علاقات » عربي

بانسحابه من سوريا.. ترامب يهدم خطط السعودية للضغط على تركيا

في 2019/10/11

الخليج أونلاين-

وسط الحديث عن العملية العسكرية التركية في شمال سوريا ضد الأكراد، لا يزال اسم السعودية يتردد في وسائل الإعلام، حيث سعت الأخيرة سابقاً لإفشال هذه العملية ضد المجموعات الكردية بهدف مقارعة أنقرة.

الدعم الذي قدمته السعودية للانفصاليين يأتي في وقت ترفض فيه تركيا أي تدخل دولي لدعم قوات سوريا الديمقراطية "قسد" التي تقودها وحدات حماية الشعب الكردية، وتعده دعماً لمنظمة إرهابية، بينما تدعم الرياض تلك القوات سياسياً ومالياً في مناطق سيطرتها بشمال شرقي سوريا؛ تحت مسوغات الإعمار والدعم الإنساني.

وبينما كانت الرياض تتشبث بوجود القوات الأمريكية في شمال سوريا لمنع أي تحركات لتركيا، وجدت نفسها هذه المرة عاجزة في وجه أنقرة، بعد أن تركتها واشنطن التي أعلنت، مطلع أكتوبر الجاري، سحب جميع قواتها التي كانت تقف حاجزاً أمام تقدم الجيش التركي.

انسحاب القوات الأمريكية.. وتحرك تركي

في السابع من أكتوبر 2019، أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، انسحاب 50 جندياً أمريكياً (هم قوام القوات الأمريكية) من المنطقة التي من المحتمل أن تنفذ فيها تركيا عملية عسكرية شمالي سوريا، في الوقت الذي تحشد فيه أنقرة قواتها على الحدود الجنوبية تمهيداً للعملية.

وسحبت الولايات المتحدة قواتها من نقاطها العسكرية المؤقتة بمدينتي تل أبيض بريف الرقة، ورأس العين بريف الحسكة، المتاخمتين للحدود التركية.

وتقول أنقرة إنها أرسلت تعزيزات تضم قوات خاصة وناقلات جند ومدرعات عسكرية توجهت إلى الحدود السورية عبر ولاية كليس، بهدف تقوية الوحدات العسكرية المتمركزة على حدود سوريا.

وهدد أردوغان (5 أكتوبر 2019)، بتنفيذ عملية عسكرية شرقي الفرات، مؤكداً أن جيش بلاده "أجرى استعداداته كاملةً وأكمل خطته لتنفيذها"، مضيفاً عن موعد العملية: إنها "قريبة إلى حد يمكن القول إنها اليوم أو غداً. سننفذ العملية من البر والجو".

وتسعى الحكومة التركية إلى إنشاء منطقة آمنة على طول 422 كيلومتراً من حدود تركيا مع سوريا، وبعمق يصل إلى 30 كيلومتراً، لتأمين عودة اللاجئين السوريين إلى أراضيهم.

مهاجمة ترامب والتقليل من شأن خطوته

الصدمة السعودية من قرار ترامب سحب قواته من سوريا دفعت وسائل إعلام سعودية إلى مهاجمة تلك الخطوة، ونشرت صحيفة "الوطن" السعودية تقريراً تحت عنوان: "هدية مسمومة يقدمها ترامب لأردوغان في منطقة الأكراد".

وتنقل الصحيفة عن مراقبين لم تسمهم قولهم، إن انسحاب القوات الأمريكية "تعتبر هدية مسمومة قدمها ترامب لأردوغان، ويمكن أن تضعه في مأزق".

أما صحيفة "عكاظ" السعودية فقد استخدمت عناوين بارزة لمهاجمة أنقرة والرئيس التركي، ووصفت أردوغان بـ"الأب الروحي لداعش".

صحيفة "الجزيرة" السعودية بدورها قالت إن الانتقادات انهالت على ترامب "بعد ساعات قليلة من إعلانه إخلاء الساحة في شمال سوريا لتركيا"، مضيفة أن "البعض وصف قرار ترامب بالخطأ الفادح، والبعض الآخر بالكارثة".

وأضافت: "المعروف عن ترامب أنه يكرر دائماً رفضه ما يسميه بالحروب التي لا تنتهي، لكنه هذه المرة بقراره سحب القوات الأمريكية من المناطق المجاورة للحدود مع تركيا في شمال سوريا إنما يقدم القوات الكردية الحليفة لبلاده هدية على طبق من فضة إلى عدوها التركي الشرس".

وتابعت: "بالنتيجة يطرح مجدداً مسألة طريقة تعاطي ترامب مع حلفاء بلاده، ويعزز صورة الرئيس المعزول داخل إدارته نفسها".

السعودية وبقاء الأمريكان بسوريا

وبتشبث النظام السعودي ببقاء القوات الأمريكية في سوريا، حتى بدا أن إعلان ترامب سحب قواته قد شكل صدمة كبيرة بالنسبة إلى الرياض التي تدفع المال لواشنطن مقابل بقاء قواتها.

وسبق أن كشف ترامب، في أبريل 2018، أن بقاء قواته في سوريا مرتبط بمدى ما يمكن أن تدفعه السعودية من أجل ذلك.

وقال في مؤتمر صحفي حينها مع بن سلمان: إن "المشاركة الأمريكية في سوريا مُكلفة وتفيد مصالح دول أخرى"، معلقاً على الطلب السعودي من الأمريكيين البقاء في سوريا: "نعمل على خطة للخروج من سوريا، إذا كانت السعودية ترغب ببقائنا فيها فيجب عليها دفع تكاليف ذلك".

