ريتشارد سبينسر - التايمز البريطانية-
في الفترة الأخيرة، كانت هناك العديد من المؤشرات على أن الأردن، الذي يعد أحد الركائز الأساسية للهندسة الأمنية الغربية في الشرق الأوسط، يتحول مجبرا عن حلفائه التقليديين، في مواجهة الأزمة الاقتصادية والسياسات العدوانية المتزايدة للمملكة العربية السعودية.
وبعد التهديدات الناتجة عن الاحتجاجات في الداخل، ومع قيام الرياض بتخفيض الدعم المالي الذي أبقى الأردن مستقرا لعقود من الزمن، افتتح الملك "عبدالله" في الأشهر الأخيرة محادثات مع تركيا وقطر، خصمي السعودية، بل إنه قدم مبادرات خفية لإيران، العدو الرئيسي للرياض، وهي الدولة التي كان الملك يصدر تحذيرات قاسية ضدها حتى وقت قريب.
ويشعر الملك "عبدالله" بالغضب أيضا لأن الرئيس "ترامب" قد روج للمصالح الإسرائيلية بقوة، بالنظر إلى أن أكثر من نصف سكان الأردن فلسطينيون.
وقال مسؤولون لصحيفة "التايمز" إن الأردن كان مستقرا عندما كان يتمتع بعلاقات جيدة مع جميع جيرانه العرب، وأن مصالحه تتطلب مقاربة متوازنة، ومع ذلك، يزعم المطلعون أن السعودية تطالب أصدقاءها "بالانحياز".
وقال مصدر أردني رفيع المستوى: "تعتمد علاقاتنا على مصالحنا، وليس لدى الأردن أي صراع مع تركيا أو قطر، أو حتى إيران، تعتمد المسافة بيننا وبين الدول على الفوائد التي تعود علينا".
معارضة صفقة القرن
ويعد الأردن حليفا قديما لبريطانيا والولايات المتحدة وأصدقائهما في الخليج، خاصة المملكة العربية السعودية، لكن منذ أن اعترف "ترامب" بالقدس عاصمة لـ (إسرائيل)، وأيد بحماس "بنيامين نتنياهو"، رئيس الوزراء الإسرائيلي، قال مستشارو الملك "عبدالله" إنه سيكون من المستحيل سياسيا عليه قبول تفاصيل خطة السلام الأمريكية، المعروفة باسم "صفقة القرن"، كما تم تسريبها حتى الآن.
ومن المتوقع ألا تلبي خطة "ترامب"، التي وضعها صهره "غاريد كوشنر"، أي مطالب فلسطينية تقريبا، بل تتخلى عن حل الدولتين الذي يدعمه الأردن بحزم.
وقال المصدر الأردني: "هذه الصفقة الكبيرة لن تجلب الاستقرار إلى المنطقة، إن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو أحد الأسباب الرئيسية التي تدفع الشباب العربي إلى العنف، وبدون حل عادل للصراع لن يكون هناك تغيير في تلك البيئة".
وعلى عكس جيرانه، لا يمتلك الأردن سوى موارد طبيعية قليلة، ومنذ بداية الحرب السورية عام 2012، كان تدفق 1.5 مليون لاجئ سوري عبر الحدود الشمالية سببا للمشاكل في الأردن.
وفي الوقت نفسه، قامت السعودية، التي تواجه تراجعا في الميزانية بسبب انخفاض سعر النفط ومحاولة الإصلاح الاقتصادي والفاتورة المتزايدة لحربها في اليمن، بخفض الدعم المنتظم للأردن.
ويقال إن ولي العهد السعودي القوي، "محمد بن سلمان"، يريد من الأردن أن يظهر ولاء أكبر للسعودية في مجموعة من القضايا، من المقاطعة الإقليمية لقطر إلى الشؤون الفلسطينية.
وعلى الرغم من الموقف الأمريكي المنحاز لـ (إسرائيل) في خطة السلام المنتظرة، فقد أصبح ولي العهد أقرب المقربين الإقليميين لصهر "ترامب"، "غاريد كوشنر".
ويتهم المسؤولون في المنطقة ولي العهد السعودي بأنه غير مرن في مطالبه، حيث يريد من جميع الحلفاء والعملاء المحليين التوافق التام مع سياساته.
