الخليج الجديد-
أجواء احتفالية صاحبت حفل توقيع الاتفاق الذي رعته الرياض بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، فيما لا تزال تدور شكوك حول قدرة الاتفاق على إنهاء الصراع على السلطة في جنوبي اليمن، بالنظر إلى الرابحين والخاسرين من الاتفاق.
ويشمل "اتفاق الرياض" بنوداً رئيسية، إضافة إلى ملاحق ثلاثة؛ واحد للترتيبات السياسية والاقتصادية، واثنان آخران للترتيبات العسكرية والترتيبات الأمنية بين الطرفين اللذين خاضت قواتهما خلال الفترة الماضية نزاعاً عسكرياً وتبادلتا السيطرة على مدن جنوبية أهمها عدن.
ونصّ الاتفاق على تفعيل دور كل مؤسسات الدولة اليمنية، إلى جانب إعادة تنظيم القوات العسكرية تحت قيادة وزارة الدفاع، وتوحيد الجهود "تحت قيادة تحالف دعم الشرعية" لاستعادة الاستقرار في البلاد.
وأشار الاتفاق إلى ضرورة مشاركة المجلس الانتقالي الجنوبي في مفاوضات إنهاء "انقلاب الميليشيات الحوثية الإرهابية المدعومة من النظام الإيراني".
كما تحدث عن تشكيل حكومة كفاءات سياسية من 24 وزيرا كحد أقصى، يعيّن الرئيس "عبدربه منصور هادي" أعضاءها بالتشاور مع رئيس الوزراء والمكونات السياسية، على أن تكون الحقائب الوزارية مناصفة بين المحافظات الجنوبية والشمالية، خلال مدة لا تتجاوز 30 يوماً من توقيع الاتفاق.
وينص الاتفاق على أن يقوم "هادي" بتعيين محافظ لعدن خلال 15 يوما من تاريخ توقيع الاتفاق، إلى جانب تعيينه محافظين ومديري أمن في المحافظات الجنوبية.
الملحق العسكري والأمني
وتضمن الملحق العسكري من الاتفاق عودة جميع القوات العسكرية التي تحركت من مواقعها ومعسكراتها الأساسية باتجاه محافظات عدن وأبين وشبوة منذ بداية أغسطس/آب 2019 إلى مواقعها السابقة بكامل أفرادها وأسلحتها، وتحل محلها قوات الأمن التابعة للسلطة المحلية في كل محافظة خلال 15 يوما من تاريخ توقيع هذا الاتفاق.
ونص على أن يتم تجميع ونقل الأسلحة المتوسطة والثقيلة بأنواعها المختلفة من جميع القوات العسكرية والأمنية في عدن خلال 15 يوما من تاريخ توقيع هذا الاتفاق إلى معسكرات داخل عدن تحددها وتشرف عليها قيادة تحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية.
واشتمل أيضا على نقل جميع القوات العسكرية التابعة للحكومة اليمنية والتشكيلات العسكرية التابعة للمجلس الانتقالي في محافظة عدن إلى معسكرات خارج محافظة عدن تحددها قيادة تحالف دعم الشرعية في اليمن وذلك خلال 30 يوما من تاريخ توقيع هذا الاتفاق.
ونص الاتفاق على توحيد القوات العسكرية والتشكيلات المسلحة، وترقيمها وضمها لوزارة الدفاع وإصدار القرارات اللازمة بذلك، وتوزيعها وفق الخطط المعتمدة تحت إشراف مباشر من قيادة تحالف دعم الشرعية في اليمن، خلال 60 يوما من تاريخ توقيع هذا الاتفاق.
أما في الجانب الأمني فقد تضمن ملحق الترتيبات الأمنية توحيد وإعادة توزيع القوات الأمنية الحكومية والتشكيلات الأمنية التابعة للمجلس الانتقالي في محافظة عدن وبقية المحافظات الجنوبية المجاورة لها وترقيمها وضمها لوزارة الداخلية وإصدار القرارات اللازمة بذلك، خلال 60 يوما من تاريخ توقيع الاتفاق.
