الخليج أونلاين-
بعد أن انتقلت الخلافات بين حلفاء الأمس في اليمن إلى العلن، وتوجيه الحكومة الشرعية اتهامات لدولة الإمارات بدعم حراك الانفصاليين الجنوبيين، عادت الأحاديث مرة أخرى عن وجود تفاهمات برعاية السعودية لإنهاء المشهد الدامي في جنوب البلاد.
وما ميز المواجهات التي شهدتها العاصمة المؤقتة عدن والانقلاب المدعوم من الإمارات لمليشيا انفصالية في أغسطس الماضي، هو أن الخلاف بين الطرفين بات يتصل بموقف طرفي التحالف العربي في اليمن؛ السعودية والإمارات العربية المتحدة.
مؤخراً بدأ الحديث عن مسودة اتفاق بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الانفصالي المدعوم إماراتياً، قدمتها السعودية، وسط اتهامات للرياض وأبوظبي بافتعال مسرحية هدفها الضغط على الحكومة اليمنية، مقابل تقديمها تنازلات لأبوظبي.
مسودة اتفاق
في الـ12 من أكتوبر الجاري، كشفت قناة "الجزيرة" عن مسودة اتفاق يجري الإعداد لها في مدينة جدة السعودية، بين الحكومة اليمنية ومليشيا الانتقالي الجنوبي الممولة إماراتياً.
مسودة اتفاق جدة، وفقاً للقناة، نصت على دمج التشكيلات العسكرية والأمنية في هياكل وزارتي الدفاع والداخلية باليمن، واستيعاب المجلس الانتقالي ومكونات جنوبية في الحكومة والسلطة المحلية.
وأوضحت أن فقرة استيعاب المجلس الانتقالي والمكونات الجنوبية تنص على تشكيل حكومة وحدة وطنية مناصفة بين شمال اليمن وجنوبه.
كما نص الاتفاق على أن يعين الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، رئيس الحكومة والوزارات السيادية في الحكومة.
ونصَّت مسودة الاتفاق للحوار الذي ترعاه السعودية على أن تكون الرياض هي الطرف الذي يشرف مباشرة على "هيكلة قوات الأمن وإنشاء قوة أمنية محايدة لتشرف على الانتقال"، وتشكيل فريق سياسي سعودي في عدن للإشراف على تنفيذ بنود الاتفاق.
ويلزم الاتفاق الذي لا يزال في مسودته الأولى، الأطراف الموقِّعة (الحكومة اليمنية والانتقالي والمكونات الجنوبية)، على عدم تشكيل أي قوات خارج مؤسسات الدولة.
تحشيدات عسكرية
ومع الحديث عن تقدم في المفاوضات بمدينة جدة، تتحدث المصادر عن تحشيدات عسكرية من الطرفين في جنوب البلاد، بعدما دفعت الإمارات قوات يطلق عليها اسم "العمالقة" (غير حكومية)، من الساحل الغربي إلى عدن.
وذكرت مصادر لـ"الخليج أونلاين" أن القوات التي وصلت إلى عدن مطلع الشهر الجاري جاءت بأوامر من قيادة القوات الإماراتية في عدن من أجل تعزيز قوات المجلس الانتقالي هناك.
وفي المقابل وبعد أيام من وصول قوات للعمالقة إلى عدن، كشفت مصادر محلية لـ"الخليج أونلاين" عن وصول قوات عسكرية حكومية إلى مدينة أبين الجنوبية، المحاذية لعدن، في الـ12 من أكتوبر الجاري.
وقالت المصادر إن هذه التعزيزات الحكومية هي الأولى من نوعها منذ أن سحبت دولة الإمارات ثلاثة من الألوية العسكرية التي أنشأتها بالساحل الغربي.
أصل الخلاف
كانت اليمن في الـ10 من أغسطس 2019، على موعد مع تنفيذ المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، انقلاباً جديداً ضد الحكومة اليمنية، على غرار الانقلاب الذي نفذه الحوثيون بصنعاء في سبتمبر 2014.
وعقب الانقلاب بأيام نفذت مقاتلات إماراتية في جنوب البلاد غارات استهدفت قوات الحكومة اليمنية، وأوقعت المئات بين قتيل وجريح، ما وضع علامة الاستفهام بشأن ما تريده أبوظبي من اليمن، وهي الشريك الأساسي للسعودية في التحالف الذي تشكل منذ خمس سنوات، بهدف تحرير اليمن من سيطرة الحوثيين كما أعلن.
وفي الوقت الذي اتهمت فيه حكومة هادي، التي تعرف بالحكومة الشرعية لليمن، والمُعترف بها دولياً، الإمارات بشن غارات جوية على قواتها في جنوب اليمن، حيث تدور معارك مع الانفصاليين، قالت الإمارات إنها نفذت ضربات جوية في عدن ضد "تنظيمات إرهابية" هاجمت قوات التحالف بقيادة السعودية والمطار.
وتتمثل حساسية الضربات الإماراتية الأخيرة في كونها استهدفت، وفق الحكومة الشرعية لليمن، قوات تابعة لها يفترض أن تتلقى دعم التحالف، الذي تمثل فيه الإمارات ثاني أكبر طرف، وليس ضربات من هذا القبيل.