وتابع: "المملكة العربية السعودية مهتمة جداً بقرارنا، وقلت لهم حسناً، إذا أردتم أن نبقى فيتعين عليكم أن تدفعوا".

وكان ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، قال حينها لمجلة "التايم" الأمريكية إن على القوات الأمريكية ألا تنسحب من سوريا، وإنه يجب على الأمريكيين البقاء في سوريا على المدى المتوسط على الأقل.

وفي منتصف أغسطس 2018، رحبت الولايات المتحدة بتقديم السعودية مبلغ 100 مليون دولار دعماً للقوات الأمريكية في سوريا، فيما يبدو أن الرياض كانت تسدد التزاماتها لواشنطن بشكل مستمر لبقاء قواتها هناك.

تحركات سعودية مستمرة

لم تتوقف السعودية عند الدعم المالي لبقاء واشنطن في سوريا، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك حين أرسلت وفوداً رسمية إلى المناطق المتاخمة لتركيا؛ كان أبرزها زيارة قام بها وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج، ثامر السبهان، في شهر يونيو 2019، إلى حقل العمر النفطي.

ونقلت وسائل إعلام سعودية عن مصادر لم تسمها أن السبهان عقد "لقاءات" وصفتها بـ"الهامة" مع مسؤولين أمريكيين وشيوخ قبائل، حيث تعد زيارته الثانية بعد أولى كانت في أكتوبر 2017.

كما نقلت قناة "الجزيرة" القطرية حينها أن "السبهان أوضح لزعماء العشائر العربية أن السعودية ودول الخليج المرتبطة بها ستدعم المنطقة؛ عبر إيجاد فرص عمل، وإعادة تأهيل القرى المدمرة، وتعويض المتضررين، وإشراك أبنائها بإدارة منطقتهم".

وأكدت أن تلك الوعود السعودية ارتبطت بالموافقة على شروط؛ أبرزها "اكتساب تأييد عشائر المنطقة، ووقف الصدام مع الوحدات الكردية، وعدم فتح أي قنوات تواصل مع تركيا وقطر".

وتخضع أراضي شرق محافظة دير الزور، التي يقع فيها حقل العمر النفطي، لسيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية.

السعودية وقراءة الأمر الواقع 

المحلل السياسي التركي فراس رضوان أوغلو، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، توقع أن تكون ردة فعل السعودية قراءة للأمر الواقع؛ "لأن هناك نقاطاً مهمة جداً في هذا الأمر، أولها أن القوات الكردية ليس لها قوة لمحاربة الجيش التركي، كما أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تبقى إلى ما لا نهاية في الشمال السوري".

وأضاف: "من الناحية الاستراتيجية لا أعتقد أن السعودية ستبقي القوات الكردية في الميزان مع الثقل التركي، لأنه بعيد عن الواقع، لكون الأكراد فصيلاً مسلحاً وصغيراً مقابل دولة كبيرة في الشرق الأوسط".

وأكد أن تركيا لن تسمح لأي طرف، ومن ضمن ذلك الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، أن يهدد أمنها القومي، مشيراً إلى أن "القوة السياسية والعسكرية تفرض على الجميع القبول بالتدخل التركي في تلك المنطقة".

ويرى أن السعودية ستلجأ إلى المطالبة بـ"الحفاظ على الأراضي للجمهورية العربية السورية"؛ لكونها أراضي عربية، "ولا تريد من تركيا أن تحتل أراضي كما يقولون أو ما شابه ذلك".

كما أشار إلى أن المملكة لن تقع فيما وصفه بـ"الخطأ السياسي الكبير بدفع مبالغ طائلة لأمريكا من أجل البقاء في شمال سوريا"، مضيفاً: "لا أتوقع أن تقوم بذلك حالياً رغم الزيارات المتكررة التي شهدناها لمسؤولين سعوديين إلى تلك المناطق".

ويقول إن حديث تركيا كان واضحاً منذ البداية بأنها ليس لها طمع في أي أرض داخل سوريا، مضيفاً: "الأمر يتعلق بمسألة الأمن القومي وإعادة السوريين من أبناء المنطقة إلى هناك".

لماذا ترغب السعودية ببقاء الأمريكان؟

تحاول السعودية تأكيد أن خطواتها في سوريا مدفوعة بالهاجس الأساسي المتمثل في التصدي للوجود والتوسع الإيراني عبر سوريا والعراق إلى لبنان، لكن المراقبين يؤكدون أن السبب الأبرز هو الموقف السعودي المناهض لتركيا التي دعمت قطر في الأزمة الخليجية الأخيرة، ورفضت عزلها وحصارها من قبل السعودية والإمارات.

وفي سبيل ذلك تقربت الرياض خلال الفترة الأخيرة أكثر من المسؤولين الأكراد المناوئين لتركيا، وأبرزهم رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، صالح مسلم، الذي تعتبر أنقرة حزبه "إرهابياً".

وتدرك تركيا أن وجود قوات خارجية في شمالي سوريا هو محاولة خطرة للمس بأمنها القومي، وأن أي دعم من محور واشنطن–الرياض وأبوظبي للمليشيات الكردية يهدف إلى سد الأبواب أمام أي عمل عسكري تريد أنقرة من خلاله التصدي للانفصاليين، على اعتبار أن إطالة الصراع مع تلك المليشيا تخدم مصالح تلك الدول، وتقيد نفوذ السياسة التركية وقوتها الاقتصادية والأمنية والعسكرية.