إنسايد أرابيا-
بدأ الشرق الأوسط منذ ربيع عام 2011، يتأرجح بين ثورات الإصلاحيين وجهود الأنظمة العربية الاستبدادية التي لا هوادة فيها للحفاظ على الوضع الراهن.
وقد أصبح الخليج العربي من وجهة نظر الجغرافيا السياسية القوة الإقليمية الجديدة، ما أدى إلى تحجيم دور مصر. لذلك، أصبحت كل من السعودية والإمارات مركزين جديدين للثقل الإقليمي، حيث تستخدمان مواردهما المالية الضخمة لتمويل الثورات المضادة بدءا بدعمهما للانقلاب العسكري في مصر منتصف عام 2013.
منذ ذلك الحين، أبدت الحكومات الملكية الغنية بالنفط اهتمامًا كبيرًا بدعم الحكومات الاستبدادية التي يديرها رجال عسكريون أقوياء في جميع أنحاء العالم العربي وعلى سبيل المثال، قاموا بتمويل عودة الديكتاتورية العسكرية في مصر؛ وقدموا الدعم لما يعرف بـ"الجيش الوطني الليبي" الذي أطلقه الجنرال "خليفة حفتر" بينما كانوا يأملون في زرع "سيسي" جديد في ليبيا، وهم الآن يدعمون حملة قمع عنيفة ضد أنصار الديمقراطية في السودان.
ويشير "جوزيف سيغل"، مدير الأبحاث في مركز أفريقيا للدراسات الإستراتيجية إلى وجود صلة مباشرة بين حملة المجلس العسكري السوداني ضد المتظاهرين السلميين وزيارات اللواء "عبدالفتاح البرهان"، رئيس المجلس العسكري السوداني ونائبه الجنرال "محمد حمدان"، المعروف باسم "حميدتي"، إلى مصر والسعودية والإمارات.
يقول "سيغل": "تخشى هذه الدول من خلق سابقة للتمثيل الشعبي أو الطموح الشعبي للحكم الديمقراطي. إن أي توجه نحو الإصلاح السياسي يخيف محور الثورات المضادة".
وأضاف: "لسوء الحظ، يبدو أن حكام هذه الأنظمة الاستبدادية لا يفكرون في العواقب طويلة الأجل لخلق وضع متقلب للغاية وغير مستقر في السودان، ما سيؤدي في النهاية إلى زعزعة استقرار المنطقة".
وتربط اللواء "البرهان" علاقة عمل وثيقة مع قيادة السعودية والإمارات منذ عام 2015، ويشارك مباشرة في الحرب التي تقودها السعودية في اليمن.
وقال "علي أبوزعكوك"، وزير الخارجية السابق في حكومة الإنقاذ الوطني الليبية: "علاوة على اهتمام كل من السعودية والإمارات بمواجهة أي حركة ديمقراطية في العالم العربي، يوجد بين البلدين مصلحة راسخة في الاحتفاظ بحوالي 10 آلاف جندي سوداني في اليمن".
ثلاثي الاستبداد
بعد تولي المجلس العسكري الانتقالي السلطة في أبريل/نيسان، سارع السعوديون والإماراتيون إلى الموافقة على تقديم 3 مليارات دولار لمساعدة الحكام العسكريين في السودان.
وتدعي دولتا الخليج أن دعمهما للمجلس العسكري السوداني يهدف إلى منع الإسلاميين من السيطرة على الحكم وتعزيز الاستقرار الإقليمي، ومع ذلك، يشير الخبراء إلى حقيقة أن الانتفاضة السودانية هي التي اقتلعت حكم "البشير" المتحالف مع الإسلامي السياسي.
وقالت "مارينا أوتاوي"، وهي باحثة في مركز "وودرو ويلسون": "السبب الحقيقي هو الخوف الذي تواجهه ترويكا الاستبداد إذا تحول بلد عربي كبير إلى الديمقراطية بنجاح، فسيؤدي ذلك إلى ثورات داخل مجتمعاتهم".
وأشارت إلى أن الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي"، الذي يرأس حاليًا الاتحاد الأفريقي، تدخل لتمديد المهلة التي حددها الاتحاد للجيش لتسليم السلطة إلى 3 أشهر، ولم يكن "السيسي" هو القائد الأفريقي الذي تولى دور الوساطة بين الطغمة العسكرية السودانية والمحتجين، ولكنه كان رئيس الوزراء الإثيوبي "آبي أحمد".
وأوضحت "أوتاواي" ذلك قائلة: "التوسط مع المحتجين ليس جزءًا مما يفعله الرئيس المصري، في الداخل، يرد على المتظاهرين بالقمع وليس الحوار. لذلك ليس من المستغرب ألا يحاول السيسي استخدام الوساطة في السودان المجاور".
نقص الاهتمام الأمريكي
يتناقض دعم ثلاثي الاستبداد للثورة المضادة في السودان ومساندته لأعمال المجلس العسكري بشكل صارخ مع التصريحات العلنية للولايات المتحدة الداعية إلى الانتقال إلى الحكم المدني في السودان.
وقد أوضح "جوني كارسون"، مساعد وزير الخارجية الأمريكي الأسبق لمجلة "فورين بوليسي" لماذا ينجرف الحلفاء الأمريكيون الكبار عن الموقف الأمريكي في السودان.
وقال "كارسون": "قادة وحكومات المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر لا يشاركوننا قيمنا الديمقراطية الأساسية، وتختلف وجهات نظرهم بشأن ما يحدث في السودان بشكل كبير عن السياسات التي ينبغي أن تتبعها الولايات المتحدة".
ومع ذلك، يوجد لدى "مارينا أوتاوي" تفسير مختلف حيث تقول: "الولايات المتحدة ليست ملتزمة حقًا بالانتقال السياسي في السودان، كما أن الترويج للديمقراطية منخفض جدًا في قائمة الأولويات العليا لإدارة ترامب، وبالتالي فإن تصريحات الولايات المتحدة الداعية إلى الانتقال إلى حكم مدني هي مجرد تصريحات خطابية".
وأضافت: "أعتقد أن الولايات المتحدة ليس لديها أي إستراتيجية في السودان على الإطلاق، وأن الأنظمة الاستبدادية العربية الثلاثة لم تشعر بأي ضغط من إدارة ترامب لوقف جهودهم المضادة للثورة سواء في السودان أو في أي مكان آخر".
وقالت إن "دونالد ترامب" يبدو راضياً عن السماح للثلاثي بأخذ زمام المبادرة في التعامل مع الربيع العربي في ليبيا واليمن والسودان، وتضمنت مكالمة "ترامب" الهاتفية للجنرال "حفتر" شكرا له على جهوده في مكافحة الإرهاب، في توافق مع رؤية الإمارات ومصر.
ومع ذلك، يقول "هشام العلوي"، وهو باحث مشارك بجامعة هارفارد، إن الديموغرافيا ليست في صالح المستبدين في المنطقة.
ويضيف: "يوجد في الشرق الأوسط عدد كبير جدًا من الشباب الذين يعانون من بطالة متوطنة، ومع ذلك فإنهم جيل مترابط تقنيًا وله ذاكرة جماعية عميقة. الوقت ليس في صالح الاستبداد القائم".
يقول "العلوي" أيضا إن الخوف من الأنظمة الوحشية ليس أبديًا، وعندما تتلاشى الآثار المرعبة للنزاع والعنف، سوف تتجدد الطاقات الشعبية مجددًا وستربح في النهاية المعركة ضد محور الثورة المضادة.