الخليج أونلاين-
تقف "الشرعية اليمنية" على خط التماس بينها وبين المتمردين الحوثيين، محتمية بالاعتراف الدولي كمجرد واجهة مزيفة للرياض، لكن على النقيض بدأ الحوثيون بتعزيز تحركاتهم الدولية، في محاولة منهم لنيل الاعتراف بوجودهم كسلطة رسمية في اليمن، وسط فشل لتحالف السعودية والإمارات.
ولعبت إيران دوراً كبيراً في مساندة الحوثيين ودعم وجودهم في المحافل الدولية، وأخيراً منحتهم الاعتراف الرسمي بسلطتهم باليمن، من خلال قبولها لسفير عينه الحوثيون لديها، ممثلاً لحكومتهم في صنعاء، غير المعترف بها دولياً.
ويسيطر الخوف على اليمنيين من تحركات الحوثيين الأخيرة، التي تشير إلى غياب الحل السياسي منذ سيطرة الحوثيين على الحكم في سبتمبر 2014، ودخول السعودية والإمارات في تحالف لدعم الشرعية في مارس 2015 واستمرار الحرب حتى اليوم، وهو ما قد يدفع المجتمع الدولي إلى الاعتراف بــ"سلطتين" في اليمن.
قصة سفير الحوثيين
في 17 أغسطس الماضي، أعلنت جماعة الحوثيين تعيين سفير في إيران، في إشارة إلى اعتراف طهران بالجماعة.
وقال المتحدث باسم الجماعة، محمد عبد السلام، في تغريدة على "تويتر": "إن قراراً جمهورياً من المجلس السياسي الأعلى (وهو أعلى سلطة سياسية للحوثيين) صدر بتعيين إبراهيم الديلمي سفيراً فوق العادة ومفوضاً لدى إيران".
وأشار إلى أن تلك الخطوة تأتي "تعزيزاً للعمل المؤسسي الرسمي في إطار المجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ (غير معترف بها دولياً)" التي شكلها الحوثيون وحزب صالح في أكتوبر 2016.
أبارك للأخ العزيز / ابراهيم الديلمي صدور القرار الجمهوري رقم(75)لسنة 2019م بتعيينه سفيرا فوق العادة ومفوضا للجمهورية اليمنية لدى الجمهورية الإسلامية الإيرانية وأسأل الله له التوفيق والسداد.
— محمد عبدالسلام (@abdusalamsalah) August 17, 2019
وتأتي هذه الخطوة تعزيزا للعمل المؤسسي الرسمي في إطار المجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ.
وفي ذات اليوم قال زعيم الحوثيين، عبد الملك الحوثي، في خطاب متلفز بثته قناة المسيرة: إن "زيارة وفد وطني (حوثي) لطهران تأتي في سياق التمهيد لعودة العلاقة الرسمية والتمثيل الدبلوماسي مع الجمهورية الإسلامية في إيران".
وتعد إيران، وهي المتهم الأكبر بتقديم الدعم للحوثيين، ثاني دولة تستقبل سفيراً معيناً من الحوثيين بعد حكومة بشار الأسد في سوريا في مارس 2016.
طهران تتسلم أوراق السفير
في 1 سبتمبر 2019، أعلنت إيران تسلم وزير خارجيتها محمد جواد ظريف، أوراق اعتماد إبراهيم محمد الديلمي، سفيراً لحكومة جماعة الحوثيين غير المعترف بها دولياً، لدى طهران.
وذكرت وزارة الخارجية الإيرانية، في بيان، أن "السفير اليمني الجديد لدى طهران إبراهيم محمد الديلمي، التقى بوزير الخارجية محمد جواد ظريف، وقدم أوراق اعتماده سفيراً".
وأكد الناطق باسم الحوثيين محمد عبد السلام أن "وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف تسلم أوراق اعتماد إبراهيم محمد الديلمي السفير اليمني الجديد في طهران".
وأعلن الديلمي، في 22 أغسطس الماضي، أن إيران تعتزم تعيين سفير لها بالعاصمة صنعاء، مشيراً إلى رغبة "دول أخرى في إعادة العلاقات مع اليمن والاعتراف بالمجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ" التابعين للحوثيين.
رد فعل حكومة اليمن
واعتبر وزير الإعلام اليمني، معمر الإرياني، خطوة الحوثيين في تعيين ممثل لها لدى طهران "تجاوزاً للقوانين والأعراف الدولية"، مشدداً على أنها "تخالف قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالأزمة اليمنية".
وأكد الإرياني، في تغريدات على حسابه في موقع "تويتر"، أن ما سمّي بـ"التبادل الدبلوماسي" بين طهران والحوثيين "ليس مفاجئاً؛ فهو ينقل العلاقة بين الطرفين من التنسيق وتلقي الدعم من تحت الطاولة إلى العلن، ويؤكد صحة ما قلناه منذ البداية عن هذه العلاقة وطبيعتها وأهدافها".
١-التبادل الدبلوماسي بين نظام طهران واداته في اليمن #المليشيا_الحوثية، ليس مفاجئ، فهو ينقل العلاقة بين الطرفين من التنسيق وتلقى الدعم من تحت الطاولة إلى العلن، ويؤكد صحة ما قلناه منذ البداية عن هذه العلاقة وطبيعتها وأهدافها
— معمر الإرياني (@ERYANIM) August 17, 2019
معتبراً أن "توقيت إعلانها في ظل اشتعال المنطقة على خلفية أزمة اختطاف الناقلات النفطية وأمن الملاحة في مضيق هرمز يؤكد العزلة التي يعيشها نظام طهران ومساعيه لكسرها".
