علاقات » عربي

وقفت بجانب الأسد.. لماذا ترفض دول عربية "نبع السلام" التركية؟

في 2019/10/14

الخليج أونلاين-

تشترك تركيا مع الدول العربية في الإسلام فضلاً عن القرب الجغرافي، لكن علاقات أنقرة مع العرب ليست وردية تماماً، وشابها كثير من الخلافات، خصوصاً في الآونة الأخيرة.

وتصاعدت بشكل كبير، الخلافات التركية-العربية، في الأسبوع الأخير، الذي شهد سلسلة طويلة من البيانات الرسمية الحادة، وسط حرب إعلامية متواصلة بين الجانبين وصلت إلى حد عقد اجتماع طارئ للجامعة العربية، لمناقشة العملية العسكرية التي تنفذها تركيا شمالي سوريا.

وبدأت تركيا، الأربعاء الماضي (9 أكتوبر 2019)، عملية عسكرية في شمال شرقي سوريا، لقتال مليشيات تصفها أنقرة بـ"الإرهابية"، بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب قوات بلاده من المنطقة، وسط صفعة تلقتها دول عربية من قرار واشنطن.

تصعيد مفاجئ

مع بدء العمليات العسكرية التي أعلنت عنها أنقرة، صعَّدت كثير من الدول العربية هجومها على تركيا، وتزعمت تلك المواقف دول حصار قطر (السعودية والإمارات ومصر والبحرين).

البداية كانت من السعودية، التي وصفت العملية العسكرية بـ"العُدوان"، وبينما دعت مصر الجامعة العربية إلى عقد اجتماع طارئ لمناقشة القضية، قالت الإمارات إن التطورات الخطيرة والمحيطة بسوريا "ما هي إلا تداعيات للانقسام العربي الحالي"، إضافة إلى إدانات أطلقتها دول عربية مختلفة.

لم يتوقف الأمر عند تلك الإدانات، بل عقدت الجامعة العربية، السبت (12 أكتوبر 2019)، اجتماعاً لوزراء الخارجية العرب، وُصف بـ"الطارئ" في مقر جامعة الدول العربية.

ووفق ما بثته وسائل الإعلام، تحدث وزراء خارجية العراق ومصر ولبنان والبحرين وتونس وموريتانيا، وكذلك وزيرا الشؤون الخارجية في السعودية والإمارات، عن أهمية وقف العملية، وإيجاد حل سياسي لسوريا.

واللافت فيما مضى أن السعودية رحبت بالعمليتين العسكريتين السابقتين ضد المليشيات الكردية الانفصالية (درع الفرات 2016) و(غصن الزيتون 2018)، إلى أن موقفها الحالي يبدو وكأنه مناكفة سياسية بسبب الخلاف بينهما التي أحدثته جريمة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول.

تصعيد مفاجئ أيضاً جاء من الأردن التي سبق وطرحت في أكثر مناسبة رغبتها بإقامة منطقة آمنة للسوريين، لكن موقفها الحالي من العملية يعكس ضغوطات قد تكون مورست عليها من جانب الرياض وأبوظبي.

التهديد بقطع العلاقات

وحمل البيان الختامي لاجتماع الجامعة العربية، لهجة حادة؛ إذ أشار إلى أنه "سيتم النظر في اتخاذ إجراءات سياسية واقتصادية وسياحية فيما يتعلق بالتعاون مع تركيا"، كما دعوا إلى استعادة سوريا دورها في المنظومة العربية، رغم منعها من العودة منذ 2011، بسبب الجرائم المرتكبة ضد المدنيين.

البيان الختامي للاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب في جامعة الدول العربية، قال إن أعضاء الجامعة سيتخذون إجراءات، من ضمنها "خفض العلاقات الدبلوماسية، ووقف التعاون العسكري، ومراجعة مستوى العلاقات الاقتصادية والثقافية والسياحية مع تركيا".