واشتمل كذلك على إعادة تنظيم كافة القوات الأمنية بما في ذلك قوات الأمن الخاصة ومكافحة الإرهاب وقوات حماية المنشآت في محافظة عدن واختيار العناصر الجديدة فيها من قوات الحكومة الشرعية والتشكيلات التابعة للمجلس الانتقالي، والعمل على تدريبها وتعيين قائد لها، و"ترقّم كقوات أمنية تابعة لوزارة الداخلية مع مراعاة السرية فيما يتعلق بعناصر مكافحة الإرهاب، على أن تتولى عمليات مكافحة الإرهاب والمشاركة في تأمين عدن، خلال 30 يوما من تاريخ توقيع هذا الاتفاق".
وأكد على ضرورة أن يباشر رئيس وزراء الحكومة الحالية "معين سعيد" عمله في العاصمة المؤقتة عدن خلال مدة لا تتجاوز 7 أيام من تاريخ توقيع هذا الاتفاق لـ"تفعيل كافة مؤسسات الدولة في مختلف المحافظات المحررة من الانقلابيين الحوثيين لخدمة المواطن اليمني".
شكوك حول الاتفاق
وعلى الرغم من أن إعلان الطرفين أن اتفاق الرياض يُعَدّ انتصاراً وخطوة على طريق حلحلة الأزمة اليمنية متعددة الجوانب والأبعاد، يبدو أن الاتفاق صبّ بالأساس في مصلحة "الانفصاليين المدعومين من الإمارات"، بما لا يساعد على إيجاد حلّ نهائي للأزمة التي يعيشها اليمن منذ سنوات.
فقد منح الاتفاق المجلس الانتقالي الجنوبي شرعية دولية لم يكُن يتمنّاها وسلطة واقعية قد تؤسّس لأزمات أعمق في المستقبل القريب.
فالمجلس الانتقالي لم يكن له قبل مايو/أيار 2017 أي وجود، ولم يكن ينافس حينها السلطة الشرعية على نفوذها في عدن سوى الإمارات التي حرصت، في ظل تغاضي الرياض، على إضعاف السلطة الشرعية ومنع استعادة العاصمة المؤقتة عافيتها.
ويظهر أن الإمارات فضّلت ألا تنافس بنفسها، ومن ثمّ "دفعت بالمجلس الانتقالي لإنجاز هذه المهمة بالتوازي مع عمليات متواصلة للقتل السياسي والاعتقالات والتعذيب والتغييب".
ويعد اتفاق تقاسم السلطة في حقيقته، اعترافا ضمنيا بنوع من "الشرعية" للمجلس الانتقالي الذي لا تزال الأمم المتحدة المشرفة على عملية السلام بين الحكومة الشرعية وجماعة الحوثي ترفض مشاركة ممثليه في جميع الاتفاقيات بين الطرفين.
ويمكن أن يؤدي اقتسام السلطة وفق "اتفاق الرياض" إلى تعزيز قدرات المجلس الانتقالي الجنوبي من خلال الصلاحيات الإضافية داخل الحكومة والتي قد تفضي إلى منح المجلس سلطة "حكم ذاتي" في جنوبي اليمن يمكن له على المدى البعيد أن يؤدي مستقبلا إلى إقامة دولة مستقلة عن الشمال، وهو الهدف الذي يسعى إليه المجلس الانتقالي وتدعمه الإمارات.
ولا توجد قيود واقعية تضمن أن يحد الاتفاق من قدرات قوات المجلس الانتقالي الجنوبي على إمكانية فرض الأمر الواقع باستخدام القوة في مراحل لاحقة، ويعتمد ذلك على استمرار قدرة السعودية على ديمومة التوافق السياسي بين الطرفين، المجلس الانتقالي والحكومة الشرعية.
المحرر الدبلوماسي في صحيفة الجارديان البريطانية "باتريك وينتور"، قال إن الاتفاق سيوفّر "تعزيزاً كبيراً لموقف المجلس الانتقالي الجنوبي الذي كان مستبعداً من محادثات السلام التي ترعاها الأمم المتحدة"، لافتاً إلى أن قيادات المجلس بدت "راضية على الاتفاق على نحو أكبر من رضا الطرف المقابل".
وقد يكون "التنازل" الوحيد الذي قدمه المجلس الانتقالي الجنوبي، هو القبول بتضمين اتفاق الرياض التأكيد على "وحدة" الأراضي اليمنية في دولة واحدة، لكن يمكن أن يكون هذا الموقف مجرد "سياسة مرحلية" لا تتعارض مع الهدف الرئيسي للمجلس في إقامة دولة في الجنوب "مستقلة" عن الشمال.
