أحمد شوقي- خاص راصد الخليج-
دماء جديدة تسيل بضربات سيوف السياسة والهيمنة والتدخل في شؤون الشعوب والتحكم في مصائرها خلافا لإرادتها الحرة، وهذه المرة تسيل دماء السودانيين المطالبين بالحرية والاستقلال وانهاء حكم الفساد والارتهان.
مرت التظاهرات والاعتصامات بسلام، إلا أن تأريخ العنف والقتل بدأ مع تدخل السعودية والامارات والذي بدا وأنه لم يكن ردا لفعل، بقدر ما كان تخطيطا مسبقا يعود لما قبل الاطاحة بالبشير والتنسيق مع خليفته!
ما إن صدرت البيانات الثلاثة من السعودية والإمارات والبحرين، إلا وتم التلاعب والمماطلة وتغير الوضع بميدان الاعتصام!
قالت السعودية في بيان تبنيها للمجلس المفترض ان يكون انتقاليا:
"إسهاماً من المملكة في رفع المعاناة عن كاهل الشعب السوداني الشقيق، فقد صدرت توجيهات خادم الحرمين الشريفين بتقديم حزمة من المساعدات الإنسانية تشمل المشتقات البترولية والقمح والأدوية".
وأضاف البيان أن السعودية "تعلن دعمها للخطوات التي أعلنها المجلس في المحافظة على الأرواح والممتلكات، والوقوف إلى جانب الشعب السوداني، وتأمل أن يحقق ذلك الأمن والاستقرار للسودان الشقيق".
وأعلنت الإمارات عن "دعمها وتأييدها" للإجراءات التي اتّخذها المجلس العسكري الانتقالي في السودان، حيث رحبت بتسلم البرهان.
وأكدت أبوظبي في بيان رسمي صادر عن وزارة الخارجية الإماراتية: "دعمها وتأييدها للخطوات التي أعلنها المجلس العسكري الانتقالي في السودان للمحافظة على الأرواح والممتلكات والوقوف إلى جانب الشعب السوداني".
وأعلن ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة عن "تضامن بلاده مع الشعب السوداني، ووقوفه إلى جانب قرارات المجلس العسكري الانتقالي، من أجل تعزيز الأمن والسلام للشعب الشقيق".
وبعد البيانات الثلاثة، دبت الخلافات ووضعت العراقيل وتم التلويح بنظرية المؤامرة والاختراقات الثورية، ثم التصريح بخطورة الاعتصام على مصالح البلاد، ثم الفض وقتل العشرات والقاء الجثث في النيل، وتتوالي التداعيات مما ينذر بحرب أهلية، نتيجة التدخلات ونصرة الاستبداد وتمكينه على حساب رغبات وامال وطموحات الشعوب.
وكما تنبأ الدكتور حسن مرهج، عندما قال أن:"عبد الفتاح البرهان لديه علاقات متينة وقوية مع الإمارات العربية المتحدة والسعودية، وللتذكير فإن البرهان كان يشرف على القوات العسكرية السودانية التي تقاتل في اليمن، وعليه لم يعد مستغربا الترحيب السعودي والإماراتي بتسلم البرهان قيادة السودان لفترة زمنية غير محددة، وبهذا يبقى السودان ووفق الرغبات السعودية والإماراتية بؤرة تزيد من مشهد الشرق الأوسط توترا، إذا أن البرهان يرى في السعودية والإمارات سدا يُجنبه صرخات المتظاهرين السودانيين المطالبة برحيله أيضا، وضمن ذلك ترغب السعودية بتوسيع مناطق نفوذها في شمال إفريقيا، واتخاذ السودان قاعدة امامية متقدمة للرغبات السعودية والإماراتية في افريقيا، الأمر الذي يُنذر بأيام قد تكون دموية تطال الشعب السوادني، والذي حتى الأن لم يستخدم السلاح، وكانت كل مظاهراته سلمية وتطالب بأبسط الحقوق."
وقد تحققت بالفعل نبوءة الدكتور مرهج، وبدأ سيل الدماء، والأوضاع تنذر بمزيد منها.
الأمر يتخطى ذلك أيضا، حيث تشير بعض القرائن ألى أن التدخل لم يكن لاحقا كرد فعل، بل ربما يكون مسبقا للإطاحة بالبشير وتولية خليفة له تابع بشكل كامل، حيث تلاعب البشير في الفترة الأخيرة ببعض الأوراق، مثل القوات السودانية المشاركة في العدوان على اليمن ولوح بسحبها، وهذا التلويح بالطبع كان يهدف لابتزاز مزيد من المساعدات والاموال من السعودية والامارات، وتقول التقارير أن تلويح الجانب السوداني بالانسحاب جاء بعد تصاعد الغضب السوداني على خلفية التجاهل الخليجي للسودان، منذ فبراير/شباط الماضي2019، عندما دخلت البلاد في أزمة اقتصادية أدت إلى ارتفاع الأسعار وانهيار العملة السودانية أمام الدولار، حيث تجاوز حاجز الـ40 جنيهًا مقابل الدولار، لأول مرة في تاريخه.
وعلت أصوات ناقدة لقلة الدعم المالي الخليجي للخرطوم، وأشعل بعض البرلمانيين والصحفيين والكتاب المقربين من الحكومة الشرارة الأولى، حين وجهوا انتقادات للسعودية بدعوى تقاعسها عن دعم الخرطوم التي تعاني من أزمة خانقة في المواد البترولية، أصابت البلاد بالشلل منذ مارس/آذار الماضي2019.
كما طالب بعض النواب بسحب الجيش من اليمن، مما دفع الحكومة إلى الإدلاء بتصريحات عن سحب القوات السودانية من اليمن.
وتضيف تحليلات رصينة أنه ومع تطور الاحتجاجات تسارعت وتيرة الأحداث حيث تم الاطاحة بالبشير وأصبح قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان حميدتي الرجل الأقوى في المعادلة السياسية والأمنية.
وحميدتي من الأسماء البارزة في حرب قوات التحالف الذى تقوده السعودية للحرب في اليمن، وظلت قواته تقاتل هناك في جبهات متعددة، لكنه منذ بداية الاحتجاجات السودانية في 19 كانون الأول/ديسمبر 2018 قرر التأهب واستنفار قواته بالقرب من العاصمة الخرطوم، مع رسائل ناقدة لأداء حكومة البشير، وإبداء التعاطف مع مطالب المحتجين.
هنا تأتي القرائن التي تشير إلى المشاركة في الاطاحة بالبشير وتولية رجال السعودية والامارات، ويؤكد ذلك الموقف المشارك في مقاطعة قطر، في كشف صريح عن الارتهان لمحور بعينه، وهو مسار يقود الى الدماء والاحتراب الأهلي، وكأن السعودية والإمارات لم تشبعهما دماء اليمنيين والسوريين والعراقيين وكل الدماء التي سالت بسبب السياسات المتعالية الطامحة للهيمنة والخادمة بكل أسف لأهداف واجندة الأعداء!