الخليج أونلاين-
أيام قليلة تبقت على الانتخابات الرئاسية الثالثة بعد ثورة 14 يناير 2011، والتي يتخوّف التونسيون فيها من أيادٍ إماراتية "عابثة" قد تفسد العرس السياسي، بناءً على تدخلات سابقة.
وارتبط اسم دولة الإمارات بحالة الانتكاس التي شهدتها ثورات الربيع العربي في مصر وليبيا واليمن بالأساس، وسال كثير من الحبر حول أموال طائلة بذلتها في تونس من أجل صد موجة صعود تيار الإسلام السياسي إلى سدة الحكم.
ومنذ سنوات تحاول الإمارات التدخّل في الشأن السياسي الداخلي التونسي، بقوة المال والإعلام، للتأثير في مسار الانتقال الديمقراطي والمشهد السياسي بصفة عامة، وذلك على الرغم من مرور نحو 9 سنوات على اندلاع الثورة التونسية.
ويتّهم سياسيون الإمارات باستعداء التجربة الديمقراطية التونسية والسعي إلى مصادرة القرار السيادي التونسي من خلال ضخ كثير من الأموال بالساحة ودفع الأمور في اتجاه يشبه ما حدث بمصر.
المرزوقي يهاجم الإمارات
مرة أخرى شن الرئيس التونسي السابق والمرشح الحالي للانتخابات القادمة محمد المنصف المرزوقي، هجوماً جديداً على الإمارات، قائلاً: إنها "عدوة الديمقراطية والحرية".
ونقلت وكالة "الأناضول"، في 2 سبتمبر 2019، عن المرزوقي قوله: "بخصوص الدول اﻷربع التي علاقتنا بها غير جيدة (لم يسمها)، فإن المبدأ بسيط: نحن لا نتدخل في شؤون أي دولة".
لكنه استطرد قائلاً: "نحن لم نتدخل في شؤون الإمارات لتغيير نظام الحكم، بل هي التي تدخلت في نظام حكمنا، ومن واجبي الدفاع عن تونس"، مستدركاً: "ليست لي علاقات سيئة مع الإمارات، بل أدافع عن استقلال تونس وكرامتها ومبادئها".
وفي تصريحٍ آخر مع موقع "عربي بوست"، قال المرزوقي إن هناك دولاً أجنبية أعطت لنفسها حق شنّ ما سماه "حرباً مقدسة" على الحرية والديمقراطية في تونس بهدف العودة بها إلى مربع ما قبل الثورة.
وأكد أن هذه الدول هي نفسها التي تقوم بـ "قتل الأبرياء من الشعب اليمني وتسليح المليشيات بليبيا"، في إشارة إلى الإمارات المتهمة بتدخلها في الحرب باليمن، والاتهامات الموجهة إليها بدعم اللواء المتقاعد خليفة حفتر في ليبيا.
تعطيل الانتخابات
في يوليو من العام الجاري، نقل موقع "إمارات ليكس" عن مصادر موثوقة، قولها إن النظام الإماراتي وضع خططاً فورية لمحاولة تعطيل الانتخابات الرئاسية المقررة في تونس، خلال أقل من شهرين، عقب وفاة الرئيس الباجي قايد السبسي.
وكشفت المصادر أن ولي عهد أبوظبي الحاكم الفعلي للإمارات، محمد بن زايد، أصدر أوامر لدائرته الضيقة بسرعة التواصل مع خلايا وقيادات "داعش" والتنظيمات المتطرفة في تونس بهدف تنفيذ عمليات قتل وتفجير.
وأوضحت المصادر أن الإمارات تستهدف تعطيل الانتخابات مهما كلف الثمن، في ظل الخشية من وصول السلطة بتونس لإسلاميين، في وقت لم تحسم الأمور حتى الآن بكل من الجزائر وليبيا.
ورغم محاولة الإمارات تعطيل الانتخابات، فإن الخطوات نحو إجرائها مستمرة، حيث انطلقت حملة الانتخابات في 3 سبتمبر 2019، رغم وقوع اشتباكات بين قوات الحرس الوطني (الدرك) التونسية في منطقة جبلية بمدينة حيدرة في محافظة القصرين (غربي تونس) قرب الحدود، مع مسلحين منتمين إلى "القاعدة»، أسفرت عن مقتل ضابط يعمل رئيساً لمركز الحرس بمدينة حيدرة.
الإمارات والديمقراطية التونسية
وكثيراً ما اتهمت دولة الإمارات بمعاداتها للتجربة الديمقراطية التونسية، وسعيها إلى افشال هذا الانتقال الديمقراطي الذي تشهده البلاد منذ سقوط نظام بن علي في يناير 2011.
وكان الإعلامي التونسي سفيان بن فرحات قد كشف في الـ 18 من شهر مايو 2015 أثناء مداخلته على قناة "نسمة الخاصة"، أن الرئيس التونسي المتوفي الباجي القائد السبسي أعلمه في لقاء خاص أن دولة الإمارات طلبت منه إعادة سيناريو مصر وإزاحة حركة النهضة التونسية للإيفاء بتعهداتها المالية لتونس، إلا أن الأخير رفض ذلك وفضل سياسة الحوار والتوافق لتفادي الحرب الأهلية بالبلاد وإراقة الدماء.
