القدس العربي-
أعلن صندوق أبو ظبي للتنمية عن اتفاقية مع بنك السودان المركزي يتم بموجبها إيداع مبلغ 250 مليون دولار بهدف «دعم السياسة المالية للبنك وتحقيق الاستقرار المالي والنقدي في السودان»، ضمن قسط أول من «حزمة مساعدات مشتركة» أقرّتها الإمارات والمملكة العربية السعودية، وقد جاء الإعلان ضمن سياق الترحيب الذي أبداه محور «الرياض ـ أبوظبي» بإزاحة قادة كبار من الجيش السوداني لرئيس النظام عمر حسن البشير، بالتناظر مع مواقف سياسية في الاتجاه نفسه من قبل النظام المصري الذي قام رئيسه عبد الفتاح السيسي بعقد قمة أفريقية مختصرة نتج عنها تأجيل مهلة الاتحاد الأفريقي لقادة المجلس العسكري السوداني بتسليم السلطة للمدنيين من 15 يوما إلى ثلاثة اشهر.
ورغم هذا «الاحتضان» المالي والسياسي الذي لا تخفى نواياه رغم حديثه عن حرص «القيادات الرشيدة» في دول محور «الرياض ـ أبو ظبي ـ القاهرة» على مصالح السودانيين عموماً (وليس للتآمر عليهم) فإن التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية الإماراتي أنور قرقاش، عبر حسابه على تويتر، حول السودان، ستبدو لأغلب السودانيين شكلا من أشكال التدخّل الفظ الذي يفترض أن الوديعة التي أقرضها للسودانيين تخوّله حقّ تقرير شؤونهم.
يقول قرقاش إنه «من المشروع تماما أن تدعم الدول العربية انتقالا منظما ومستقرا في السودان»، وهو كلام جميل لكنه يعني من ضمن ما يعنيه، أن ذات الوزير الإماراتي قد تضخّمت، بفعل الوزن المالي لبلاده، فصارت ناطقة باسم «الدول العربية» رغم أنها أحد عناصر الانشقاق الكبرى ضمن هذه «الدول العربية»، فهي إلى مشاركتها في قيادة معسكر «الثورة المضادة» العربية، تتنطّح لفرض أجندتها الخاصة السياسية والعسكرية والأمنيّة في اليمن وليبيا، وتناطح في الوقت نفسه قوى واتجاهات سياسية وحراكات ووسائل إعلام في العراق، ولبنان، وتونس، والجزائر والمغرب وموريتانيا، وهي أيضاً «دول عربية»، ولا يُعقل أن تسلّم أبو ظبي مسؤولية الحديث باسمها.
غير أن «بيضة القبّان» في حديث الوزير هي قوله: «شهدنا فوضى شاملة في المنطقة ومن المنطقي ألا نحتاج إلى المزيد منها»، والترجمة الفعلية لمصطلح «فوضى» في حديث الوزير، كما هو معلوم، هي تلك الحراكات والثورات التي لا تزال مفاعيلها مستمرة في كثير من البلدان العربية.
واضح أن وديعة الإمارات للسودان زادت من «فصاحة» الوزير قرقاش وقوّت اعتقاده أنه صار ذا دالة ونفوذ على المجلس العسكريّ السوداني، بحيث غدا قادرا على توجيه الأمور بالاتجاه الذي ترتئيه سلطات بلاده، أو دفع الجيش السوداني لخيانة شعبه والانقلاب على طموحاته بحكم مدني ديمقراطي، وهو أمر لن يزيد «الفوضى» التي يريد قرقاش القضاء عليها فحسب بل يمكن أن يفتح باب حرب أهليّة سوداء، فهل هذا ما يريده تجار السياسة في الإمارات؟