علاقات » عربي

مخطط عربي رباعي لإجهاض الثورة الشعبية في السودان

في 2019/04/16

الخليج أونلاين-

أثار إعلان كل من السعودية والإمارات والبحرين، السبت الماضي، مساندتها للمجلس العسكري الجديد في السودان بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، المخاوف من أنها قد تكون مؤشراً على تدخل ما في شؤون البلاد، في ضوء ما يعرف عن هذه الدول من تدخلات في بلدان الربيع العربي.

ولزمت دول الخليج العربي الصمت إزاء التطورات في السودان، منذ اندلاع الاحتجاجات في 19 ديسمبر، وحتى اعتصام آلاف المحتجين أمام القيادة العامة للجيش السوداني بالسادس من أبريل، مطالبين بتنحي الرئيس عمر البشير، وتسارع وتيرة التطورات.

وفي ظهيرة الخميس 11 أبريل الجاري، أعلن الفريق أول ركن عوض بن عوف نائب رئيس الجمهورية ووزير الدفاع الإطاحة بالبشير وتنصيب نفسه رئيساً لمجلس عسكري انتقالي، قبل أن يتقدم باستقالته في اليوم التالي، ليعلن اختيار البرهان خلفاً له.

موجة من الغضب

وما إن أعلنت كل من السعودية والإمارات تقديم الدعم للشعب السوداني حتى تفجرت موجة من الغضب إزاء هذه الخطوة؛ إذ حذر ناشطون من أن الهدف وراء الدعم الالتفاف على الثورة الشعبية التي أطاحت بنظام حكم البشير المستمر منذ ثلاثين عاماً، على غرار ما قامت به هذه الدول في دول الربيع العربي، عندما دعمت قوى الثورة المضادة للقضاء على إرادة الشعوب.

وبحسب مصدر  أمني متقاعد مطلع تحدث لـ"الخليج أونلاين"، رافضاً الكشف عن هويته، فإنه "يتوفر الآن كل المحفزات للإمارات للتدخل في الشأن السوداني، خاصة محاربة قوى الإسلام السياسي بعد انهيار تجربة محسوبة عليها، فضلاً عن وجود مجلس عسكري يحكم البلاد عقب ثورة شعبية نجحت في الإطاحة بالرئيس في سياق يوحي بتجدد ثورات الربيع العربي".

ويوضح المصدر أن "المسارعة لتقديم الدعم الإنساني أو المساندة السياسية ما هو إلا غطاء وبداية لتقديم أشكال أخرى من الدعم ظلت تستخدمها أبوظبي على وجه الخصوص كأدوات في مراحل ما بعد الربيع العربي للسيطرة على مجريات الأوضاع ومنع قيام أنظمة حكم ديمقراطية ومحاربة الحركات الإسلامية".

ويتابع المصدر: "بكل تأكيد تريد أبوظبي الالتفاف على الإرادة الشعبية وثورة السودانيين عبر التأثير على قرارات المجلس العسكري بما يخدم أجندتها المعلنة".

تطابق مواقف دول الحصار

وجاء الموقف السعودي في البيان الرسمي الذي نشرته وكالة الأنباء السعودية الرسمية، السبت (13 أبريل)، من أنه "إسهاماً من المملكة في رفع المعاناة عن كاهل الشعب السوداني الشقيق، فقد صدرت توجيهات خادم الحرمين الشريفين بتقديم حزمة من المساعدات الإنسانية تشمل المشتقات البترولية والقمح والأدوية".

وأضاف البيان أن السعودية "تعلن دعمها للخطوات التي أعلنها المجلس في المحافظة على الأرواح والممتلكات، والوقوف إلى جانب الشعب السوداني، وتأمل أن يحقق ذلك الأمن والاستقرار للسودان الشقيق".

ومن جانبها أعلنت الإمارات -بحسب وسائل الإعلام- عن "دعمها وتأييدها" للإجراءات التي اتّخذها المجلس العسكري الانتقالي في السودان، حيث رحبت بتسلم البرهان.

وأكدت أبوظبي في بيان رسمي صادر عن وزارة الخارجية الإماراتية، السبت، "دعمها وتأييدها للخطوات التي أعلنها المجلس العسكري الانتقالي في السودان للمحافظة على الأرواح والممتلكات والوقوف إلى جانب الشعب السوداني".

وفي السياق ذاته أعلن ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، الأحد، طبقاً لوسائل الإعلام عن "تضامن بلاده مع الشعب السوداني، ووقوفه إلى جانب قرارات المجلس العسكري الانتقالي، من أجل تعزيز الأمن والسلام للشعب الشقيق".

كما أعلنت الخارجية المصرية، في بيان لها، "دعم خيارات الشعب السوداني، وما سيتم التوافق عليه في هذه المرحلة التاريخية الحاسمة، كما تناشد الدول الشقيقة والصديقة مساندة السودان ومساعدته على تحقيق الانتقال السلمي نحو مستقبل أفضل بما يحقق الطموحات المشروعة لشعبه الكريم".

وحول تطابق المواقف لفت المصدر "الخليج أونلاين" إلى أنه "ليست مصادفة تطابق مواقف هذه الدول إزاء السودان فهي حليفة منذ بدايات الأزمة الخليجية (يونيو 2017) وحصار قطر، وقبل ذلك في محاربة الربيع العربي".

