الخليج أونلاين-
بعد انتهاء الفترة الزمنية المحددة لتنفيذ اتفاق الرياض بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، المقدرة بشهرين كاملين، يبدو أن المشهد الاحتفالي الذي حضره ولي العهد السعودي وولي عهد أبوظبي مع الأطراف اليمنية لم يتعدّ كونه "مناسبة لأخذ صور تذكارية"، وسط فشل ذريع في تنفيذ ذلك الاتفاق.
وكان يُفترض ألا يمر اليوم الخامس من عام 2020 إلا وقد اكتمل تنفيذ اتفاق الرياض بجميع بنوده الموقع عليها، وفي مقدمتها تشكيل حكومة مناصفة بين شمال اليمن وجنوبه، وتعيين محافظين جدد للمدن الجنوبية، وإعادة تشكيل قوات الجيش والأمن، غير أن ذلك لم يتحقق بالكلية.
ولم يعد خافياً التذمر التي أبداه كثيرٌ من المتفائلين بتنفيذه على أمل أن يؤسس لتسوية سياسية شاملة باليمن، ما يؤكد المأزق السعودي الجديد لحل الأزمة في اليمن، مقابل استمرار سيطرة الإمارات على المشهد جنوباً عبر تشكيلاتها المسلحة المختلفة، والتي تمسك بزمام الحكم في معظم المدن الجنوبية.
انتهاء المدة الزمنية
كان اتفاق الرياض، الذي وقع في الـ5 من شهر نوفمبر 2019، قد نص على أن تكون آخر خطوات التنفيذ في 5 يناير 2020، بالشق العسكري والأمني؛ من خلال توحيد القوات العسكرية الواردة في الفقرة "3" من الاتفاق، وترقيمها وضمها لوزارة الدفاع، وإصدار القرارات اللازمة، وتوزيعها وفق الخطط المعتمدة تحت إشراف مباشر من قيادة تحالف دعم الشرعية في اليمن، خلال 60 يوماً من توقيع الاتفاق.
وتزامناً مع ذلك تتم إعادة تنظيم القوات العسكرية في محافظتي أبين ولحج تحت قيادة وزارة الدفاع بالإجراءات ذاتها التي طُبقت بمحافظة عدن، خلال 60 يوماً من توقيع الاتفاق.
كما نص الاتفاق على إعادة تنظيم القوات العسكرية في بقية المحافظات الجنوبية تحت قيادة وزارة الدفاع، بالإجراءات نفسها التي طُبقت في عدن، خلال 90 يوماً من توقيع الاتفاق.
ولم تنفذ خطوات كان يفترض تنفيذها خلال الفترة الماضية؛ منها البنود المتعلقة بعودة القوات العسكرية والأمنية إلى مواقعها وإعادة دمجها، خلال 15 يوماً من التوقيع، وتشكيل حكومة كفاءات سياسية تتوزع حقائبها مناصفة بين محافظات الشمال والجنوب، خلال مدة لا تتجاوز 30 يوماً، وتعيين محافظين جدد ومن ضمنهم محافظ العاصمة المؤقتة للبلاد.
ولم يتحقق من الاتفاق سوى بند واحد؛ تمثل بعودة الحكومة اليمنية التي يرأسها معين عبد الملك إلى عدن، لكن ذلك لم يحدث أيضاً إلا بعد مرور أسبوعين من الاتفاق، على الرغم من أن الموعد كان بعد مرور 5 أيام فقط، كما منع كثير من الوزراء من العودة إلى عدن؛ لعدم رغبة مليشيا "الانتقالي" بوجودهم.
محاولة إنقاذ الاتفاق
ويبدو أن السعودية وجدت نفسها في مأزق حقيقي؛ فعملت من أجل حفظ ماء وجهها، بدفع الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، أواخر شهر ديسمبر الماضي، إلى تشكيل لجنة خاصة تتكون من ثلاثة من مستشاريه بمتابعة تنفيذ الاتفاق.
وقال رئيس اللجنة الرئاسية، رئيس الحكومة السابق أحمد عبيد بن دغر، في صفحته على "فيسبوك": إن "الاتفاق يمثل مدخلاً مهماً وفرصة قد لا تتكرر لتحقيق السلام في عدن والمحافظات التي شهدت صراعاً دموياً، في أغسطس الماضي"، في إشارة إلى المواجهات بين الحكومة والانتقالي المدعوم من الإمارات في 10 أغسطس 2019، التي انتهت بسيطرة الأخير على العاصمة عدن، وتنفيذ انقلاب جديد على غرار انقلاب الحوثيين بصنعاء.
وأضاف: "لا مناص من كسر الجمود الذي أخل بالبرنامج الزمني، الأمر الذي خلق بواعث جديدة لدى المواطنين من احتمال العودة لأعمال العنف التي ألحقت أضراراً جسيمة بمؤسسات الدولة وبأمن المواطن".
وحذر من أن تشهد العاصمة المؤقتة عدن صراعاً جديداً، معتبراً أن الخطوة الأولى للتعاطي مع الاتفاق هي "القبول بالآخر في إطار من العيش المشترك".
