محمد كريشان- القدس العربي-
«تبرير الهجوم الإرهابي وغير المسبوق على منشآت أرامكو من باب تطورات حرب اليمن مرفوض تماما، فالهجوم على السعودية تصعيد خطير في حد ذاته، والموقع الصحيح لكل دولة عربية وكل دولة مسؤولة في المجتمع الدولي يجب أن يكون مع السعودية ومع استقرار المنطقة وأمانها»… هكذا كتب أنور قرقاش وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية على حسابه الموثق في «تويتر».
وصف ضربة السعودية الأخيرة بـ«التصعيد الخطير في حد ذاته» واعتبار التضامن مع السعودية «الموقع الصحيح» لكل دولة موقف لا أحد يمكن أن يخالف فيه المسؤول الإماراتي، لكن لماذا اعتبار ربطه بحرب اليمن «مرفوض تماما» ولماذا هذه المسارعة إلى هذا الرفض مع أن لا معنى للحديث عن هذا الحدث الكبير للسعودية وما سبقه من ضربات مختلفة في الأشهر الماضية دون وضعه، تحديدا وفي المقام الأول، في سياق الحرب في اليمن.
هل سبق أن تعرضت السعودية في السنوات الماضية لضربات قوية هزت أمنها واقتصادها إلا بعد تدخلها في اليمن؟! ألا نذكر أن آخر ما واجهته المملكة إنما يعود لسنوات طويلة مضت ولم يكن ذلك وقتها سوى في إطار مواجهة الدولة لتنظيمات دينية متطرفة استطاعت وقتها أن تقوم بتفجيرات ضخمة هنا أو هناك ؟!.
إن هذه التغريدة المعبّرة بلا جدال عن موقف سياسي للدولة التي يمثلها قرقاش، والتي تشكل مع السعودية الثنائي الذي يقود الحرب في اليمن تحت يافطة «تحالف عربي» تحول عمليا إلى «تحالف سعودي ـ إماراتي»، تبدو وكأنها تتوجه إلى الرياض بالقول إياك أن تصغي للآراء والمواقف التي تدعي أن ما أصابك ما كان ليصيبك لولا تدخلك في اليمن، الأمر لا علاقة له بذلك البتة وعليك أن تواصلي ما أنت فيه هناك!
هذا «التحريض» الإماراتي للسعودية بتجاهل ربط يفرض نفسه ويفقأ عين كل مراقب للأحداث، عن قرب أو عن بعد، كان يمكن أن يستقيم لو كان من تبنى العملية تنظيم إرهابي من أمريكا اللاتينية أو دولة من أقصى بقاع الأرض كنيوزيلندا مثلا ولكن الذي تبنى جهارا نهارا هم الحوثيون. أكثر من ذلك، لنقل أن الحوثيين زعموا ذلك زورا وبهتانا و أن إيران هي من فعلها سواء مباشرة أو عن طريق عملاء لها انطلاقا من السعودية أو من الداخل السعودي أو من أي بقعة أخرى. هل سبق لإيران أن فعلت ذلك لولا السياق اليمني الذي جعلها تنسج أقوى العلاقات مع الحوثيين؟ علما وأن كل العارفين بالملف اليمني وتفاصيله الكثيرة يقولون إن علاقة جماعة «أنصار الله» بطهران لم يقو عودها وتتدعم إلا بعد اندلاع الحرب هناك وتدخل السعودية هناك وليس قبل ذلك.
هل من سبيل إلى اعتبار ما سبق شيئا آخر غير إصرار إماراتي على استمرار انغماس السعودية في المستنقع اليمني والامعان في القول لها، جهرا الآن وعلى الملأ، بأن ما حلّ بها لا علاقة له باليمن. إذن بأي علاقة يمكن له أن يكون؟! لنرد ونعتبر جدلا أن ما تعرضت له السعودية من اعتداء كبير على منشآتها النفطية، وما أحدثه ذلك من ارتباك كبير في سوق النفط العالمية وسير عمليات الشحن والامدادات، أمر لا علاقة له إلا بالعداء الإيراني للسعودية ورغبتها في هز استقرارها وأمنها.
إذا كان الأمر كذلك فعلا، فلماذا تحرص دولة الإمارات على ترطيب أجواء علاقاتها مع إيران عبر إرسال الوفود الأمنية إلى طهران والتي قيل وقتها إنها لبحث قضايا الصيد البحري في المنطقة (كذا!!) والتي على إثرها تلقت أبوظبي ما يشبه التطمينات من أن الحوثيين لن يستهدفوها في عقر دارها و أن مدنها ومنشآتها لن تتعرض لأي ضرر؟ هذا هو الحاصل فعلا الآن عبر اتفاق واضح، وإن كان غير معلن، فلن يخرج أحد للإعتراف به طبعا لا في إيران ولا في الإمارات.
إنه منطق من يعتقد أنه نجا بجلده ولكم لامانع لديه في توريط حليفه المفترض، لغاية في نفس يعقوب على الأرجح. ما معنى أن تجد الامارات، مع إيران و الحوثيين، الترتيب الذي يجعلها بعيدة عن الصواريخ التي قد تحول كل المباني الزجاجية إلى ركام وتدمّر أي سمعة عالمية للبلد كقبلة استثمار وترفيه، ثم تلتفت إلى السعودية وتقول لها علنا: إنتبهي لا علاقة لما لحق بك من أذى كبير بما تفعليه في اليمن فلتواصلي ما أنت فيه ولا تلتفتي لمن يدعوك إلى مراجعة حربك العقيمة والفاشلة في اليمن!!
ما يحدث في اليمن هو مربط الفرس وبيت القصيد في ما حدث للسعودية، وما قد يحدث، والايحاء بعكسه دجل وتضليل متعمّدان أو جهل ومكابرة فاقعان. كلاهما كارثة، وأولاهما ألعن من الثانية. ستذهب الولايات المتحدة يوما إلى حوار مع الحوثيين ومع إيران والأمم المتحدة ماضية عبر مبعوثها في خيار المفاوضات والتسوية بحيث لن تخرج السعودية من اليمن إلا بسواد الوجه كما يقال. أما الإمارات فلديها حساباتها الأخرى الكثيرة، المعلن منه والمخفي و كلاهما غير مريح ولا بريء.