وكان الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، قد دعا من جانبه السعودية إلى التدخل لإيقاف "تدخل الإمارات ودعمها للانفصاليين وإيقاف الغارات الجوية ضد قوات الحكومة اليمنية"، وقال هادي، في بيان له عقب الهجمات: إن "المجلس الانتقالي هاجم مؤسسات الدولة في عدن بدعم من دولة الإمارات".
التفاوض .. اعتراف بالانقلاب
المحلل السياسي اليمني المعروف نبيل البكيري رأى أن التسريبات لم تقدم جديداً، ولم يؤكدها أي طرف من الأطراف؛ "لا الشرعية ولا الانقلابيون الانفصاليون ولا السعودية التي ترعى هذه المفاوضات".
ويؤكد أنه مهما كانت صدقيتها فإن "هناك إشكالية كبيرة وخطيرة فيما يتعلق بهذه المفاوضات، وخاصة الجلوس مع مجموعة مسلحة متمردة وانفصالية، وهو ما يمنحها نوعاً من الشرعية رغم أن الجلوس ليس مباشراً، وإنما عن طريق طرف سعودي ثالث".
ويؤكد، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن أي اتفاق سينجم عن هذه المفاوضات "ليس في مصلحة الشرعية؛ لأنها ستضطر إلى أن تقدم تنازلات وستمنح هذه العصابة الانقلابية شرعية كانت تبحث عنها منذ زمن طويل ولم تكن تحلم بتحقيقها خلال إعادة تقاسم المصالح والنفوذ".
وكشف عن أحد أهداف الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، من وراء هذه المفاوضات؛ إذ قال: "الهدف الخطير الذي يقوم به الانتقالي هو اختزال القضية الجنوبية، وأنه الممثل الوحيد للجنوبيين، مع أنهم لا يمثلون نسبة كبيرة من الشارع الجنوبي، كما ستمنحهم هذه الفرصة الكبيرة الاعتراف بهم دولياً".
وعن الضغوط السعودية، قال البكيري: "لا شك أن هناك ضغوطاً سعودية كبيرة، وهي بطبيعة الحال تأتي من ضغوط إماراتية أيضاً عليها، والكارثة الكبيرة أن هذه المباحثات هي رغبة إماراتية كبيرة لإقناع الطرفين بالجلوس للحوار".
وأكد أن المفاوضات ستكون لها تداعيات على الشرعية والمملكة، لافتاً إلى ما حدث في صنعاء في سبتمبر 2014، عندما انقلب الحوثيون على الحكومة الشرعية، موضحاً: "إذا تم الاتفاق فهو أشبه باتفاقية السلم والشراكة التي فرضتها جماعة الحوثيين".
وأضاف: "أي ذهاب إلى اتفاقية اليوم سيكرر نفس سيناريو صنعاء، من زاوية أن الانقلابيين أصبحوا طرفاً معترفاً بهم ولا يمكن تجاهلهم والذهاب إلى الزاوية التي بنت عليه جماعة الحوثي من أجل التخلص من الحكومة"، مشيراً إلى أن ذلك سيكون "هزيمة للسعودية؛ لأنه سيؤدي إلى التخلص من الشرعية، والذي سيؤدي إلى غرق السعودية في اليمن".
جس نبض الشارع الجنوبي
من جانبه يرى المحلل السياسي اليمني أحمد ماهر، أن مسودة الاتفاق المزعومة "لم يعلن عنها إلى الآن بشكل رسمي"، مشيراً إلى أنها عبارة عن تسريبات من جهات رسمية بالحكومة اليمنية والانتقالي الجنوبي، بهدف "معرفة رأي أبناء المحافظات الجنوبية من هذا الاتفاق".
وأوضح، في حديثه مع "الخليج أونلاين"، أن النتائج المترتبة على الاتفاق تستند بشكل أساسي إلى مصداقية السعودية بتطبيق بنود الاتفاق، خصوصاً "أن الانتقالي مجموعة مسلحة قد تنقلب على الشرعية بأي وقت ولا أحد يستطيع أن يضمن ذلك إلا السعوديين القائمين على الاتفاق".
ويرفض ماهر، في تصريحه، فكرة وجود ضغوط سعودية على الشرعية للتنازل، قائلاً: "لو كانت تمتلك القدرة على ذلك فلن تجد رئيس الجمهورية ينتقد دور الإمارات بالمحافظات الجنوبية وكذلك رئيس الوزراء والنواب ووزير الخارجية".
لكنه أكد في سياق حديثه وجود "تنازلات قدمتها الحكومة للإمارات والانتقالي، حتى تضمن عودة الحكومة الشرعية ومجلس النواب إلى عدن لممارسة أعماله الرسمية وإدارة شؤون الدولة".
وعن إمكانية أن يتضمن الاتفاق تقليص دور الرئيس اليمني، ومغادرته للمشهد السياسي، قال المحلل السياسي أحمد ماهر إنه من الصعب أن يحدث ذلك، مضيفاً: "هادي هو المسؤول عن الدولة حالياً، والتحالف جاء بناءً على طلب رسمي منه، وفي حالة غادر المشهد السياسي فسوف تغرق الدولة، أجهزتها والمرافق الحكومية، في فوضى عارمة؛ لأنه شوكة ميزان بين الشمال والجنوب".