وبينما وقَّعت الدول العربية على ذلك البيان، تحفظت قطر والصومال عليه، كما قُطع البث عن كلمة ممثل قطر خلال الجلسة.

ولم يتوقف العرب عند ذلك الحد؛ بل وصل الحال إلى استقبال وزير الخارجية المصري، سامح شكري، وفداً من مجلس سوريا الديمقراطية (الأكراد)، والذين تتهمهم تركيا بتنفيذ "أعمال إرهابية" على أراضيها، إضافة إلى اتهامات عربية لقوات ذلك المجلس بارتكاب أعمال قتل وتهجير للعرب في مناطق سيطرتهم.

تحرُّك غير مفاجئ

ويضع هذا الموقف تساؤلات كثيرة وراء التباين في مواقف الدول العربية من التدخل العسكري الروسي والإيراني في سوريا، مقارنة بالتصعيد المفاجئ ضد تركيا بعد تدخُّلها العسكري لحماية حدودها الجنوبية.

يقول الباحث اليمني محمد السماوي، إن التصعيد الحالي من دول عربية ضد تركيا ليس مفاجئاً، بل إن بعضها مثل السعودية والإمارات ومصر، "زادت لغتها العدائية، واتهاماتها وافتراءاتها تجاه أنقرة".

وأضاف في حديث خاص مع "الخليج أونلاين": "يأتي هذا التطور العربي، خصوصاً بعد وقوف تركيا إلى جانب قطر في مواجهة بعض دول الخليج العربي التي فرضت حصاراً على الدوحة، بزعامة السعودية والإمارات، فضلاً عن موقفها الأخلاقي من قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي في 2 أكتوبر من العام الماضي".

وأوضح أن من يقف وراء إثارة هذه القضية "الرياض وأبوظبي والقاهرة"، مشيراً إلى أن السعودية أول من أدان التدخل العسكري التركي، في حين كانت مصر هي التي دعت إلى الاجتماع الطارئ.

وأضاف: "حتى أبوظبي التي تسببت في تفكُّك بعض الدول العربية وأثارت النزاعات بين الشعوب، ظهرت اليوم بدور الناصح الذي يدعو إلى إعادة التلاحم بين العرب لمواجهة الأخطار، في حين أنها للأسف أكبر خطر يهدد الوطن العربي والشرق الأوسط".

وأكد أن من حق العرب إدانة أي تدخُّل دولي، سواء من تركيا أو من أي دولة أخرى، لكنه عبَّر عن استيائه من أن يكون هذا الغضب تجاه تركيا بسبب الخلافات، "في الوقت الذي يتجاهل فيه العرب وجود روسيا وقواعدها العسكرية بسوريا والتدخل الإيراني الكبير أيضاً، وسط صمت عربي".

قلق من المشروع التركي

من جانبه يؤكد الباحث اللبناني في الشؤون الإقليمية والدولية محمود علوش، وجود دول عربية نافذة، على رأسها السعودية والإمارات ومصر، تقود هذه الحملة ضد تركيا.

ويرى أن هذه الحملة تعكس مدى قلق هذه الدول من المشروع التركي المتصاعد في سوريا والمنطقة عموماً، مشيراً إلى أنها ترى فيه "خطراً أكبر عليها حتى من الخطر الإيراني، لأنه ليس مشروعاً طائفياً أو مذهبياً، كما أنه قادر على التأثير في المجتمعات العربية عكس المشروع الإيراني الذي تنبذه غالبية شعوب المنطقة".

وفي حديثه مع "الخليج أونلاين"، أكد علوش أن هذه الدول "سعت خلال الفترة الماضية، إلى أن يكون لها دور في شمال شرقي سوريا من خلال البوابة الكردية وورثة النفوذ الأمريكي كما حال الأوروبيين"، في إشارة إلى الزيارات التي قام بها وزير سعودي لتلك المنطقة.

