فاطمة أبو الأسرار - معهد دول الخليج العربي في واشنطن-
توصلت الحكومة اليمنية برئاسة الرئيس "عبدربه منصور هادي" والمجلس الانتقالي الجنوبي المؤيد للانفصال إلى اتفاق ينهي النزاع بين الطرفين في الجنوب. وتعتبر الصفقة، التي تم التوصل إليها بوساطة سعودية ويشار إليها باسم "اتفاقية الرياض"، إنجازا كبيرا؛ حيث ستمنع -مؤقتا- تقسيم البلاد، وتحول دون اندلاع حرب أهلية جديدة. ومع ذلك، فإن التأخير في توقيع الاتفاقية رسميا، والاشتباكات التي تأتي الأخبار عنها في "أبين" بين الحكومة والقوات المتحالفة معها وبين ميليشيات المجلس الانتقالي تسبب حالة من عدم اليقين بشأن مصير الصفقة.
وبدأت المفاوضات، التي توسطت فيها السعودية، في أغسطس/آب، بمدينة جدة، غربي المملكة، في أعقاب مواجهات بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي في الجنوب. واندلعت الاشتباكات بعد غارة جوية لطائرة حوثية على قيادة المجلس، إضافة إلى هجوم من تنظيم "القاعدة في شبه الجزيرة العربية" على قوات الأمن الجنوبية المدربة على يد الإماراتيين؛ ما أودى بحياة أكثر من 40 ضابطا. وخوفا من تآمر عناصر من الحكومة ضد القيادة الجنوبية، قامت القوات المتحالفة مع المجلس الانتقالي الجنوبي بطرد القوات الحكومية من مدينة عدن، ووسعت نطاق العمليات لتشمل المناطق التي تسيطر عليها الحكومة في محافظتي شبوة وأبين (جنوب). وتوقفت الأعمال العدائية فقط عندما دعا السعوديون إلى ضبط النفس ووعدوا بالتوسط في النزاع.
وتسمح الصفقة للحكومة اليمنية باستئناف وظائفها في العاصمة المؤقتة عدن دون مواجهة تحديات لشرعيتها، كما أنها تمنح المجلس الانتقالي الإقرار بكونه كيانا يمثل المصالح الجنوبية، بعد أن تم تشويهه بشدة من قبل الدولة ومؤيديها. لكن الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أن الصفقة تسير في طريق إضافي من خلال ضمان الالتزام بتحسين التعاون على الجبهات العسكرية والاقتصادية والأمنية بين الموقعين، مع إشراف التحالف الذي تقوده السعودية على تنفيذ بنود الصفقة. وتشمل الصفقة أيضا إدراج ممثلين عن المجلس الانتقالي في الوفود الحكومية الرسمية التي تهدف إلى حل النزاع مع الحوثيين، وهو أمر كان بالغ الأهمية بالنسبة للمجلس الانتقالي؛ حيث لعبت غالبية القوات التابعة له، مثل "كتائب العمالقة"، دورا فعالا في النزاع.
رؤى متباينة
ورغم أن حكومة "هادي" تعتقد أن الصفقة ستعزز سلطتها على الجنوب، يعتقد أنصار المجلس الانتقالي أن الصفقة تقربهم من هدفهم النهائي للاستقلال. وفي الوقت الحالي، أوضح السعوديون وحكومة "هادي" أنه ينبغي على المجلس الانتقالي التخلي عن أجندته الانفصالية. لكن ما إذا كانت الصفقة ستفيد الحكومة أو المجلس الانتقالي لا يعتمد فقط على شروط الاتفاق، ولكن أيضا على العوامل الخارجية والمفسدين المحتملين الذين قد يسعون إلى تقويض الصفقة وإدامة موجة العنف.
وكان رد الفعل العام لليمنيين على "اتفاق الرياض" هو الارتباك والشك، وحتى خيبة الأمل. ويرجع ذلك على الأرجح إلى أن كلا الطرفين وعد أتباعه بنصرٍ لا شك فيه خلال النزاع العنيف الذي استمر لفترة قصيرة في أغسطس/آب في الجنوب. ولإثبات قوة موقفها، رفض وفد الحكومة مقابلة مندوبي المجلس الانتقالي في بداية المفاوضات، وهي خطوة رحب بها العديد من مؤيدي الحكومة الذين لا يريدون رؤية اتفاق يتم التوصل إليه مع ما يعتبرونه كيانا غير شرعي ووكيلا للإمارات.
لكن الفشل في التوصل إلى اتفاق يعني أن تواصل الأطراف المتحاربة توجيه أسلحتها ضد بعضها البعض بدلا من قتال الحوثيين. وكان السعوديون، الذين يدعمون حكومة "هادي"، قلقين من أن تكون المعارك الجديدة في الجنوب بمثابة تحول مهم قد يلعب لصالح الحوثيين. علاوة على ذلك، فإن أي إراقة دماء أخرى في اليمن من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني وإدامة عدم الاستقرار.
