علاقات » عربي

الهلال الأحمر الإماراتي.. أداة استخباراتية لأبوظبي في اليمن

في 2019/10/22

الخليج أونلاين-

بعد أكثر من 4 أعوام ونصف من انطلاق عمليات التحالف السعودي الإماراتي في اليمن، بدت الإمارات في ثوب "المستعمر"، فما زرعته دول التحالف استأثر بحصاده طرف واحد فقط هو "أبوظبي".

لكن سنوات الحرب كشفت الغطاء الذي انطلقت تحته الإمارات في عدة محافظات يمنية، من أجل السيطرة عليها وبسط نفوذها، وكان "الهلال الأحمر الإماراتي" الأداة التي استخدمتها في تحقيق أهدافها في ذلك البلد الفقير، الذي طحنته سنوات الحرب وما سبقها من التوترات السياسية.

ومع الحديث عن بدء اقتراب صفقة سياسية تنهي وجود الإمارات باليمن، وتُبقي أذرعها المحلية المليشياوية، فاجأت أبوظبي الجميع بإعلان إنهاء وجود "الهلال الأحمر" التابع لها، ما يؤكد حقيقة أن دوره كان مقتصراً على دور استخباراتي عسكري، أكثر من تقديم خدمات ومساعدات للمدنيين.

إعلان الانسحاب

في 20 أكتوبر 2019، قالت مصادر لـ"الخليج أونلاين"، إن الهلال الأحمر الإماراتي علق عمل مكاتبه في البلاد وأبلغ موظفيه بانتهاء أعماله هناك.

وأوضحت أن مدير العمليات الإنسانية لدولة الإمارات باليمن، سعيد علي خميس الكعبي، أبلغ موظفي الهلال الأحمر الإماراتي بالعاصمة المؤقتة عدن، بانتهاء عمل الهلال، وذلك خلال حفل توديعي أُقيم بمعسكر التحالف في منطقة البريقة، غربي عدن.

وذكرت مصادر محلية أن إغلاق مكاتب الهلال الأحمر الإماراتي في المناطق الجنوبية (عدن، ولحج، وأبين، والضالع، وتعز) يأتي بالتزامن مع قدوم قوات سعودية للمنطقة.

وكانت قوات سعودية بدأت، منذ منتصف أكتوبر، بالانتشار في عدد من المواقع الاستراتيجية بعدن، في إطار جهود لإنهاء النزاع القائم على السلطة بين الحكومة الشرعية وقوات المجلس الانتقالي المدعوم "إماراتياً".

ووفقاً لمصادر عسكرية تحدثت لـ"الخليج أونلاين" فإنه من المتوقع أن يشهد مقر التحالف العربي بمدينة البريقة غربي عدن، مطلع نوفمبر المقبل، عملية استلام وتسليم بين القوات السعودية والإماراتية، والتي كانت تشرف على الملف الأمني والعسكري في المدينة الساحلية.

 وتقترب الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي من إبرام اتفاق سينهي المواجهة في عدن، وسيشهد تولي القوات السعودية المسؤولية مؤقتاً عن المدينة.

سحب معدات

لم يكتفِ الهلال الأحمر بإعلان الانسحاب من اليمن، بل وصل به الحال إلى العمل على سحب معدات سلمها للحكومة اليمنية في وقت سابق.

وأظهرت وثيقة نشرتها مواقع إلكترونية يمنية، وناشطون، رسالة وجهها سعيد البدواوي ممثل الهلال الأحمر الإماراتي في عدن، يطالب محطة "الحسوة" الكهربائية بعدن، بإعادة القطع المتعلقة بالمحطة التوربينية التابعة للإمارات.

ونقل موقع "عدن الغد" عن مصدر في محطة الحسوة تأكيده تسلمهم لتلك الرسالة، وقال: "إن أجزاء من التوربين وصلت في وقت سابق إلى محطة الحسوة بعدن، فيما لاتزال أجزاء من التوربين في ميناء الزيت"، متوقعاً أن تقوم المحطة بـ"بدء إعادة الأجزاء الموجودة داخل محطة الحسوة إلى ميناء الزيت تمهيداً لإعادة شحنها إلى الإمارات".

كما أخلت إدارة الهلال الأحمر مخازنها العامة في منطقة كابوتا بعدن خلال اليومين الماضيين، وقالت مصادر لـ"الخليج أونلاين" إن قيادة الهلال وجهت بتوزيع جميع محتويات هذه المخازن تمهيداً لتسليمها إلى مالكيها.

ذراع استخباراتية

ويرى الناشط السياسي عبد العزيز النقيب أن الهلال الأحمر الإماراتي هو عبارة عن "ذراع استخباراتية، مثله مثل معظم جمعيات الهلال والصليب حول العالم".

وأضاف، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن الإمارات حالياً تقوم بـ"لعبة إعلامية قذرة، وجمهورنا اليمني يتقبلها وهي التي تحقق الأهداف، من خلال إعلان خروجها من اليمن، مقابل أنها تعيد تموضعها".