وأضاف: "هُم الآن ممتعضون من ترامب وتفاهماته مع أردوغان، ويعتقدون أن انتزاع الأخير ورقة الوحدات الكردية يعني خسارة كبيرة لإحدى أوراق الضغط التي يسعون مع الأوروبيين لامتلاكها".

الْتقاء مصالح

كما أوضح الباحث علوش أن هذا الإجماع العربي شبه الكامل على إدانة تركيا، "لا يعكس موقفاً عربياً موحداً من سوريا بقدر ما يشكل نقطة التقاء مصالح دول عربية كثيرة"، موضحاً بقوله: "على سبيل المثال، العراق ولبنان رفضا التدخل التركي، لكنهما لا يستطيعان تبنّي موقف مُعارض للتدخل الإيراني مثلاً".

وتابع: "غالبية الدول العربية -إن لم يكن كلّها- لا تجرؤ حتى على إدانة التدخل الروسي، كما أن هناك أطرافاً تسعى إلى استغلال هذا الإجماع العربي لإعادة عضوية سوريا بالجامعة، كمصر والإمارات والعراق".

وفيما يتعلق بتأثير هذا التصعيد ضد تركيا، يرى علوش أنه "لا يؤثر كثيراً في المعادلة السورية وليست له أي قيمة بالنسبة للأتراك"، مضيفاً: "العرب باتوا خارج المعادلة السورية منذ فترة، لأنه لم تكن لديهم الشجاعة لمواصلة دعمهم العسكري للمعارضة حتى النهاية، ومصير تأثيرهم كان مرهوناً بمصير التأثير الأمريكي، وها هو ترامب يريد مغادرة سوريا".

لكنه استطرد قائلاً: "ما يمكن أن يُقلق الأتراك في هذه المرحلة هو نجاح السعودية ومصر والإمارات في جر الدول العربية الأخرى إلى أن تكون في حالة عداء مع تركيا، فهذا لا يصبُّ في مصلحة أنقرة".

هجوم تركي على الجامعة العربية

مستشار رئيس حزب "العدالة والتنمية" التركي، ياسين أكتاي، وصف التصريحات المصرية والإماراتية بأنها تأتي على رأس قائمة ردود الفعل "التراجيكوميدية".

وعبَّر عن استغرابه من رد فعل الجامعة العربية، قائلاً: "يزعمون أن تركيا تعتدي على سيادة دولة عربية شقيقة، وهذا الأمر في غاية السخافة"، مضيفاً: "من تكون هذه الدولة العربية ذات السيادة؟ سوريا؟! عن أي سيادة يتحدثون وقد تقاسمت أراضيها سبع دول؟".

وقال في مقال له بصحيفة "يني شفق" التركية: "هل أنتم مهتمون حقاً بعروبة سوريا؟ وهل بقي لديكم احترام للعرب والعروبة؟ فماذا فعلتم لنصرة الشعب السوري الشقيق، الذي يتعرض إما للقتل وإما للتهجير منذ ثماني سنوات؟".

كما هاجم زعماءَ العرب على خلفية تجاهلهم معاناة السوريين، وقال: "بأي وجه تتذكرون هذا الآن في الوقت الذي لا تتذكرون فيه أن تركيا التي وقفت إلى جانب الشعب السوري ليست دولة عربية في الوقت الذي تخليتم فيه أنتم عنه؟".

وتساءل عن الصمت العربي إزاء ما سماها "الجرائم" التي تعرضت لها بعض الشعوب العربية، بقوله: "هل هناك أي دولة عربية فعلت أي شيء لنصرة العرب الذين أُزهقت أرواحهم، وانتُهكت حرماتهم، وسُرقت أموالهم في سوريا وليبيا واليمن ومصر؟".

وأكد أن بلاده لم تتدخل في سوريا لمهاجمة "أشقائنا العرب، بل دفاعاً عنهم، كي لا يتعرضوا لمزيد من عمليات التطهير العرقي، كما أن تركيا تنفذ هذه العملية بالتعاون مع الأشقاء السوريين أنفسهم".