خلاف جنوبي
ومع أن المجلس الانتقالي الجنوبي تصدر واجهة مشهد المفاوضات مع الحكومة الشرعية بصفته السياسية لا المناطقية، فإنه ليس الطرف الوحيد من القوى الجنوبية ضمن اتفاق الرياض التي في "معظمها" على خلاف مع المجلس، ومنها الحراك الجنوبي السلمي، ومؤتمر حضرموت الجامع، والائتلاف الوطني الجنوبي، وقوى أخرى لها ثقل في المجتمع اليمني المحكوم بالتركيبة القبلية.
فقد أعلنت مكونات وفصائل في الحراك الجنوبي رفضها ما سمته "تذويب الجنوب في فصيل سياسي بعينه، تجري شرعنته دون توافق المكونات الأخرى أو إجماعها".
وقالت المكونات، في بيان، إنها تتمسك برفضها انفراد المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي دربته وسلحته الإمارات، بالتوقيع على اتفاق الرياض مع الحكومة الشرعية، واعتباره ممثلا وحيدا لقضية الجنوب.
وشددت المكونات عقب اجتماعها في الرياض على ضرورة التوصل إلى توافق جنوبي جمعي يؤسس لسلم اجتماعي مستدام، فضلا عن إطلاق عجلة التنمية في جنوب اليمن.
السعودية والإمارات
من المتوقع أن يعطي اتفاق الرياض للدور السعودي في اليمن شكلا من أشكال التحكم بالقرار الحكومي باعتبارها الدولة التي هندست الاتفاق، في حالة شبيهة من النفوذ السعودي الفاعل في لبنان في الفترة بين توقيع "اتفاق الطائف" لإنهاء الحرب الأهلية اللبنانية عام 1989 واغتيال رئيس الوزراء الأسبق "رفيق الحريري" في عام 2005.
في المقابل، تمكنت الإمارات عبر حليفها "المجلس الانتقالي" الظفر بمعظم المكاسب، حيث استطاع المجلس وقادته الحصول على غطاء التحالف لتمرير مشروع تقرير مصير الجنوب، وعلى أقل تقدير يكون لديهم الكلمة الفصل بخصوص الجنوب في أي مفاوضات حل نهائي "سياسي" للصراع في اليمن.
ثمة مصالح متباينة وراء مشاركة السعودية والإمارات في الحرب على الحوثيين في اليمن، مع محاولتهما الظهور كقوتين متحالفتين، لكن الأحداث الأخيرة التي شهدها اليمن ومنطقة الخليج شهدت تناقضاً كبيراً يظهر مدى الخلاف بين البلدين.
الخلافات لم تكن وليدة اللحظة؛ بل بدأت خلال العامين الأخيرين، وكان أبرز ما فجرها مؤخراً إعلان أبوظبي انسحاباً جزئياً لقواتها من اليمن، وهو ما أجج الخلافات الداخلية بينهما، بعدما شعرت الرياض بأن الإمارات تنوي ترك المملكة وحيدة في ساحة المعركة، وتواجه الانتقادات الدولية للانتهاكات الكبيرة بحق المدنيين هناك.
ورغم ما بين البلدين من تحالف استراتيجي يوصف بالعميق، فإنه في الآونة الأخيرة بدا أن كلاً منهما يتخذ أسلوباً مغايراً للآخر فيما يتعلق باستخدام نفوذه وسلطاته، وهو ما اتضح مع تركيز الإمارات على دعم قوات مسلحة للسيطرة على جنوب اليمن، وفرض واقع جديد بعيد عن السعودية، التي وجدت نفسها مهاجمة من الجميع.
وبالرغم أن الرياض وأبوظبي تحاول تسويق الاتفاق الأخير على أنه دليل على وحدة الموقف السعودي - الإماراتي في اليمن، لكن اللجوء إلى المفاوضات التي امتدت لأسابيع يشير إلى عمق الخلاف في هذا الملف تحديدا، بين الدولتين الخليجيتين التي تتمتع كل منهما بنفوذ قوي على أحد طرفي الاتفاق.
ويبدو أن الاتفاق بشكله الحالي قد يعطل مؤقتا سحب الدخان المنبعثة من التنافس السعودي - الإماراتي على النفوذ في اليمن، لكن الاتفاق ذاته يمكن الإمارات، عبر حليفها "المجلس الانتقالي الجنوبي"، من تغيير المعادلة لاحقا.