وقبل ذلك نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، تقريرين متتالين في أواخر 2015، اتّهم فيهما الإمارات بالوقوف خلف عدم الاستقرار في تونس لرفض السبسي تكرار نموذج السيسي في مصر، بالسعي لسحق الإخوان وإعادتهم للسجون.
وسبق للرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي أن صرح في لقاء مع قناة "فرانس 24" بأن الإمارات تمول الانقلابات و"تخلق أحزاباً" على حد تعبيره، مضيفاً أن الإمارات "عدوة الثورات العربية".
تجميد للمشاريع بسبب النهضة
إثر صعود الإسلاميين إلى الحكم في أكتوبر 2011، جمّدت السلطات الإماراتية مشاريع ضخمة كانت قد وعدت بإنجازها في تونس خلال حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي؛ على غرار مشروع بوابة المتوسط "سما دبي"، و"مدينة تونس الرياضية".
وبحسب المراسلات بين الحكومة التونسية وشركة "سما دبي"، فإن الخلاف يتعلّق ببدء العمل في هذا المشروع، حيث إن المستثمر الإماراتي يتذرّع باضطراب الوضع بتونس والمنطقة لرفضه تحديد بداية الأشغال بالمشروع، أما الحكومة التونسية فقد كانت تسعى من جانبها لبدء الأشغال سنة 2016.
وأكدت تقارير إعلامية نقلاً عن مصادر دبلوماسية حينها، أن المسؤولين الدبلوماسيين الإماراتيين قد قرروا عدم استئناف أشغال مشروع "سما دبي" المتعطّل منذ سنة 2011؛ نكاية بالرئيس السبسي؛ بسبب تحالفه مع حركة النهضة وإشراكها بالحكم، وليس لأسباب لوجستية أو أمنية مثلما ادّعوا.
قضية "الإماراتية"
ورغم الفشل المتكرّر في تسميم الساحة التونسية، فإن الجانب الإماراتي لم يرفع الراية البيضاء، بل واصل دعمه للثورة المضادة ورموزها واستفزاز الشعب التونسي بأَسره، كان آخر ذلك ما حدث يوم 23 ديسمبر 2017، عندما منعت شركة طيران الإمارات تونسيات من السفر على متن طائرتها المتجهة إلى دبي، دون تقديم أسباب؛ وهو ما دفع وزارة النقل التونسية إلى اتخاذ إجراء بتعليق رحلات الناقلة الإماراتية من تونس وإليها.
وبعد نحو أسبوعين من هذا المنع، قرّرت وزارة النقل التونسية استئناف شركة "طيران الإمارات" رحلاتها الجوية من تونس وإليها، إثر رفع إجراءات المنع في حق المواطنات التونسيات والتوصل إلى اتفاق تلتزم بمقتضاه الشركة الإماراتية احترام القوانين والمعاهدات الدولية وأحكام الاتفاقية الثنائية في مجال النقل الجوي المبرمة بين البلدين، والحرص على تفادي ما حدث مستقبلاً وكل ما من شأنه أن يمس أو يسيء إلى العلاقات الثنائية.
وفي خضم الأزمة، كشفت وثيقة سرية إماراتية مسرّبة نقلتها وسائل إعلامية، استراتيجية أبوظبي للتعامل مع الأزمة الأخيرة بتونس وتوصيات بكيفية إدارتها مع تأكيد أن الأزمة وبرود العلاقات المستمر منذ سنوات، يعودان أساساً إلى موضوع عدم انقلاب السبسي على حزب النهضة إثر الانتخابات النيابية والرئاسية نهاية العام 2014.
الخوف من تونس
ويقول المحلل السياسي المصري محمد عبد المولى، إن الإمارات مستعدة وبأي ثمن أن تحول دون تثبيت حركة النهضة أقدامها في أي انتخابات بتونس، والسيطرة على الحكم كلياً أو جزئياً مع أي شريك آخر.
وأوضح عبد المولى خلال حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن الإمارات ترى أن ديمقراطية تونس مهدِّدة لها في الوطن العربي، خصوصاً مع النجاح الكبير الذي حققته خلال الانتخابات السابقة، حيث تخشى أبوظبي أن تستلهم دول عربية تلك التجربة لتعيد الكَرة في بلدانها.
وأضاف: "حرب الإمارات على الإسلاميين تتسبب في تدمير شعوب، كما حدث بمصر واليمن وليبيا وربما يتكرر المشهد في السودان أيضاً، ولذلك يعمل بن زايد بكل ما يملك للقضاء على الديمقراطية في تونس، التي وقفت ضد كل مخططاته الرامية إلى إنهاء الإسلاميين فيها".
وأشار إلى أن الإمارات لن يهدأ لها بال حتى تستطيع إفساد الديمقراطية بتونس، والإطاحة بحزب النهضة، كما حدث في مصر من انقلاب على "الإخوان"، والإطاحة بحكم الرئيس الراحل محمد مرسي، والقضاء على الديمقراطية في مصر نهائياً.
من جانبه رأى الكاتب والصحفي عبد السلام المرخي، أن الإمارات لم يعد لها وجود في تونس، بعدما تمكن الرئيس الراحل السبسي من وقف تدخلاتها ببلاده.
وأضاف في حديث لـ"الخليج أونلاين": "ربما سابقاً كانت تقوم ببعض التدخلات وحاولت مع السعودية فرض إرادتها، ولكن حين رفض السبسي تلك التدخلات وواجهها بقوة، وجدت نفسها في موقف حرج وانسحبت من أي تدخلات في تونس".