع من مساهمتها في العمل؟ أخيراً، هل يمكن لدول الخليج الإستمرار في تقديم الدعم للدول العربية الأخرى وتوفير القروض الميسرة لها في ظل إيرادات نفطية متراجعة؟

أسئلة أساسية لابد أن المسؤولين في بلدان المنطقة يعون أهميتها. لكن هل يمكن لهم أن يتعاطوا بشأنها بموجب معايير اقتصادية موضوعية دون تغليب الأبعاد السياسية. وهل يمكنهم انتهاج مسارات إصلاحية والانتصار على منظومة القيم الريعية؟

يمكن الزعم بأن أوضاع سوق النفط تبدو مبهمة في أحسن الأحوال حيث لا يمكن قراءة أوضاع سوق النفط بشكل واضح. هناك إمكانية لقيام دول الأوبك بتخفيض مستويات الإنتاج للتعامل مع التراجع الأخير في الأسعار. لكن ما هو التخفيض المطلوب؟ هل هو 1.5 مليون برميل يومياً أو 2.0 مليون برميل يومياً، وهل يكفي هذا التخفيض لإعادة التوازن في معادلة العرض والطلب ويؤدي إلى تحسن الأسعار أو على الأقل استقرارها حول 60 دولاراً للبرميل؟ أيضاً، ماذا عن البلدان التي تنتج في الوقت الراهن كميات أقل من معدلات إنتاجها التقليدية مثل ليبيا ونيجيريا وفنزويلا وإيران لأسباب سياسية أو أمنية أو فنية، هل يمكن أن تحسن من مستويات الإنتاج إذا تمكنت من تجاوز المعطلات السياسية والأمنية؟ هناك إمكانيات لدى العراق لتجاوز معدل 5 مليون برميل يومياً في وقت قريب بمـا يزيد من طاقة البلاد التصديرية.

هذه العوامل سوف تحدد معالم سوق النفط إلى درجة هامة، آخذاً بعين الاعتبار إمكانيات رفع مستويات الإنتاج في الولايات المتحدة من النفط الصخري، وكذلك الغاز الصخري، بالرغم من التقارير التي تشير إلى المشكلات الفنية والتمويلية التي تواجه الشركات العاملة في الحقول الأمريكية. ومهما يكن، إن عدداً من المختصين بالشأن النفطي يتوقعون بأن تدور الأسعار حول 61 دولاراً للبرميل خلال العام الجاري.

خلال اجتماع الأوبك في السابع من ديسمبر/كانون الأول من العام الفائت أقرت “الأوبك” تخفيضاً للإنتاج قدره 1.2 مليون برميل يومياً، حيث ستخفض الدول الأعضاء 800 ألف برميل يومياً وتقوم البلدان الحليفة، مثل روسيا، بتخفيض 400 ألف برميل يومياً، على أن يسري هذا التخفيض لمدة ستة أشهر. ويهدف هذا التخفيض إلى رفع سعر البرميل إلى 70 دولاراً مع بدء خريف 2019 ـ يظل ذلك قابلاً للتغيير في ظل معطيات إنتاج ومحددات طلب من أهمها الإنتاج الأمريكي والذي تجاوز 11.6 مليون برميل يومياً في الآونة الأخيرة وذلك يمثل 58 في المئة من الطلب على النفط في الولايات المتحدة والبالغ 19.9 مليون برميل يومياً.

لا شك أن هذه العوامل أساسية وتشكل مع المتغيرات في اقتصاديات الطاقة وتحسن استخدامات الطاقات البديلة، تشكل تحديات أمام البلدان المصدرة للنفط ومنها بلدان الخليج. قطعت بعض بلدان الخليج شوطاً جيداً في عمليات الإصلاح الإقتصادي البنيوية ومن هذه البلدان السعودية والإمارات. هذه الإصلاحات لابد أن تؤثر على الأوضاع المعيشية والاجتماعية، في الأمد القصير، كما أن إنجاز مثل هذه الإصلاحات أو التحولات في بلدان خليجية أخرى مثل الكويت قد لا تكون يسيرة في ظل الأنظمة السياسية ذات الصبغة الشعبوية.

وغني عن البيان، أنه لم يعد أمام بلدان الخليج من بدائل سوى ترشيد السياسات المالية التي تعتمدها الحكومات وإنجاز إصلاحات إقتصادية تعزز إمكانيات تنويع القاعدة الإقتصادية. لا يمكن أن نتوقع أن الإصلاحات المنشودة يمكن تنفيذها، أو إنجازها خلال زمن قصير ولا نتوقع أن تتحقق هذه الإصلاحات خلال عام 2019.

المطلوب الآن هو أن تبدأ الحكومات خلال هذا العام، وبعد مرور 5 سنوات منذ تراجع أسعار النفط في عام 2014، في تعديل السياسات المالية بشكل منهجي. أهم هذه التعديلات تتركز في فلسفة سياسات الإنفاق الجاري. يتعين إصلاح سياسات توظيف المواطنين في الدوائر والمؤسسات الحكومية أو تلك التابعة للقطاع العام. من الضروري أن تعتمد سياسات التوظيف على الإحتياجات الفعلية وعدم التوظيف من أجل التمتع برواتب وإجور ومزايا دون مساهمة إنتاجية تذكر من العاملين بما يزيد من أعداد المنتمين للبطالة المقنعة. يجب أن يكون توظيف المواطنين في القطاع الخاص هدفاً إستراتيجيًا بالموازاة مع تفعيل دور القطاع الخاص في الحياة الإقتصادية وإنجاز عمليات تخصيص واسعة النطاق.

ويضاف إلى مسألة التوظيف مسألة الدعم السلعي وغير ذلك من دعم حيث تستهلك بنود الدعم مبالغ مالية ضخمة، آن الأوان لترشيدها ودفع المواطنين وغيرهم من مستهلكين لتحمل التكاليف الحقيقية للسلع والخدمات.

تظل مسألة سوق العمل من القضايا المحورية في بلدان الخليج حيث ترتفع مساهمة العمالة الوافدة إلى مستويات قياسية قد تتراوح بين 60 إلى 90 في المئة من قوة العمل في هذه البلدان. لن يكون هناك جدوى من الإصلاح الإقتصادي إذا لم يرتكز على إصلاح سوق العمل ورفع مساهمة العمالة الوطنية. هذا الإصلاح يتطلب معالجات جادة للأنظمة التعليمية السائدة وتغليب أهمية التعليم المهني والتعليم الذي يعتمد على المتغيرات التقنية المعاصرة.

في الخلاصة، لابد من الاهتمام بهذه المتغيرات وبأسرع وقت واعتمادها في المناهج الدراسية في التعليم العام والأساسي والتعليم العالي. تطوير التعليم يمكن أن يحسن من دور العمالة الوطنية وأن يعزز عمليات تعديل التركيبة السكانية في مختلف بلدان الخليج.

يقدر عدد سكان بلدان المنطقة في الوقت الراهن بـ 52 مليون نسمة  يمثل الوافدون من غير المواطنين ما يزيد عن 50 في المئة، وهذه نسبة مرتفعة وغير مألوفة سوى في بلدان الخليج. لذلك فإن الإصلاح الاقتصادي يجب أن يؤكد أهمية إصلاح سوق العمل من أجل إعادة الأوضاع  السكانية إلى الأوضاع الطبيعية.