علاقات » عربي

تدفع نحو التقسيم.. ما مصلحة الإمارات من إقامة إقليم سني في العراق؟

في 2020/01/21

الخليج أونلاين-

في خضم ما يشهده العراق منذ نحو 4 أشهر من مظاهرات شعبية احتجاجية، فضلاً عن تحوله إلى ساحة للصراع بالوكالة بين إيران والولايات المتحدة، بدأ يتصاعد الحديث حول تقسيم البلاد إلى أقاليم؛ على غرار إقليم كردستان شمالي البلاد.

وتقول تقارير صحفية عراقية إن الإمارات تدفع قدماً نحو تقسيم البلاد وتحويلها إلى أقاليم، بل واحتضنت اجتماعاً لقيادات سنية في العراق لبحث إقامة إقليم سني، ما يثير تساؤلات وتكهنات على نطاق واسع حول ماهية دور أبوظبي، المتهمة بالتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، والتحالف مع كيانات وأفراد وجنرالات للوقوف أمام تطلعات الشعوب، وما هدفها من دعم تلك التحركات؟

ويخشى قطاع كبير من العراقيين من هذا التوجه، خاصة إن كان بداية لتقسيم العراق، في ضوء التأييد الكبير الذي أبدته أبوظبي لانفصال إقليم كردستان من خلال تمويلها استفتاءً أجراه الإقليم، في 25 سبتمبر 2017، وتسبب بتوتر إقليمي كبير خاصة مع الجارة تركيا، وعدم اعتراف دولي بنتائجه.

وتأتي تلك التطورات في وقت ينتفض فيه الشعب العراقي بوجه الطبقة السياسية الحاكمة، وتنديداً بتردي الأوضاع الاقتصادية، وللمطالبة بالذهاب لانتخابات نيابية مبكرة.

وبعد سقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين عام 2003، اعتمد العراق على المحاصصة الطائفية في الحكم؛ إذ إن منصب رئيس الوزراء حصراً للشيعة، وهو المنصب الأرفع بحكم كون النظام السياسي برلمانياً، في حين ذهب منصب رئاسة البرلمان للسنة، ونال الكرد منصب رئاسة الجمهورية.

اجتماع أبوظبي

وعاد الحديث خلال الأيام الماضية حول تقسيم العراق إلى أقاليم طائفية؛ إذ تداولت وسائل إعلام عراقية ومنصات مواقع التواصل الاجتماعي أنباء عن اجتماع ضم نواباً وسياسيين ورجال أعمال عراقيين سنة، في العاصمة الإماراتية أبوظبي، لبحث إقامة إقليم سني.

وبحسب تلك الوسائل الإعلامية فإن اجتماع أبوظبي حضره رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، ورئيس حزب "الحل" جمال الكربولي، والنواب محمد الكربولي، وأحمد الجبوري، ومحمد التميمي، وفلاح زيدان، ورعد الدهلكي، وزياد الجنابي، ومحمد إقبال، ورجل الأعمال سعد البزاز.

ووفقاً لما سُرب فإن الاجتماع عقد يومي التاسع والعاشر من الشهر الجاري؛ إلا أن اتحاد القوى، الذي يُعد أكبر كتلة ممثلة للسنة في البرلمان، نفى تلك الأنباء، لكن ذلك لم يخمد البركان الذي تفجّر ومسّ قضية جوهرية في توقيت حساس.

وإضافة إلى "اتحاد القوى"، سارع رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي لنفي تلك الأنباء، معتبراً ما حدث محاولة "للمزايدة على الوطنيين المؤمنين بوحدة العراق وشعبه".

ورغم نفي القيادات السنية التي قيل إنها حضرت اجتماع أبوظبي فإن مسؤولين ونواباً عراقيين سنة أكدوا حدوثه، كما أوضحوا أن تسريب الموضوع في وسائل الإعلام أثار ضجة كبيرة.

وبحسب مصادر خاصة لـ"الخليج أونلاين"، يمكن تفسير تسريب فحوى الاجتماع في هذا التوقيت للتغطية على موقف القيادات السنية من قضية اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي الموالي لطهران بغارة جوية أمريكية، في 3 يناير الجاري، وما تبعها من تحشيد ضد واشنطن.

وفجر اغتيال الرجلين العسكريين غضب الشيعة في بغداد وطهران، وسط مطالب بإنهاء الوجود الأجنبي في البلاد، وهو ما أقرّه البرلمان العراقي في جلسة عقدت خصوصاً وترأسها الحلبوسي، وعرفت حضوراً شيعياً مقابل عزوف سني وكردي.

ما ملامح الإقليم السني؟

وبحسب ما سرّب فإن الإقليم المقترح سيشمل محافظة الأنبار وصلاح الدين في مرحلة أولى، على أن تلتحق بهما نينوى فيما بعد، حيث يتيح الدستور العراقي لمحافظة أو عدة محافظات المطالبة بإقليم إداري ضمن نظام العراق الاتحادي الفيدرالي، على غرار إقليم كردستان في شمالي العراق.