٢-هذه الخطوة تتجاوز القوانين والأعراف الدولية وتخالف قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالأزمة اليمنية،وتوقيت اعلانها في ظل اشتعال المنطقة على خلفية ازمة اختطاف الناقلات النفطية وامن الملاحة في مضيق هرمز يؤكد حالة العزلة التي يعيشها نظام طهران ومساعيه كسرها
— معمر الإرياني (@ERYANIM) August 17, 2019
وأكد وزير الإعلام اليمني حق الحكومة اليمنية الشرعية في اتخاذ الإجراءات اللازمة ورفع مذكرة احتجاج رسمية إلى الأمم المتحدة إزاء هذا التطور الذي يمثل "انتهاكاً سافراً للقوانين والأعراف الدولية"، مطالباً المجتمع الدولي بموقف حازم حيال استمرار التدخلات الإيرانية في اليمن وسياساتها المزعزعة للأمن والاستقرار.
تحركات لإضفاء شرعية الحوثي
وفي خطوة وُصفت بـ"غير التقليدية" رتبت إيران اجتماعاً بمقر وزارة خارجيتها في طهران، في 17 أغسطس 2019، يجمع وفداً من الحوثيين مع سفراء بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، فضلاً عن المسؤولين الإيرانيين.
وقالت وكالة "أنباء فارس" الإيرانية إن المشاركين أكدوا على الإسراع بوقف الحرب والوصول إلى حل سياسي للأزمة، داعين إلى التعجيل في إرسال المساعدات الإنسانية للشعب اليمني.
وحسب الوكالة، ترأّس الوفد الإيراني كبير مساعدي الخارجية للشؤون السياسة الخاصة، علي أصغر خاجي، في حين ترأس الوفد الحوثي المتحدث باسم الحركة، محمد عبد السلام، إلى جانب سفراء ومندوبي الدول الأوروبية ذات الصلة المعروفة باسم "E4" وهي بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا.
وأضافت: "خلال الاجتماع طرحت الوفود المشاركة وجهات نظر بلدانها حول تطورات اليمن ومنها في المجالات السياسية والميدانية والأوضاع الإنسانية، وأعربوا عن أسفهم العميق لاستمرار الأوضاع المتأزمة في هذا البلد والتي أدت لغاية الآن إلى مصرع وإصابة عشرات الآلاف من أبناء الشعب اليمني وتدمير بنيته التحتية".
فشل التحالف
ويتصاعد في اليمن قلق بالغ من احتمال أن يدفع انسداد أفق الحل السياسي وغياب الحسم العسكري المجتمع الدولي إلى الاعتراف بأكثر من سلطة في اليمن، إحداها حكومة "الإنقاذ الوطني" التابعة للحوثيين في العاصمة صنعاء ومناطق الشمال والغرب.
وتتزايد التحذيرات في اليمن من احتمال أن تطيل هذه الخطوة أمد الصراع وتعمق الانقسام، لا سيما مع الانقلاب الذي نفذته الإمارات في العاصمة المؤقتة عدن، بعد تمويلها قوات موالية لها للانقلاب على الحكومة اليمنية المعترف بها رسمياً.
ويرى الباحث اليمني في الشأن الخليجي والإيراني، سالم عبد الله، أن اعتراف إيران بدولة الحوثي، وقبولها بتعيين سفير لديها، يعد نتيجة طبيعية لانقلاب عدن ونتيجة متوقعة لإضعاف التحالف العربي لشرعية الدولة اليمنية.
وأوضح، في حديث مع "الخليج أونلاين"، أن "جماعة الحوثي الناشئة التي خرجت تواً من كهوف مران نجحت في تحقيق اختراق، ويبدو أن حليفها الوفي سينجح أخيراً في انتزاع اعتراف دولي بها، بسبب غباء التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات، ومحاربته المستمرة للشرعية".
وأضاف: "بعد تسلم ظريف أوراق اعتماد سفير الحوثيين في طهران، بات المشهد اليمني منقسماً أقله على ثلاثة، جماعة الشرعية برئاسة هادي ومقره الرياض، وجماعة المجلس الانتقالي الجنوبي الممول من الإمارات، والثالث هم الحوثيون، وهذا دليل على فشل الشرعية اليمنية والتحالف الذي كان هدفه القضاء على الحوثيين، لكنه للأسف أدى إلى تثبيت وشرعنة وجودهم".
عودة العلاقات واستغلال انقلاب عدن
وتوقع الباحث في العلاقات الدولية اليمني ناصر المهدي، أن تعيد إيران فتح سفارتها بشكل كامل في العاصمة صنعاء بعد هذه الخطوة، بما يعزز من اعترافها بسفير الحوثيين.
وقال المهدي إن إيران والإمارات اتفقتا على مجمل الأوضاع في المنطقة، ومن ضمنها التخادم بشأن اليمن وعملية الانقلاب في عدن، مشيراً إلى أن ما تقوم به الإمارات في جنوب البلاد ودعم الانتقالي هو خدمة كبيرة لإيران، مدللاً على ذلك بما تناقلته صحف إيرانية من أن ما حدث في عدن كان "انقلاب النعمة لإيران والحوثيين".
وأضاف لـ"الخليج أونلاين": "بطبيعة الحال ستعمل إيران وجماعة الحوثي على استغلال انقلاب عدن، وإقناع المجتمع الدولي بأن ما يحدث باليمن تناحر داخلي بين الأطراف اليمنية، وبذلك تلغي وصمة الانقلاب على شرعية ما قامت به بصنعاء".
وأكد أن المرحلة القادمة ستشهد تحولاً كبيراً لصالح الحوثيين، متوقعاً أن يحظى الحوثيون باعتراف أكبر لدى المجتمع الدولي، وسيجد قبولاً بعد تدخل إيران لمصلحتها أمام المجتمع الدولي.