وعلى الرغم من وصول قوات سعودية إلى مدينة عدن للإشراف على تنفيذ الملحقين العسكري والأمني، أقر قائد القوات السعودية، العميد مجاهد العتيبي، بأن هناك صعوبات كبيرة في تنفيذ الاتفاق على الأرض، وما لبث أن استدرك بأن ذلك "ليس مستحيلاً"، مشيراً إلى أن بلاده قادرة "وبكل حزم" على تذليل الصعوبات والعمل على تنفيذ جميع البنود.
الانتقالي يعلق عمله
وكان المجلس الانتقالي الجنوبي أعلن تعليق عمل ممثليه في لجان اتفاق الرياض، وقال القيادي الإعلامي أحمد الصالح، إن ذلك يأتي بسبب قيام قوات الأمن الحكومية في محافظة شبوة بـ"ارتكاب أخطاء كبيرة" وصفها بـ"الجرائم"، في إشارة إلى الحملة الأمنية التي أطلقها محافظ شبوة لملاحقة مطلوبين أمنياً تؤويهم معسكرات تابعة لدولة الامارات.
وفي وقت لاحق عبر "الصالح" عن أسفه مما وصفه بالقمع الأمني والتراشق الإعلامي، وحذر من أنه يقود إلى مواجهات عسكرية جديدة، لكنه قال إنها لن تكون كسابقاتها.
وذكّر في تغريدة له على "تويتر" بأن كل المواجهات المسلحة كانت شرارة انطلاقها تصعيداً إعلامياً.
واعتبر الصالح أن التنفيذ العملي لاتفاق الرياض هو المخرج الوحيد لتجنب الصدام المسلح.
لكن رئيس ما يسمى بـ"الجمعية الوطنية"، التابعة الانتقالي، أحمد سعيد بن بريك، أعلن في 5 يناير الجاري، مهلة محددة بانتهاء الشهر الثالث منذ توقيع اتفاق الرياض لتنفيذ الاتفاق، قائلاً: "بإمكاننا أن نجاري بعض التصرفات إلى نهاية الأشهر الثلاثة كحد أقصى لتنفيذ الاتفاق، ومن ثم يمكن أن نحدد موقفاً واضحاً مما يجري على الأرض".
شرعية للانتقالي دولياً.. ودعم سعودي إماراتي
يقول أستاذ العلاقات الدولية اليمني ناصر الحزمي، إن اتفاق الرياض ليست المسألة فيه متعلقة بعرقلته؛ "بل إن هدفه كان بالأساس منح المجلس الانتقالي الممول من أبوظبي صفة شرعية إقليمية، وشرعية في الحقل السياسي اليمني، واعترافاً به في الحقل السياسي والتفاوضي، وكذلك على مستوى تمثيل هوية جنوبية".
ويؤكد في حديثه لـ"الخليج أونلاين" أن الأمر "لم يعد مجرد عرقلة كما يتم الحديث عنه، بل إنه يشبه إلى حد كبير المبادرة الخليجية (2011)، التي جددت شرعية الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وقبل اليمنيون ذلك حتى يتم التخفيف من الكلفة المجتمعية والوطنية، ولذلك قبلت السلطة الشرعية اتفاقية الرياض لهذا الغرض".
ويرى أن اتفاق الرياض الذي أعدته السعودية بما يناسب الإمارات "وعملاءها باليمن يمثل بالنسبة إلى السلطة والحكومة الشرعية عملية اغتيال ذاتية لها؛ لكونه اغتالها وأضعف دور الضعيف أصلاً، وهو ما يوضح دور الحكومة الموجودة حالياً بعدن، التي لا تستطيع التحرك إلا في إطار القصر فقط".
من جانبه رأى الناشط السياسي صدام الجعدبي أن المجلس الانتقالي في عدن "بات يتصرف وفقاً لتوجيهات أبوظبي، وسط صمت سعودي متعمد".
واعتبر أن التداعيات المتوقعة لهذا التصعيد "هي تعزيز أهداف التحالف المتعلقة بسيطرتها على المناطق المحررة دون الالتفات إلى الهدف الأساسي الذي من أجله تم الاستنجاد بالسعودية للتدخل العسكري في اليمن، في مارس 2015، لإنهاء انقلاب الحوثيين في صنعاء".
وأضاف في حديثه لـ"الخليج أونلاين": إن الانتقالي "لن ينفذ الاتفاق الذي رعته السعودية على غرار ما قامت به مليشيا الحوثيين في اتفاق السويد 2018 (اتفاق استكهولم)، وهذا يعني أنه ينفذ مخططات الإمارات التي تريد الاستمرار في سيطرتها على اليمن بما يحقق لها مزيداً من المكاسب".
انقلاب على الرئيس
ومطلع يناير الجاري، اتهم وزير النقل صالح الجبواني، رئيس الحكومة معين عبد الملك، بتنفيذ "انقلاب" على الرئيس اليمني في عدن بتخطيط إماراتي.
وقال الجبواني في تغريدة عبر "تويتر": إن "عبد الملك عاد في 11 نوفمبر الماضي إلى عدن، وباقٍ حتى اليوم، مع رفض المليشيا تنفيذ اتفاق الرياض".
واعتبر أن هذا "انقلاب جديد من قبل رئيس الحكومة وداعميه ضد الرئيس هادي، بتأسيس غطاء لسلطة الانقلاب المليشياوي، وتنفيذ ما خططت له الإمارات نصاً وروحاً".
وتابع: "معين ينفذ انقلاباً على الرئيس هادي في عدن، هذا ما يجري بالضبط".