وتابع: "لم تجد ما يؤكد خبرها ويزيد من انتشاره إلا من خلال جناحها الاستخباراتي؛ وهو الهلال الأحمر، الذي بدوره قام بسحب مولدات الكهرباء من عدن، والتي ليس لها ثمن حسابياً ولا تقدم الكثير في عدن، لكن سحبها وتسريب الرسالة أثار عاصفة من الاستنكار والسخرية والتنديد، وهذا ما ترغب به أبوظبي".

ويؤكد أن المنظمة الإماراتية "ستعود حتماً ولن يعدموا وسيلة لعودتها"، مضيفاً: "الهدف الأساس من خروج الهلال والحركة الغبية بطلب مولدات الكهرباء، للترويج لانسحاب الإمارات دولياً؛ لأنه يحسن صورتها عالمياً ويعطيها مساحة مناورة جديدة محلياً، ويعطي الإيرانيين شعوراً بصدق توجه الإمارات معهم".

جزء من قوات الإمارات

أما المحلل السياسي عبد الله السامعي، فيقول لـ"الخليج أونلاين" إن الكثير من الممارسات الإماراتية في اليمن "تبدو طفولية، وتكشف نواياها السيئة حيث وضعت اليمنيين أمام خيارين؛ إما القبول بها كدولة احتلال وهي أصغر من أن تكون كذلك، أو طردها من اليمن وهذا ما يحدث الآن".

ويشير في سياق حديثه إلى أن الإمارات "كشفت أن الهلال الأحمر التابع لها ليس ككل الهيئات والمنظمات الإنسانية في العالم يقوم بأعمال إنسانية فقط، وإنما تعتبره جزءاً من قواتها العسكرية في اليمن".

وأضاف: "عندما بدأت الإمارات سحب قواتها من اليمن، بدأت في نفس الوقت بسحب معدات الهلال الأحمر الإماراتي التي قُدمت كمساعدات إنسانية لليمن، وهو أمر مخالف لقوانين العمل الإنساني".

ورأى أن انسحاب الهلال الإماراتي في هذا الوقت "يستدعي مساءلة الإمارات وتجميد نشاط الهلال الأحمر الإماراتي الذي اتضح أنه يقوم باستغلال العمل الإنساني لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية".

وأكد أن هذه "الممارسات التي تقوم بها الإمارات الآن لم نرَها من الهلال الأحمر الكويتي مثلاً وأيضاً من الهلال الأحمر القطري الذي واصل عمله في اليمن رغم انسحاب قطر من التحالف العربي وسحب قواتها من اليمن، لأن العمل الإنساني ليس له علاقة بالجوانب السياسية والعسكرية".

تحركات مشبوهة في تعز

وخلال الأعوام الماضية استغلت الإمارات الأنشطة الإغاثية للهلال الأحمر الإماراتي في كسب الولاءات والتغطية على أجندتها التي تتعارض مع سيادة اليمن، لكنها كثفت من تلك التحركات في الثلث الأخير من العام الماضي.

وكانت تعز أحد الأهداف التي يطمح الهلال الأحمر الإماراتي إلى التعمق فيها، من خلال تحركاته المشبوهة أواخر 2018.

وركز الهلال الإماراتي عمله الإنساني في الجزء الجنوبي من تعز، التي تشهد حتى اليوم توترات بين قوات الجيش الوطني ومجاميع مسلحة تصفها السلطات المحلية بأنها "خارجة عن القانون"، ومتورطة في كمائن وحوادث اغتيال لقادة بارزين في القوات الحكومية، بعضها تمولها الإمارات.

وقام مندوبو الهلال، خلال أواخر العام الماضي، تحت لافتة العمل الإغاثي والإنساني بتمويل أنشطة رياضية في مديرية المسراخ (جنوباً)، تحت عنوان "يوم الشهيد الإماراتي"، وتمويل فعالية سياسية في ذكرى الاستقلال، بما يتنافى مع أهداف العمل الإنساني.

تشويه حزب الإصلاح

وفي سبتمبر 2018 أيضاً، أظهر مقطع فيديو نشره نشطاء يمنيون على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" استمرار دولة الإمارات في تسييس العمل الإنساني في اليمن، ومحاولة فرض أفكارها وأجندتها بمختلف الوسائل، حتى على الأطفال.

وفي الفيديو يبرز صوت أحد موظفي الهلال الأحمر الإماراتي وهو يستغل أطفال سقطرى ليقولوا إنهم يحبون الإمارات ويكرهون الإصلاح (حزب يمني ذو مرجعية إسلامية).

ورغم أن العدو المعلن للإمارات والتحالف في اليمن هو الحوثي، فإن أنشطتها تستهدف حزب الإصلاح؛ لمرجعيته الفكرية المرتبطة بالإخوان المسلمين، ولمشاركته الفاعلة في ثورة فبراير 2011 التي أطاحت بالرئيس المخلوع علي صالح من كرسي الرئاسة.

وهكذا استخدمت الإمارات اللافتات الإنسانية والعمل الخيري والإغاثي في بحثها عن موطئ قدم راسخ في اليمن، ووظفت الضباط والمخبرين في طواقم المنظمات والجمعيات الخيرية حتى تسهل حركتهم وتبعدهم عن الأنظار.