علاقات » عربي

المغترب اليمني في السعودية.. ترحيل وسجن ومعاناة بلا توقف

في 2019/11/18

الخليج أونلاين-

ثمة معاناة جديدة يعيشها اليمنيون تقف السعودية وراءها، لكنها تمر دون أن يلاحظها أحد، حيث تركز القوى العالمية على إنقاذ عملية السلام جنوباً وشمالاً، في حين تواصل المملكة طرد العمال اليمنيين المغتربين هناك، فضلاً عن وضع قيود وقوانين جديدة.

في الأعوام الأخيرة، كثفت السعودية حملتها لتوطين قوتها العاملة "السعودة"، وقد شمل ذلك منع العمال المغتربين من العمل في عديد من المهن، وزيادة الرسوم والضرائب التي يتعين على المسجلين قانوناً في المملكة دفعها للبقاء، وتنفيذ حملات اعتقال جماعي وترحيل قسري للعمال غير المسجلين؛ وقد أدى ذلك بالفعل إلى إجبار عشرات الآلاف من اليمنيين على ترك العمل والعودة إلى ديارهم.

وبعيداً عن النظر في انتهاء النزاع الحالي من عدمه، فإن من شأن عودة مئات الآلاف من العمال العاطلين عن العمل إلى اليمن وفقدان بلادهم لتحويلاتهم المالية أن يقوض أي أساس يبنى عليه الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في البلاد على مدى سنوات قادمة.

أصوات تتألم

لم يجد اليمنيون لإيصال رسالتهم بعد تجاهل السلطات السعودية مناشداتهم، وعدم مبالاة حكومتهم بها، إلا وسائل التواصل الاجتماعي، فدشنوا في منتصف نوفمبر 2019، وسم #اهات_المغتربين_اليمنيين، الذي شهد تفاعلاً كبيراً، كما تصدَّر التريند في "تويتر" باليمن والخليج العربي.

الوسم جاء إثر اتخاذ السلطات السعودية قرارات مؤخراً تمس وضع الوافدين بالمملكة، خاصةً اليمنيين منهم، تمثلت في زيادة قيمة رسوم الإقامة للعامل وأفراد أسرته، وسياسة الترحيل القسري، دون مراعاة ظروف البلاد.

وتحدَّث الناشطون عن زج السلطات آلافاً في السجون، وإنشاء معسكرات تجنيد للقتال في جبهات الحدود، واضعةً أمام المغتربين خيارين: إما القتال على الحدود، وإما السجن بحجة عدم تسديد الرسوم.

وأشار المغردون إلى قرار إعفاء سلطات آل سعود ثلاث جنسيات غير عربية من رسوم العمالة الوافدة، في وقت يتم فيه إجبار اليمنيين على تسديدها.

وطرح كثيرون أرقاماً عما يدفعه المغترب اليمني مقابل السماح له بالعمل داخل الأراضي السعودية، إضافة إلى ما سيدفعه خلال العام القادم (2020)، مستنكرين هذه الزيادات المستمرة دون توقُّف.

واستنكر السياسي اليمني ياسر اليماني، خلال مشاركته في برنامج "الاتجاه المعاكس" بقناة "الجزيرة"، تجاهل المملكة التي تقود حرباً في اليمن، معاناة المغتربين اليمنيين، وقال: "في حالات الحرب، قانونياً وعالمياً، يُفترض على المملكة أن تعفي المغتربين بها".

وتحدَّث الناشط محمد المياحي عن مساهمة السعودية في إطالة الحرب، من خلال رفد الحوثيين بالمدنيين الناقمين من إجراءات المملكة بعد طردهم من أراضيها، والذين استغلتهم المليشيا المسلحة للقتال معها.

كما نشر أنيس منصور، مستشار الإعلام بسفارة اليمن في السعودية، فيديو لنائب الرئيس اليمني علي محسن صالح، الذي قال إنه ناشد الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده وقف ترحيل اليمنيين واستثناءهم من الرسوم، لكن "دون جدوى".

معاناة لا تتوقف

يقول ناصر الحميدي، وهو مغترب رحَّلته السعودية مطلع 2019، إن المملكة فرضت رسوماً وقوانين أسهمت في تعقيد أوضاعهم، مشيراً إلى أنه "رغم دفع مبالغ طائلة من أجل الحصول على إقامة عمل، صُدم بمنعه من العمل الذي اعتاده، بعد قرار السعودة؛ وهو ما تسبب في توقفه عن العمل وصعوبة صموده لدفع الرسوم المطلوبة".

ويقول في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "للأسف أعيش في السعودية منذ سنوات، أنا وأسرتي، وبعد أن أجبرتنا السعودية على دفع رسوم للعائلة أعدتها إلى اليمن".

وأضاف مستدركاً: "لكن بعد قرار السعودة تدمرت حياتي بالكامل، وتم ترحيلي لعدم مقدرتي على دفع الرسوم، وقد تلقيت معاملة سيئة قبل إعادتي إلى اليمن. للأسف لولا الحرب، لكنا عدنا من تلقاء أنفسنا".

في حين قال المغترب اليمني محمد اليريمي، إنه شعر بالعجز والحيرة منذ أن صدر قرار دفع الرسوم وقرارات السعودة خلال الأعوام الماضية.

