الخليج أونلاين-
تشهد مدن جنوبي العراق، خاصة البصرة، حالةً من الهدوء غير المتوقع، بعد تراجع زخم الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت مؤخراً وكادت تعيد الأحداث التي جرت العام الماضي.
فمع دخول الصيف الذي يشهد ارتفاعاً في درجات الحرارة بالعراق، انتشرت حالات السخط الشعبي على مواقع التواصل الاجتماعي؛ حيث إن حكومة عادل عبد المهدي لم تفِ بالتزاماتها في توفير أدنى الخدمات، لا سيما الكهرباء.
وكادت الاحتجاجات التي شهدتها مناطق الجنوب، العام الماضي، انطلاقاً من البصرة، أن تطيح بحكومة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، حيث عمد المتظاهرون إلى إحراق مؤسسات حكومية ومقرات أحزاب، وواجهتها القوات الأمنية بعنف؛ ما تسبب بسقوط قتلى وجرحى.
ومع تسلم عبد المهدي رئاسة الوزراء خلفاً للعبادي، بعد الانتخابات التشريعية التي أجريت في مايو 2018، توقع مراقبون حدوث موجة احتجاجات عارمة أشد من تلك التي حدثت في الصيف الماضي؛ إن لم تفِ الدولة بأي من تعهداتها إزاء المطالب التي أغضبت الشارع، وأبرزها توفير الخدمات الأساسية التي أكثرها أهمية الكهرباء.
وعلى خلاف التوقعات؛ تبدو الاحتجاجات هذا العام ضعيفة ومحدودة الأثر؛ حيث سرعان ما انتهت عقب انطلاقها في يونيو الماضي، وتؤكد مصادر أن السبب يعود إلى خطة أمنية محكمة نفذتها حكومة عبد المهدي، مكنتها من السيطرة على الشارع ومنع المظاهرات والاعتصامات.
قمع بدعم سعودي
مسؤول كبير في وزارة الداخلية العراقية كشف لـ"الخليج أونلاين" أن حكومة بغداد تلقت دعماً استخبارياً من المملكة العربية السعودية، ساعدها في قمع الاحتجاجات، ومكنها من السيطرة على النشطاء الذين يعملون على تنظيمها.
وقال المصدر، طالباً عدم ذكر اسمه: إن "فريقاً أمنياً من السعودية كان ضمن وفد سعودي زار العراق، في 2 أبريل الماضي؛ للمشاركة في أعمال الدورة الثانية لمجلس التنسيق السعودي العراقي، عرض على الحكومة العراقية المساعدة في احتواء الاحتجاجات، وهو ما لقي ترحيباً كبيراً".
وأضاف: إن "الجانب العراقي شكل فريقاً من الأجهزة الأمنية رافق رئيس الوزراء العراقي خلال زيارته للسعودية، في 17 أبريل من نفس الشهر، حيث حصل على أنظمة وبرامج للتجسس، وتدرب على يد خبراء أجانب يقيمون في الرياض على كيفية استخدام هذه البرامج للتجسس على النشطاء ومتابعتهم".
وتابع المصدر: إن "المعلومات التي حصلت عليها أجهزة الأمن العراقية، مكنتها من اختراق حسابات النشطاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتجسس على مكالماتهم واختراق اجتماعاتهم؛ وهو ما ساعدها في رصدهم ومتابعتهم واعتقال المؤثرين منهم".
وأكد أن "عمليات الاعتقال الاستباقية كانت من أهم الأسباب التي ساعدت في وقف الاحتجاجات"، مشيراً إلى أنه "من خلال المعلومات التي يتم الحصول عليها، يجري اعتقال منسقي التظاهر، ويتم قطع الطرق ووسائل التواصل على الأماكن التي يتفق النشطاء على جمع المحتجين فيها".
هل مصدر الأجهزة "إسرائيلي"؟
مصادر رفيعة المستوى كانت قد كشفت لـ"الخليج أونلاين"، في أكتوبر 2018، عن حصول السعودية على برامج تجسس من دولة الاحتلال الإسرائيلي، ولم يتم التأكد إن كانت نفسها التي وصلت إلى العراق.
