علاقات » عربي

ما بعد البشير.. مستقبل المنافسات الإقليمية في البحر الأحمر والقرن الأفريقي

في 2019/05/10

عبدالوهاب القصاب - المركز العربي واشنطن دي سي-

كان البحر الأحمر وسيظل أحد أهم الممرات البحرية التي تربط بين الشرق والغرب، ونتيجة لذلك فإن العديد من القوى الدولية والإقليمية تتنافس من أجل فرض نفوذها عليه. وتشمل قائمة القوى الإقليمية كل من المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان واليمن ومصر و(إسرائيل) والأردن والسودان وإريتريا وإثيوبيا وجيبوتي وإيران وتركيا، أما على الصعيد الدولي، فهناك أربع قوى تتنافس على النفوذ والتفوق، كل حسب قدراته وطموحاته.

وتعد الولايات المتحدة هي الأكثر قدرة وفعالية في التأثير على البيئات الأمنية والاستراتيجية للنظام الفرعي للبحر الأحمر، تليها فرنسا من خلال وجودها في جيبوتي، وبدرجة أقل الصين وروسيا. لكن وجود الصين له تأثير يتجاوز الأمن بسبب وجودها الاقتصادي في قلب أفريقيا، وتحديدا في جيبوتي. ومن المحتمل أن يشعل هذا الزحام الدولي منافسة شرسة بين الولايات المتحدة والصين وروسيا، وهما قوتان تعتبرهما إدارة "ترامب" منافسين عالميين. بالإضافة إلى ذلك، شاركت الهند وإسبانيا واليابان وغيرها في عمليات مكافحة القرصنة في خليج عدن وبحر العرب.

منظومة التهديدات

لا تزال التهديدات التي تكتنف المنطقة تتمثل في الإرهاب والقرصنة وانتهاك حقوق الإنسان وحقوق الطفل ومخزونات الأسلحة والاحتكاكات بين الدول ومساعدة إيران السرية للحوثيين في اليمن والحرب السعودية والإماراتية المستمرة منذ ذلك الحين. علاوة على ذلك، قد لا تعتبر التطورات في الوضع الأمني ​​الإقليمي تهديدات في حد ذاتها، ولكنها يمكن أن تصبح تهديدات حقيقية وواسعة النطاق إذا أصبحت عواقبها ضارة بالمصالح الوطنية لبلدان المنطقة، أو لحلفائها، أو على النقل البحري وأمن الدول الأخرى خارج المنطقة.

وتعد أحد هذه التطورات هي الانتفاضة الشعبية في السودان - التي أجبرت الجيش على الإطاحة بالرئيس "عمر البشير" ووزير دفاعه عوض بن عوف- وإصرار الجماهير على تحقيق أهدافهم الكاملة المتمثلة في تشكيل حكومة مدنية منتخبة. ويمكن فهم هذا الإنجاز الشعبي على أنه انتصار لتطلعات الجماهير السودانية؛ لكن لسوء الحظ، أدى ذلك إلى تدخل سعودي إماراتي واضح في الأحداث حيث اصطف البلدان إلى جانب الجيش. وفي هذا السياق، قد تندلع مواجهة بين أولئك الذين يرفضون حكم الجيش وبين الجنرالات المدعومين من البلدين في حين لا يمكن إنكار أن رغبة البلدان في وجود حكومة سودانية موالية لهما ينبع نت الحاجة إلى ضمان استمرار توفير الآلاف من الجنود السودانيين الذين يقاتلون نيابة عن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في اليمن.

وتتجلى بعض المخاوف المتوقعة من تدخل الإمارات في الشؤون السودانية بعد الإطاحة بـ"البشير" في مستقبل التسهيلات الممنوحة لتركيا في جزيرة سواكن السودانية في البحر الأحمر. وتعتبر تركيا أن وجودها هناك مهم للغاية لأنه يتوافق مع وجهة نظر حزب العدالة والتنمية الحاكم فيما يسمى التراث العثماني الممتد، ولكن ليس هناك شك في أن كل جهد تركي في المنطقة سوف يقلق مصر ويزيد من حساسيتها تجاه تركيا. وبخلاف ذلك، قد يكون أحد أهداف التحالف السعودي الإماراتي في السودان هو تقليص استقلال قطر ونفوذها في الدولة الأفريقية.

خصوصية جيبوتي والقرن الأفريقي

وتتجلى المنافسة الإقليمية والدولية المكثفة حول البحر الأحمر بشكل أوضح في جيبوتي. ومن الجدير بالذكر أن القيادة الأمريكية الأفريقية (أفريكوم) يقع مقرها الرئيسي في جيبوتي، كما تمتلك كل من فرنسا وإيطاليا -ومؤخرا الصين- وجودا عسكريا كبيرا في البلاد. وليس هناك شك في أن هذا قد يقوض ويكون له تأثير سلبي طويل الأجل على المصالح الأمريكية، سواء في أفريقيا أو شبه الجزيرة العربية. ويوضح الوجود الصيني الكامل في قلب مضيق باب المندب أهداف الصين بعيدة المدى في مثل هذه البيئة الاستراتيجية البعيدة جغرافيا ويظهر رغبة بكين في إظهار ألوانها العسكرية. وهذا الوضع الاستراتيجي المعقد في منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي هو الذي يزيد من احتمال الاحتكاك وعدم الاستقرار.

وقد أجرت السعودية مفاوضات مع حكومة جيبوتي من أجل تأسيس وجودها العسكري في البلاد. لكن المفاوضات توقفت بسبب الأزمة الخليجية المستمرة؛ وربما يتم استئنافها في وقت أكثر ملاءمة. كما سعت دولة الإمارات إلى احتكار ميناء جيبوتي من خلال هيئة موانئ دبي التي أرادت أن تصبح لاعبا في أنشطة الموانئ في البلاد، لكن رئيس جيبوتي "إسماعيل عمر غيله" توقف لوقف وإلغاء الصفقة.

