علاقات » عربي

لماذا تخرب الإمارات جهود الانتقال السياسي في السودان وليبيا؟

في 2019/05/04

جورجيو كافييرو وكريستيان أولريخسن - إنسايد أرابيا-

كان للشلل الذي حدث داخل مجلس التعاون الخليجي منذ حصار قطر منتصف عام 2017 تأثير كبير على النظام الجيوسياسي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث جلب الاختلافات الجيوسياسية والأيديولوجية والدينية والقبلية والثقافية إلى الصدارة.

وسعت كل من دول الحصار - التي تشمل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إضافة إلى البحرين ومصر - وقطر إلى اللعب بكل الأوراق على الصعيدين الإقليمي والدولي للحصول على الدعم من مختلف اللاعبين في أزمة مجلس التعاون الخليجي.

وساعدت آثار التنافس بين دول الحصار وقطر على زيادة استقطاب دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الضعيفة، فضلا عن زعزعة استقرارها.

واليوم، تعد كل من ليبيا والسودان من النقاط الساخنة في هذا المجال الإقليمي الجيوسياسي الخليجي، ومن المرجح أن تظل كذلك إلى أن يتم حل الحرب الأهلية الليبية، والانتهاء من الانتقال السياسي الهش في السودان.

وفي حين تتسم الأزمات الداخلية متعددة الجوانب في ليبيا والسودان بالتعقيد، يبقى من الصعب التنبؤ بكيفية ما سيبدو عليه المشهد السياسي في كلا البلدين في أعقاب هجوم المشير "خليفة حفتر" على طرابلس، ونهاية حكم "عمر البشير" الذي دام 30 عاما في الخرطوم.

ومع ذلك، لفهم كيف تسعى الجهات الفاعلة الدولية والإقليمية للتأثير على مجريات الأحداث في كل من ليبيا والسودان، من الضروري تقييم دور الإمارات العربية المتحدة، وتحديدا أبوظبي، في تشكيل التطورات في سلسلة من المناطق الشمال أفريقية.

وفي الوقت الذي تسعى فيه الشعوب إلى المشاركة في حكم بلادها، استثمرت القيادة الإماراتية بكثافة في الجهود الرامية إلى تعزيز مواقف الحكومات الاستبدادية "العلمانية" في جميع أنحاء المنطقة، وخاصة تلك التي تتشاطر معارضة أبوظبي القوية الظاهرة تقريبا لكل أشكال الإسلام السياسي.

وقد أثرت وجهة نظر أبوظبي بشكل كبير على المشهد السياسي في العالم العربي، منذ تقديم المساعدات المالية السعودية والإماراتية والكويتية إلى الحكومة التي يقودها الجيش المصري بعد الإطاحة بأول رئيس منتخب ديمقراطيا في البلاد "محمد مرسي"، في يوليو/تموز 2013.

الإمارات والسودان

وفي الواقع، في أعقاب الإطاحة بـ "البشير"، الشهر الماضي، لم يكن من الصعب تفسير دعم الرياض وأبوظبي للمجلس العسكري الحاكم في السودان، بما يصل إلى 3 مليارات دولار، دون التذكير بالمليارات التي بدأت هاتان الملكيتان في تقديمها لقيادة الجيش الانقلابية في مصر منذ 2013.

ويمكن فهم هذا الدعم لحكومة الأمر الواقع في السودان على أنه سعي من كل من الرياض وأبوظبي لتوجيه الانتقال السياسي في فترة ما بعد "البشير"، أو على الأقل التأثير فيه بشكل كبير.

وبالنظر إلى أن السودان هو بلد كانت جماعة الإخوان المسلمين لاعبا مؤثرا فيه منذ فترة طويلة، وكانت على علاقة ودية مع النظام الذي تولى السلطة في انقلاب عسكري عام 1989، تشعر أبوظبي بالقلق من حصول الإسلاميين على نفوذ أكبر في الخرطوم، نتيجة للانفتاح الديمقراطي المحتمل.

وعلى الرغم من أن الإسلاميين لم يقودوا الاحتجاجات المناهضة لـ "البشير"، التي اندلعت في العديد من المدن السودانية في ديسمبر/كانون الأول 2018، إلا أن أحد الدروس المستفادة من ثورات الربيع العربي لعام 2011 هي أن الإسلاميين هم في الغالب أفضل من يستطيع الاستفادة من التحولات السياسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كما ظهر قبل 8 أعوام في كل من مصر وليبيا وسوريا وتونس.

وبالنسبة لأبوظبي، يمثل الحفاظ على الاستمرارية في العلاقات الإماراتية السودانية واستقرار السياسي الداخلي للسودان أولوية قصوى. وقد حدد المسؤولون الإماراتيون، إلى جانب نظرائهم السعوديين والمصريين، شخصيات واضحة في "الدولة العميقة" في السودان سيدعمونها سياسيا وماليا ودبلوماسيا من أجل إحباط أي انفتاح سياسي قد يمكّن الإسلاميين من الحصول على سلطة أكبر في الخرطوم.

وعلى الرغم من أهمية هذا البرنامج المعادي للإسلاموية، إلا أن دعم الإمارات للمجلس العسكري السوداني يدور في الأساس حول منع أي حركة سياسية، إسلامية كانت أو علمانية، من تحدي الوضع الراهن الإقليمي، خاصة بالنظر إلى أن التطورات السياسية في الخرطوم قد تؤدي إلى عدوى من الديمقراطية قد تنتقل إلى مناطق أخرى من الدول العربية أو الأفريقية أو الإسلامية، وهو ما تعتبره أبوظبي تهديدا لمصالها الإقليمية.