وأضاف: "لديَّ سبعة أولاد، وبموجب القرار كان يتوجب دفع مبلغ 300 ريال سعودي (80 دولاراً) عن كل مرافق، و600 ريال (160 دولاراً) عني خلال 2019، بمعنى أنه يجب عليَّ اقتراض المال، من أجل فقط تسديد مستحقات الرسوم، لكني كنت قد أعدت أسرتي العام الماضي؛ بعدما شعرت بالخسارة التي دفعتني إلى إخراج ما كنت قد ادخرته خلال سنوات طويلة من العمل".

أما جلال الجبري، فيقول إنه تم ترحيله بسبب عدم تمكنه من دفع الرسوم، والكفالة السنوية، ويضيف: "بسبب الحرب، كانت أسرتي (أبي وإخوتي) بلا عمل، ولأنّني الوحيد الذي يعمل في السعودية ولديَّ أيضاً زوجة وأطفال في اليمن، فقد تحملت مسؤولية إرسال مبالغ مالية إلى ثلاث أسر، إحداها تتألف من 9 أفراد، بينهم أطفال".

ويضيف: "اليوم، بعد ترحيلي قبل عدة أشهر، اضطررت إلى العمل في بيع القات، الذي لا يوفر كثيراً من المال، لمساعدة عائلتي. لقد دمروا بلادنا وحرمونا من لقمة العيش!".

انتهاك جماعي

المحامي والناشط الحقوقي سالم الحميقاني يرى أن السعودية لم تأخذ بعين الاعتبار تدهور الأوضاع الإنسانية التي خلفتها الحرب المندلعة في اليمن منذ مارس 2015، والتي تعد طرفاً رئيساً فيها.

وأضاف الحميقاني في حديثه لـ"الخليج أونلاين": إن ما يتعرض له اليمنيون بفعل الحرب "يمكنه أن يُلحق بالموجودين في المملكة وصف اللاجئين، وهو ما يجعلهم يندرجون تحت قاعدة اللجوء وعدم الطرد، التي نصت عليها الاتفاقية الخاصة باللاجئين لعام 1951، والتي تعد قاعدة عرفية في القانون الدولي".

وأشار إلى أن هذه الاتفاقية تجعل طرد اليمنيين وترحيلهم، بصورة فردية أو جماعية، "انتهاكاً للقوانين الدولية وبما يعرّض حياتهم للخطر، خصوصاً مع وجود مواطنين قد يتعرضون للقتل أو السجن من أطراف الحرب بالبلاد".

كما عبَّر عن استهجانه تعامل المملكة السيئ والمستمر مع اليمنيين، وقال: "يوجد اتفاق يُعرف بـ(اتفاقية الطائف)، وُقِّع بين الحكومتين السعودية واليمنية، يقضي بأن يعامَل اليمني بالسعودية معاملة السعودي في معظم ما يتعلق بالجوانب الخاصة بالإقامة والعمل، وهو ما يجعل ترحيل اليمنيين، حتى أولئك الذين لا ينطبق عليهم وصف اللاجئ، مخالفاً لهذه الاتفاقية".

 إيقاف منح التأشيرات

ورغم عمليات الترحيل المستمرة، لا يجد اليمنيون من ملجأ للعمل إلا في المملكة والبحث عن الأعمال المتوافرة؛ هرباً من صواريخ الطيران وقذائف المدافع، ومحاولتهم سد جوع عائلاتهم، إلا أن تلك الخطوة تقابَل أيضاً بعراقيل.

في نوفمبر الجاري أيضاً، نقل موقع "المصدر أونلاين" المحلي عن مصادر، قولها إن وزارة الخارجية السعودية أوقفت منح التأشيرات للعمالة اليمنية، بصورة مفاجئة ودون إعلان رسمي.

وقال الموقع إن مكتب الشؤون القنصلية التابع للسفارة السعودية في اليمن، أوقف منذ أكتوبر الماضي، منح تأشيرات العمل للعمالة اليمنية، بشكل مفاجئ ومن دون إنذار سابق.

وكانت السعودية فتحت في مايو 2017، مكتباً للشؤون القنصلية بمدينة جدة، للقيام بمهام السفارة السعودية في صنعاء وقنصليتها بعدن، بالتعاون مع مكاتب وشركات سياحة في عدة مناطق بالجمهورية، لإصدار تأشيرات دخول لليمنيين إلى الأراضي السعودية سواءً كانت تأشيرات عمل أو زيارة أو للحج والعمرة.

وترحّل مكاتب الخدمات وشركات السياحة المعتمدة لدى السفارة، معاملات اليمنيين وجوازاتهم إلى جدة، ويتم تأشيرها في مكتب الشؤون القنصلية، وإعادتها جاهزةً أسبوعياً، إلا أن المكتب رفض منذ قرابة شهر، وبصورة غريبة، تسلُّم أي معاملة أو تأشيرها.

ويواصل الجوع والفقر إنهاك معظم سكان اليمن، البالغ عددهم نحو 28 مليوناً، في وقت يقترب فيه البلد العربي من دخول العام السادس من حرب دموية أوجدت أسوأ أزمة إنسانية في العالم.

وأدى استمرار الحرب بين القوات الحكومية المدعومة من السعودية وحليفتها الإمارات، وجماعة الحوثي إلى تفاقم الوضع الإنساني بشكل غير مسبوق، وسط تحذيرات دولية متكررة من مجاعة محتملة تهدد ملايين اليمنيين.