ويضمن الجزء الأكثر أهمية من الصفقة الترتيبات الأمنية، مثل نزع سلاح المجلس الانتقالي، وانسحاب الميليشيات من عدن. بالإضافة إلى ذلك، تدعو الاتفاقية إلى تشكيل مجلس وزراء جديد مع تمثيل متساوي بين الشمال والجنوب، وهو ما ينبغي أن يغير ديناميات التفاعل بين الحكومة والمجلس الانتقالي. ويبدو أن تحقيق أهداف طموحة أخرى، مثل الإدارة الاقتصادية للموارد المستخرجة من باطن الأرض، والإدارة الأفضل للمحافظ الحكومية، لا يزال أمرا صعب المنال، بالنظر إلى نقاط الخلاف الكبرى بين الطرفين. ومع ذلك، فقد حددت الصفقة الشكل المتوقع لحكم الجنوب، وضمنت للجنوبيين أن الحكومة اليمنية ستتخذ الخطوات اللازمة لتحسين وضعهم الأمني والاقتصادي.
ومع إشراف السعودية ودورها كوسيط ومشرف على نزع السلاح وإعادة الانتشار، فهناك احتمال لأن يهدأ العنف بين حكومة "هادي" والمجلس الانتقالي. علاوة على ذلك، يُعتبر النص على تعيين وحدة عسكرية لحماية حكومة "هادي" وقيادة المجلس عنصرا هاما في الاتفاقية، بالنظر إلى البيئة الأمنية المحفوفة بالمخاطر، التي تشمل محاولات الاغتيال. وفي 29 أكتوبر/تشرين الأول، استهدف الحوثيون وزير الدفاع اليمني في "مأرب".
خارج السيطرة
ورغم جميع الضمانات المضمنة في وثيقة الرياض، فإن التهديدات الأمنية خارج سيطرة الأطراف قد تعرض الصفقة للخطر. أولا، أظهر الحوثيون قدرة غريبة على دفع الطرفين لمواجهة بعضهما البعض عن بُعد من خلال زرع فكرة أن لديهم مخبرين داخل الحكومة قادرين على مساعدتهم في ضرب أهداف عسكرية، كما فعلوا في هجمات متكررة على المسيرات العسكرية في الجنوب.
علاوة على ذلك، غالبا ما باع مقاتلو "القاعدة في شبه الجزيرة العربية"، وغيرهم من المتطرفين، خدماتهم لمن يمنحهم المكافأة المناسبة، مما يدل على أنهم على استعداد لتوظيفهم من قبل الجهات السياسية الفاعلة داخل اليمن لزعزعة استقرار الجنوب. وكان تبادل الأسرى الأخير بين الحوثيين و"القاعدة" جعل الجميع في حالة تأهب قصوى؛ خشية أن يكون هذا الإفراج يهدف إلى تنشيط "القاعدة" لشن هجمات ضد القوات الجنوبية.
وإضافة إلى قائمة التحديات، يوجد مفسدون محتملون، بمن في ذلك بعض المسؤولين الحكوميين الساخطين، الذين لديهم رفض قوي لأي دور للمجلس الانتقالي، والذين تأثروا بالصراع في عدن. وتحدث وزير الداخلية "أحمد الميسري" بشدة رافضا اتفاق الرياض، وهدد بمواصلة الحرب ضد المجلس الانتقالي. إضافة إلى ذلك، قد لا يقبل حزب "الاصلاح"، المرتبط بجماعة الإخوان المسلمين، الاتفاق مع المجلس الانتقالي. وبينما عبرت قيادة "الاصلاح" في البداية عن دعمها للصفقة، تجنب "اتفاق الرياض" معالجة المواجهة بين المجلس والإصلاح، على الرغم من تاريخ العنف وعدم الثقة بين الطرفين. ولا يزال "الإصلاح" أحد أكثر الأحزاب نفوذا في اليمن. ويرتبط نائب الرئيس "هادي"، "علي محسن الأحمر"، بالإصلاح، ويمتلك كتلة حرجة مؤيدة له في البرلمان، مع قناعات عميقة تقف ضد تقسيم الدولة اليمنية.
وصمم السعوديون هذه الاتفاقية لضمان تضافر الجهود ضد الحوثيين. ومع ذلك، يبقى أن نرى ما إذا كان الموقعون أنفسهم يفهمون أن نجاح الصفقة لن يُقاس بالمكاسب السياسية قصيرة الأجل لكل منهم، ولكن بقدرتها على توفير الأمن والاستقرار الذي سيفتح المزيد من الإمكانيات للجنوب واليمن بأسره.