"سيسي" أم "حفتر" سوداني؟

كما بين المصدر أن الإمارات تبحث من وراء تقديم الدعم للسودان عن "سيسي" آخر، حيث ظلت منذ فترة تسعى لإيجاد حلفاء لها داخل المؤسسة العسكرية بالسودان، وأن اللحظة الراهنة تعتبر مثالية لها لتحقيق هذا الهدف.

وعقب "ثورة 25 يناير" في مصر ووصول حركة الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم هناك، عملت أبوظبي على تشكيل مجموعات الثورة المضادة، كالحركة الشبابية (حركة تمرد)، كما دعمت عبد الفتاح السيسي للقيام بانقلاب على الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي في 30 يونيو 2013، وبالمثل تسعى للتأثير على مجريات الأحداث في السودان، بحسب ما قال المصدر.

كما لم يستبعد المصدر خلال حديثه لـ"الخليج أونلاين" أن "تسعى أبوظبي بوجه خاص لتكرار تجربة صناعة (اللواء الليبي المتقاعد خليفة) حفتر سوداني، كما فعلت في ليبيا عقب ثورة 17 فبراير هناك؛ عندما مهّدت لحفتر الأجواء عبر الاغتيالات والتفجيرات والاختطاف ونسبت تلك الممارسات للمتطرفين، ليشكل ما عرف بالجيش الوطني، وليطلق لاحقاً وبدعم متعدد الأوجه من الإمارات العملية العسكرية التي عرفت بعملية الكرامة في بنغازي بزعم محاربة المجموعات الإرهابية".

نشر الفوضى واستئصال الإسلاميين

ويرى المصدر الذي تحدث لـ"الخليج أونلاين" أن "أبوظبي قد تتعمد نشر الفوضى في سبيل تنفيذ أهدافها المتمثلة في القضاء على تيارات الإسلام السياسي واستغلال لحظة انهيار تجربتهم الحالية ممثلة في نظام الإنقاذ الوطني، والذي حكم السودان منذ 1989".

وتابع أن أبوظبي تسعى في السودان إلى "القضاء على أي وجود للإسلاميين ضمن القوة الصلبة داخل المؤسسات الأمنية".

وكشف المصدر "أن السفير الإماراتي كان قد قطع إجازته التي لم يمض عليها سوى أيام وعاد إلى الخرطوم، مع بدايات الاحتجاجات".

ولم يستبعد هذا المصدر أن "تلجأ أبوظبي لخلق مجموعات لتنفيذ اغتيالات وأن تنسبها للإسلاميين بهدف تبرير التحرك ضدهم في العهد الجديد، بالإضافة إلى استخدام الأموال لشراء الولاءات لا سيما وسط العسكريين".

اختراق المؤسسة العسكرية

ويرجح المصدر أن "تسعى أبوظبي لاختراق المؤسسة العسكرية ممثلة في المجلس العسكري الانتقالي، وذلك من خلال محاولة استمالة رئيس المجلس الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان لا سيما مع احتمالات وجود صلات سابقة بينه وأبوظبي؛ ذلك أن الفريق البرهان -الذي كان قائداً للقوات البرية- كان مشرفاً على القوات السودانية ضمن التحالف العربي في اليمن".

ويتابع: "بالنسبة لاستراتيجية أبوظبي في السودان حالياً لاختراق المؤسسة العسكرية تبدو مرجحة لعدة أسباب منها: غياب القادة العسكريين الكاريزماتيين داخل المؤسسة، بعد استقالة كل من الفريق وزير الدفاع ورئيس المجلس العسكري الذي أطاح بالبشير، الفريق أول عوض بن عوف، والفريق كمال عبد المعروف، رئيس هيئة الأركان المشتركة".

أما السبب الثاني، وفق ما تابع المصدر، فهو وجود الفريق محمد حمدان (حميدتي)، قائد قوات الدعم السريع، والذي عين نائباً لرئيس المجلس الانتقالي، والذي يملك أوراق ضغط مهمة داخل النظام العسكري الحالي، وربما قدرته على التعامل مع المعتصمين".

وتابع المصدر: "ثالثاً، من خلال توظيف العلاقات الشخصية للفريق طه عثمان الحسين رئيس مكاتب البشير سابقاً، والذي يعمل حالياً مستشاراً لدى الديوان الأميري بالسعودية، كما يعد من المقربين لكل من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، حيث يملك طه صلات مع عدد كبير من الضباط السابقين أو ممَّن هم في الخدمة حالياً، ولا يُخفي رغبته في التأثير على الأوضاع في السودان لمصلحة حليفيه"، وفق ما قال المصدر.

ويشدد المصدر قائلاً: "لن ينجح هذا الدعم السعودي والإماراتي إلا بإرباك المجلس العسكري الانتقالي"، ويستدرك المصدر "وهذا ممكن في حال فشلت في إخضاع المجلس العسكري أو تمرير أجندتها من خلاله".

ومنذ مارس 2015 يشارك السودان بآلاف الجنود ضمن التحالف العسكري الذي تقوده الرياض والإمارات ضد مليشيات الحوثيين في اليمن بقوات برية كبيرة، معظمها من قوات "الدعم السريع" التي يقودها الفريق "حميدتي".