الضغط على الأردن
وقد يكون للضغط الذي يتم ممارسته على الملك "عبدالله" نتائج عكسية، فعلى الرغم من تمتع الملك بسلطات واسعة، فإن سلطته - بخلاف ولي العهد - مقيدة بوجود برلمان منتخب.
وفي فبراير/شباط، زار الملك "عبدالله" تركيا، والتقى الرئيس "أردوغان" رغم مهاجمته له بشكل علني حتى وقت قريب، ووافق القائدان على التنسيق معا حول القضية الفلسطينية الإسرائيلية، وجاء لقاؤهما إبان حرب كلامية دائرة بين "أردوغان" والسعودية حول مقتل الصحفي السعودي المعارض "جمال خاشقجي" في إسطنبول.
وفي الشهر الماضي، قطع الملك "عبدالله" خطوة إلى الأمام، حيث أرسل رسالة إلى الشيخ "تميم بن حمد آل ثاني"، أمير قطر، بخصوص "العلاقات الثنائية" بينهما.
وكانت قطر قد واجهت أشد مظاهر غضب ولي العهد السعودي في العامين الماضيين، مع استمرار الحصار الذي تفرضه السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين على الدولة الخليجية الصغيرة.
كما قام الملك "عبدالله" بتهنئة إيران هذا العام في الذكرى الأربعين لثورتها الإسلامية.
وقد يستخف الدبلوماسيون بهذه القرارات، بحجة أنه لا يوجد سوى القليل مما يمكن للملك فعله لتغيير موقفه المؤيد للغرب وللسعودية.
لكن "مروان المعشر"، السفير الأردني السابق في (إسرائيل)، الذي ما زال مطلعا على تفكير الحكومة، قال: "بينما لا يمكن للأردن إعادة تنظيم مواقفه بالكامل لأسباب مختلفة، فإنه يبقي خياراته مفتوحة، ويحاول حماية ظهره".
ويعد دعم الملك القوي لحل الدولتين، ومعارضة "الخطة الكبرى" لـ"ترامب"، هو مفتاح الحفاظ على شعبيته المحلية التي تضررت بفعل الأزمة الاقتصادية في الأردن.
وتبلغ ديون البلاد 31 مليار جنيه إسترليني، وقد أجبرت البلاد على خفض دعم الخبز، وتعاني من البطالة بنسبة 18%.
وقال "المعشر": "بالنسبة للأردن فإن المشكلة أكبر من مجرد صفقة سيئة، وإذا لم تكن هناك دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وإذا كانت (إسرائيل) لا تريد أغلبية فلسطينية في المناطق الخاضعة لسيطرتها، يخشى الأردن أن يكون الخيار التالي لـ (إسرائيل) هو خلق ظروف تؤدي إلى انتقال جماعي للفلسطينيين إلى الأردن (كوطن بديل)".
وكثيرا ما جادل المتشددون الإسرائيليون، الذين يحرصون على الحكم "من النهر إلى البحر"، على أن الأردن هو الموطن الطبيعي للفلسطينيين، وهو ما يجعل تنازل الملك في هذا الصدد مستحيلا تقريبا.
ومن المفارقات أن مصير الملك يقلق المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، التي تربطه هو ووالده، الملك "حسين"، علاقات وثيقة مع (إسرائيل) منذ أن وقع البلدان معاهدة سلام عام 1994.
وقد حذر "عوديد عيران"، سفير (إسرائيل) السابق في الأردن هذا الشهر من أن الملك يواجه حركات معارضة سرية بسبب مشاكل الأردن الاقتصادية والاجتماعية، وكتب في مقال لـ"معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي" قائلا إن لدى (إسرائيل) مصلحة "في استقرار الأردن".
وأضاف: "أشارت معظم التقييمات الأمنية في البداية إلى أن الملك أظهر مرونة سياسية كافية للبقاء بعد الاضطرابات التي أثرت على جيران الأردن في الربيع العربي. ومع ذلك، فقد بدأت تظهر تصدعات في صورة الاستقرار، وهناك دلائل متزايدة على أن التطورات في البلاد قد تؤدي إلى تقويض خطير للنظام، مع تداعيات استراتيجية طويلة الأجل".