الإمارات في ليبيا

وفي ليبيا، حيث اشتدت الحرب الأهلية الشهر الماضي بسبب هجوم "حفتر" على الحكومة المعترف بها دوليا في طرابلس، تشارك أبوظبي أيضا عن كثب.

ومنذ اندلاع الحرب الأهلية الليبية في مايو/أيار 2014، كانت الإمارات واحدة من الرعاة الأجانب الرئيسيين لـ "حفتر".

ولم يدعم الإماراتيون مجلس النواب الذي يتخذ من طبرق مقرا له، أو الجيش الوطني الليبي الموالي لـ "حفتر"، ماليا فحسب، ومنذ أغسطس/آب 2014، تدخلت الإمارات عسكريا في بعض الأحيان لمحاربة أعداء "حفتر" من الإسلاميين.

وساعد التدخل العسكري الإماراتي والمصري قوات "حفتر" في تعزيز سيطرتها على شرق ليبيا بعد فترة وجيزة من اندلاع الحرب الأهلية في البلاد.

ويسري اعتقاد بأن الجيش الوطني الليبي (قوات حفتر) تسلم طائرات ومركبات عسكرية من موردين في الإمارات.

وفي يونيو/حزيران 2017، وجد تقرير للأمم المتحدة أن "الإمارات تقدم الدعم المادي والدعم العسكري المباشر للجيش الوطني الليبي، مما زاد بشكل كبير من الدعم الجوي المتاح لقوات حفتر".

وأثر الدعم الذي قدمته الإمارات، إلى جانب مصر وفرنسا والسعودية وروسيا، لقوات "حفتر" بشكل كبير على مجريات الأحداث في ليبيا في الأسابيع الأخيرة، وكان الدعم من أبوظبي عاملا رئيسيا دفع "حفتر" إلى الاستنتاج بأن الجيش الوطني الليبي لديه القوة والموارد اللازمة للاستيلاء على طرابلس وإجبار الميليشيات الإسلامية العاملة في العاصمة، بالإضافة إلى مدن أخرى مثل مصراتة، على الاستسلام، لكن لا يزال يتعين علينا رؤية ما إذا كانت قوات "حفتر" سوف تحقق هدفها بنجاح وتستولي على طرابلس.

لكن الأمر الواضح هو أن هذا الهجوم على طرابلس قد أضعف بشدة أي احتمالات متبقية للتوصل إلى تسوية دبلوماسية للأزمة الليبية، وهو تطور مؤسف لبعض أصحاب المصلحة، مثل الحكومات الإيطالية والقطرية والتونسية والتركية.

وبالنسبة لأبوظبي، فإن السيناريو السلبي هو أن تتحرك ليبيا في اتجاه تونس، ويعني هذا الانتقال إلى الحكم الديمقراطي. ونظرا لأن الجيش التونسي يفتقر إلى القوة السياسية والاستقلالية التي تتمتع بها جيوش أخرى في الدول العربية والأفريقية الأخرى، مثل مصر، فلم يكن الجيش التونسي شريكا صالحا لأبوظبي للتعاون معه لتقويض الديمقراطية في تونس ما بعد "زين العابدين بن علي".

وفي الواقع، قدمت تونس مثالا على الطريقة التي يمكن بها للإسلاميين والعلمانيين في أي بلد عربي أن يعيشوا بسلام، ضمن نظام حكم ديمقراطي مبني على احترام نتائج الانتخابات.

ومن وجهة نظر إماراتية، يبدو أن "النموذج التونسي" يضفي الشرعية على دور الجماعات الإسلامية في نسيج السياسة العربية. ويتم أخذ مثل هذه المخاوف بجدية بالغة في أبوظبي، ويعزى ذلك إلى حد كبير إلى حقيقة أن القادة الإماراتيين يخشون من المستقبل، حيث قد يطالب عدد أكبر من المواطنين في الإمارات بمطالب تماثل مطالب الجماعات الإسلامية، مثل حزب النهضة التونسي، الذي يحشد المواطنين حول القضايا التي تنطوي على العدالة الاجتماعية، والإصلاح الديمقراطي، وتدابير مكافحة الفساد.

ولكن ما هي المخاطر التي قد يتعرض لها الإماراتيون أثناء وقوفهم ضد الحركات المؤيدة للديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟ حسنا، منذ أواخر عام 2018 وأوائل عام 2019، خرج عدد كبير من المواطنين في بعض من الدول العربية إلى الشوارع للاحتجاج، مما قوض فكرة أنه مع الإطاحة بـ "مرسي" عام 2013، فإن الربيع العربي قد مات. على العكس من ذلك، يتحدث المزيد من المراقبين في المنطقة عن نسخة جديدة من الربيع العربي بعد التطورات الأخيرة في الجزائر والسودان، التي أدت إلى اضطرار رجال استبداديين إلى التنحي عن السلطة بسبب ضغوط من القاعدة الجماهيرية.

وقد تتحول مظالم المواطنين الليبيين والسودانيين الذين يدعون إلى الحكم المدني بسهولة إلى رد فعل عنيف من الغضب ضد الإماراتيين أو أي أطراف أخرى يتم النظر إليها على أنها تصد دعوات التغيير.

وعندما تصبح مصالح الإمارات في ليبيا والسودان واضحة بشكل متزايد، قد تجد نفسها تصنع خصوما جددا في كلا البلدين، وقد تؤدي مثل هذه النكسة إلى تعريض المصالح الإماراتية للخطر إذا توسعت المشاركة العامة للشعوب، أو إذا أصبحت تكلفة قمعها كبيرة للغاية، سواء من الناحية المالية أو المادية أو من حيث السمعة.