وذكرت المصادر أن مشاورات سرّية جرت بين مسؤولين سعوديين وإسرائيليين، للتوقيع على اتفاقيات شراء منظومات أمنية متطورة، وتدعيم تبادل الخبرات العسكرية بين الطرفين.
وأوضحت المصادر أن الرياض دخلت في مفاوضات جادة مع دولة الاحتلال، عبر وسيط أوروبي (لم تسمه)، من أجل إتمام صفقة شراء أجهزة تجسس عالية الدقة والجودة، تقدّر بأكثر من ربع مليون دولار أمريكي.
وأكدت أن بعض برامج وأجهزة التجسس نُقلت فعلياً للرياض وبدأ العمل بها بشكل رسمي، بعد أن تم تدريب الطاقم الفني المسؤول عن إدارتها وتشغيلها، وهو ما أكدته صحيفة "هآرتس" العبرية، في نوفمبر 2018، حين كشفت عن تعاون جرى بين السعودية ودولة الاحتلال بشأن ملاحقة معارضي الرياض في الخارج.
وذكرت الصحيفة أن شركة "NSO" الإسرائيلية المتخصصة في تطوير برمجيات التجسس أجرت، عام 2017، مفاوضات متقدمة لبيع منظومات مراقبة واختراق هواتف ذكية للمخابرات السعودية.
وأوضحت أن هذا البرنامج يستخدم للتنصت على نشطاء حقوق الإنسان، ومراقبة رسائل البريد الإلكتروني واختراق التطبيقات وتسجيل المحادثات، وأكدت أنه يحول جهاز الهاتف إلى جهاز تجسس متطور وشامل.
مساومة النشطاء
نجاح أجهزة الأمن العراقية في متابعة أبرز النشطاء واعتقالهم، ثم مساومتهم على التوقف عن التحشيد للتظاهر مقابل حريتهم، من أبرز وأهم العوامل التي ساعدت في تحجيم مظاهر الاحتجاج ضد الحكومة، بحسب عبدالحميد البصري عضو تنسيقية تظاهرات البصرة.
البصري قال لـ"الخليج أونلاين": إن "الشهر الماضي شهد اعتقال أبرز منظمي التظاهرات في محافظات جنوبي العراق؛ ولا سيما مدينة البصرة التي منها تفجرت احتجاجات العام الماضي، وامتدت لتصل إلى العاصمة بغداد".
وأضاف: إن "الأجهزة الأمنية عرضت على النشطاء تفاصيل المحادثات وتسجيل الاتصالات التي أجريت بينهم، ومعلومات تفصيلية عن الاجتماعات وما دار فيها".
وبين أن "المحققين ساوموا المعتقلين على حريتهم، مهددين إياهم بإبقائهم وراء القضبان سنين طويلة من خلال محاكمتهم وفق قانون مكافحة الإرهاب، أو إطلاق سراحهم بشرط التوقيع على تعهد بعدم الدعوة الى التظاهرات أو المشاركة فيها".
البصري أكد أن "صوراً ومعلومات شخصية حصلت عليها الأجهزة الأمنية من حسابات النشطاء استخدمت في عمليات التهديد، خصوصاً ضد الذين لم يرهبهم التخويف من المحاكمة والسجن".
عضو تنسيقيات البصرة، الذي تواصل مع "الخليج أونلاين" عبر هاتف زوجته، لقناعته أن هاتفه مراقب، لفت النظر إلى أن "نشطاء المجتمع المدني باتوا على قناعة تامة أنهم مراقبون، وأن إمكانية التواصل بينهم أصبحت شبه مستحيلة عبر أي وسيلة من وسائل التواصل التي تستخدم فيها التكنولوجيا".
وأوضح أنه "ومع صعوبة التواصل الشخصي أصبحت عملية التحشيد للتظاهرات محدودة جداً، ومقتصرة على المنظمات والتجمعات الشبابية التي يجمعها حيز جغرافي واحد".