وربما كون المصالح الوطنية والمخاوف المتعلقة بالأمن والبقاء وراء قرار جيبوتي للدخول في مثل هذه التحالفات المتضاربة. وكانت فرنسا الضامن الأساسي والتاريخي لسيادة جيبوتي، لكن الحماية الفرنسية لم تعد كافية في ظل وجود العديد من القوى العالمية المتنازعة، مما يجبر هذه الدول في كثير من الأحيان على البحث عن ضامنين متعددين، وهو وضع يمكن تطبيقه اليوم على جيبوتي.

بالمثل، لدى إريتريا مبرراتها الخاصة في تأجير جزرها وموانئها لقوى متضاربة. ويعتقد أن كل من إيران و(إسرائيل) والإمارات العربية المتحدة استأجرت منشآت بحرية وموانئ في إريتريا. واستأجرت دولة الإمارات العربية المتحدة ميناء عصب واستخدمته كمنصة انطلاق في حربها ضد الحوثيين في اليمن. وبدعم من إيران، تم تزويد الحوثيين في ميناء الحديدة على الساحل اليمني من المنشآت الإيرانية المؤجرة في أرخبيل دهلك الإريتري، رغم إنكار الحكومة الإريترية لهذا الوجود الإيراني.

حالة الصومال

تشكل الصومال وسواحلها أيضا أحد البؤر المحتملة للتهديدات الأمنية. وغالبا ما كانت السواحل الصومالية مرتعا للقراصنة على الرغم من التحسن النسبي في الظروف الأمنية للحركة البحرية نتيجة لعمليات مكافحة القرصنة في خليج عدن وبحر العرب المتاخم للسواحل الصومالية. ومنحت الصومال تركيا قاعدة عسكرية على الأراضي الصومالية استخدمتها تركيا لتدريب وتسليح الجيش الصومالي.

ودفع وجود القاعدة العسكرية التركية في الصومال الإمارات العربية المتحدة إلى الضغط من أجل وجود عسكري مماثل. ومن أجل ممارست ضغوط على الحكومة الصومالية، اعترفت الإمارات بشكل أحادي بجمهورية أرض الصومال الانفصالية، وأقامت وجودا عسكريا دائما في بربرة عند طرف القرن الأفريقي، على الشاطئ الغربي لخليج عدن وبحر العرب.

وفي ضوء تعدد البؤر المحتملة للصراع في منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي يمكننا أن نتوقع الاستنتاجات التالية:

أولا: تمثل أنشطة بعض بلدان المنطقة تهديدا مدمرا للسلم والأمن الإقليميين. على وجه التحديد ، يبدو أن إيران والإمارات العربية المتحدة تدفعان الوضع الأمني ​​في اتجاهات غير مرغوب فيها بسبب طموحاتهما التوسعية، وسيؤدي ذلك إلى تصعيد التوترات. من ناحية أخرى، هناك اتجاه مقلق للسياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية في منطقة البحر الأحمر حيث أظهرت التطورات على مدى السنوات القليلة الماضية أن الأمن السعودي والسياسة الخارجية تتطابق تقريبا مع سياسات دولة الإمارات العربية المتحدة، على الرغم من أن المملكة هي القوة الرئيسية في شبه الجزيرة العربية. وما يجعل الأمر أكثر إثارة للقلق هو سلوك مصر المحير في المنطقة حيث تبدو كفاعل استراتيجي ضعيف على الرغم من وضعها كقوة بحرية رئيسية. وخلال هذه الفترة، ظهرت سياسات مصر كما لو كانت انعكاسا لتوجه الإمارات الطموح.

ثانيا: ستظل الحرب في اليمن أكبر تهديد للأمن الإقليمي في منطقة البحر الأحمر والمبرر الأول للوجود الإيراني فيها. في المستقبل المنظور، لا يوجد توقع بأن ينتصر التحالف السعودي الإماراتي في هذه الحرب، لكن من المؤكد أن الحرب ستظل تستنزف أصول صناديق الثروة السيادية للبلدين وستتسبب في مزيد من المعاناة الإنسانية وانتهاكات حقوق الإنسان.

ثالثا: هناك سؤال مهم حول الأهداف الحقيقية للوجود التركي في الصومال والسودان وما إذا كان سيؤدي إلى صراع محتمل في المستقبل. في الواقع ، تبدو هذه الأهداف مرتبطة بحزب العدالة والتنمية، الذي يقف في الجانب المقابل للمعسكر الذي تقوده المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر. وهناك أيضا مسألة ما إذا كان حزب العدالة والتنمية سينجح في جعل وجود تركيا في منطقة البحر الأحمر جزءا من منظومة الأمن القومي للبلاد.

رابعا: ما زالت (إسرائيل) تتحرك للاستفادة من الثغرات في مجال الأمن العربي والقدرات الدبلوماسية العربية. وقد تجلى هذا بوضوح في نجاح (إسرائيل) في إقناع الإدارة الأمريكية بتبني أهدافها السياسية الداخلية المثيرة للجدل مثل الاعتراف بالقدس عاصمة لـ(إسرائيل) والاعتراف بسيادة الدولة العبرية على مرتفعات الجولان.

خامسا: تشكل المنافسة المستقبلية بين اللاعبين الدوليين الرئيسيين في المنطقة تهديدا للأمن. وسيكون للمنافسة بين الولايات المتحدة والصين في المنطقة تأثير سلبي ليس فقط على الأمن في البحر الأحمر ولكن أيضا في القارة الأفريقية بأكملها.