وفي منشور عبر حسابه في "فيسبوك"، قال المحلل السياسي العراقي هشام الهاشمي، إن الفكرة التي يتم الحديث عنها تقوم على تفعيل العراق كدولة فيدرالية بعدة أقاليم على أساس عدد السكان والثروات والتقارب الثقافي، وعلى غرار تجربة إقليم كردستان العراق الناجحة.

وضرب مثالاً بـ"تسمية إقليم غرب العراق ويشمل الأنبار، وإقليم صلاح الدين ويشمل محافظات تستحدث وهي (سامراء والدجيل) و(الحضر والبعاج)، وإقليم نينوى ويشمل أربع محافظات تستحدث وهي الموصل وسنجار وتلعفر وسهل نينوى".

وأكمل موضحاً: "أما إقليم كركوك ويشمل محافظة تستحدث وهي الحويجة والعظيم والشرقاط، ومحافظة ديالى، بإدارة كردية تركمانية عربية ومسيحية. وإقليم البصرة ويشمل ثلاث محافظات تستحدث. وإقليم ميسان وذي قار وواسط. وإقليم الفرات بابل والديوانية والسماوة. وإقليم النجف وكربلاء. وتبقى بغداد هي العاصمة للحكومة الاتحادية الفيدرالية".

الحلبوسي "رجل الإمارات"

وأثار الصعود السريع والمفاجئ للحلبوسي في المشهد السياسي في وقت قصير كثيراً من الشبهات حول الرجل المولود في الأنبار عام 1981، الذي بدأ حياته بشركة خاصة في مجال المقاولات، قبل أن يتسع نشاطه التجاري بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، ليسميه البعض "مقاول الأمريكان"، وسط اتهامات له بالفساد المالي.

وانتخب الحلبوسي نائباً في البرلمان لدورة (2014-2018)، وشغل عضويات اللجان المنضوية تحت قبة البرلمان، قبل أن ينتخب، في 15 سبتمبر 2018، رئيساً لمجلس النواب كأصغر رئيس في تاريخ البلاد الحديث، ويصبح بذلك في أرفع منصب يشغله السنة وفق نظام المحاصصة بالعراق.

ويدور حديث حول علاقة مريبة بين الحلبوسي والإمارات، بحسب ما أوردت صحيفة "الاستقلال" الإلكترونية، كما يتردد عن زيارات سرية يقوم بها المسؤول العراقي إلى أبوظبي، ولقاء شخصيات مهمة، حتى قبل وصوله إلى رئاسة البرلمان.

كما أشارت الصحيفة الإلكترونية إلى أن حديثاً يدور في الأروقة السياسية حول دعم سخي تقدمه الإمارات للحلبوسي "لإعادة إعمار محافظة الأنبار، وتهيئتها لتكون إقليماً منفصلاً".

يأتي هذا في وقت يؤكد فيه برلمانيون أن الحلبوسي اعتاد على تنظيم زياراته السرية، التي كان آخرها إلى أمريكا والإمارات، معتبرين أن هذه الزيارات لا تعبر عن رأي البرلمان، في حين طالبوه بالكشف عن مضامينها أمام البرلمان.

ورغم عدد الزيارات السرية التي قام بها الحلبوسي للإمارات فإن زيارة وحيدة أعلنت بشكل رسمي، وتعود إلى 8 يونيو المنصرم، عندما قالت وكالة أنباء الإمارات إن الحلبوسي التقى ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، وتباحثا في عدد من القضايا والمستجدات التي تشهدها المنطقة، وتطرق الجانبان إلى العلاقات بين دولة الإمارات والعراق، و"إمكانات تطويرها وتنميتها، خاصة في المجالات البرلمانية".

قيادات سنية مأجورة

يقول الباحث والكاتب السياسي الناصر دريد، إن ما يُسمى بالقيادات السنية في عراق ما بعد تنظيم الدولة تعيش "حالة انعدام وزن".

وأرجع دريد، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، حالة انعدام الوزن تلك إلى "الكارثة الهائلة التي تمخضت عنها عمليات تحرير المحافظات السنية، وما نتج عنها من تدمير شبه شامل لها من جهة، وما نتج عن داعش من سقوط شبه شامل للبلاد في القبضة الإيرانية".

كما أشار إلى "آفة الفساد المتأصلة في هذه الطبقة، شأنها شأن مثيلاتها الشيعية والكردية"، موضحاً أن كل ذلك فسح المجال لظهور طبقة جديدة مما يسمى بالساسة السنة يُمكن تمييزها بـ"الانحدار الأخلاقي الواسع من جهة، والتبعية شبه الكاملة لإيران من جهة ثانية".

ويعتقد دريد، بحسب حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن خلطة أبوظبي الجديدة جاءت بتنسيق مع الرياض من جهة، وواشنطن من جهة أخرى، وعمدت إلى "جمع رؤوس من الطبقة السنية الجديدة مع أعضاء الطبقة الطائفية الجديدة؛ في محاولة طائفية لمناكفة إيران".

ويكمل موضحاً أن كل هذا يأتي "في محاولة معاكسة للانتفاضة الجماهيرية الحالية"، واصفاً إياها بـ"المضرّة"، مشيراً بحسب قوله إلى أن ذلك يثبت أن عواصم المنطقة "لا تزال تسبح عكس التيار".