الخليج أونلاين-
لم تكتفِ الإمارات بالعبث بالحياة السياسية لموريتانيا والتغول في مقدرات هذه البلاد، فبدأت بسط نفوذها العسكري بها، ولكن هذه المرة بالقرب من جارتها الجزائر، وهو ما يطرح تساؤلات حول نية أبوظبي من هذا الوجود عند الحدود الجزائرية.
واختارت الإمارات منطقة استراتيجية قريبة من الحدود بين موريتانيا ومالي من جهة، وبين موريتانيا والجزائر من جهة أخرى، لدراسة مشروع تطوير مطار وقاعدة عسكرية لها شمالي البلاد.
وجاء مشروع إنشاء القاعدة العسكرية الإماراتية، في وقت يعاني فيه حليف أبوظبي بليبيا، اللواء المتقاعد خليفة حفتر، عثرات سياسية وعسكرية، إضافة إلى الموقف الجزائري الرافض للعمليات العسكرية التي ينفذها رجل الإمارات ضد طرابلس.
وسبق الحديث عن إنشاء هذه القاعدة العسكرية الإماراتية، تحذيراتٌ من المنصف المرزوقي، الرئيس التونسي الأسبق، من وجود ثورة مضادة تقودها الإمارات والسعودية ومصر، تستهدف كلاً من الجزائر وتونس والمغرب.
خلافات عدة
ولم تتفق الجزائر مع الإمارات في عديد من الملفات، أبرزها حصار قطر، والأزمة الليبية التي تتعامل الدولة الجزائرية فيها مع فايز السراج، رئيس المجلس الرئاسي الليبي، وترفض تمرد اللواء المتقاعد خليفة حفتر حليف أبوظبي.
وسبق أن اتهم حفتر، حليفُ الإمارات، الجيشَ الجزائري باستغلال وضع الحرب للدخول إلى الأراضي الليبية، مهدداً بالدخول معه في حرب.
كما لم تصطف الجزائر إلى جانب الإمارات والسعودية حين أعلنتا محاصرة قطر في يونيو 2017، ودعت حينها إلى التزام الحل السياسي.
وحينها اعتبر وزير الدولة القطري للشؤون الخارجية، سلطان بن سعد سلطان المريخي، أن موقف الجزائر من الأزمة الخليجية "مشرف".
وعمِلت الإمارات على إجهاض الحراك الشعبي الجزائري، وفق ما كشفه الدبلوماسي الجزائري وأحد مؤسسي حركة "رشاد"، محمد العربي زيتوت، لـ"الخليج أونلاين"، في وقت سابق.
وعُرف عن الإمارات، منذ تنحي الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة إثر حراك شعبي، أنها تسعى إلى فرض هيمنتها على هذا البلد من خلال السيطرة على حكامه، والتفرد بقراراتهم، وفق تأكيدات الحراك.
زيتوت أكد حينها أن الإمارات والسعودية تقفان ضد تطلعات الشعب الجزائري، وتريدان هدم ثورته ونشر الفوضى في البلاد، كما فعلتا بليبيا ومصر وسوريا.
وتحاول دائماً الإمارات الوصول إلى الجزائر خاصةً جيشها، فعملت مؤخراً على الدخول في مشروع تعاون بين الجيش الوطني الجزائري من جهة، ومجموعة "مرسيدس بينز" الألمانية من جهة أخرى، لإنتاج عربات مصفحة "نمر".
ووقعت مجموعة "توازن" الإماراتية اتفاقاً ضمن المشروع الجزائري-الألماني لدعم الصناعات الميكانيكية داخل وزارة الدفاع الجزائرية، لكنه لم يكن يستجيب للخيارات الاستراتيجية التي وضعها الجيش الجزائري في تعاونه مع الصناعة العسكرية الألمانية.
استغلال موريتانيا
وتنامت وتيرة دخول الإمارات للمجال الموريتاني وازدادت قوة واندفاعاً في السنوات القليلة الماضية، كما تكثفت الزيارات الرسمية بين المسؤولين السامين في الدولتين.
وقد تطور التعاون العسكري الثنائي بين موريتانيا والإمارات خلال السنوات الماضية، خصوصاً بعد تأييد موريتانيا لحرب السعودية والإمارات في اليمن.
ومنحت دولة الإمارات قبل أشهر وبالتزامن مع وصول الرئيس الجديد محمد ولد الشيخ الغزواني، الجيش الموريتاني طائرة عسكرية متطورة تقوم بمهام الاستطلاع الجوي والإنزال المظلي فى ظروف جوية صعبة.
أحمد أنداري، الأستاذ في العلاقات الدولية بجامعة العيون، يرى أن "التغلغل الإماراتي في موريتانيا يعبر في جزء منه عن رغبة الإمارات في الاستفادة من الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعانيها البلاد؛ لتوطيد نفوذها في بلد له أهمية كبيرة من الناحية الجيواستراتيجية بالنسبة للإمارات، خاصة فيما يتعلق بمساعيها للتغلغل في أفريقيا".
ويطرح الوجود الإماراتي في موريتانيا، وفق حديث أنداري لـ"الخليج أونلاين"، "أكثر من علامة استفهام على مدى مشروعية إبرام كل هذه الاتفاقيات مع نظام قبل مغادرته حكم البلاد، ومن جهة أخرى حول ما إذا كانت هذه الاتفاقيات تخضع للمناقشة والتمحيص الكافيَين قبل إبرامها".
"ولم تُطرح كثير من الاتفاقيات التي وقَّعتها الإمارات مع موريتانيا على البرلمان، رغم تداعياتها الأكيدة والبالغة التأثير على اقتصاد البلد، وعلى توجهاته السياسية في عديد من المجالات"، حسب أنداري.
وقد أثار ورود اسم الإمارات في صفقة تتعلق بمطار نواكشوط الدولي (أم التونسي) كثيراً من الجدل، خاصة أن أي تفاصيل لم تُنشر عن كيفية إبرام الصفقة التي ستمنح شركة "AFROPORT" التابعة لمطارات أبوظبي، الحق في تسيير المطار الموريتاني الأهم مدة 25 سنة.
كما أدى منح أراضٍ زراعية خصبة واسعة على ضفاف نهر السنغال لرجال أعمال إماراتيين إلى اندلاع احتجاجات من طرف السكان الأصليين، الذين اعتبروا أن تهجيرهم من أراضيهم التي يعتاشون من خيراتها لمصلحة مستثمرين أجانب يعد ظلماً وإضراراً بهم، وهو ما أثار النائب في البرلمان العيد ولدمحمدن، خلال مداخلته في الجلسة العلنية للبرلمان التي جرت فعالياتها قبل أسبوع.
وتداولت عديد من الصحف والمواقع الإعلامية الموريتانية أخباراً عن دور للإمارات في تسيير رصيف ميناءي العاصمتين السياسية والاقتصادية (نواكشوط ونواذيبو).
كما تواردت أخبار عن دخولها على مشروع ميناء "انجاغو" القريب من الحدود الموريتانية-السنغالية، والذي يبدو أن إقامته بالمنطقة القريبة من حقول الغاز التي يشترك البلدانِ في أحدها لم ترُق للسنغاليين ولا للفرنسيين.
ويثير دخول الإمارات بقوة في المجالات الاقتصادية والعسكرية وحتى الإعلامية بموريتانيا مؤخراً، جدلاً واسعاً في الشارع الموريتاني، في حين يتساءل المراقبون عن الثمن الذي ستدفعه موريتانيا مقابل هذه المساعدات، وتأثير وجودها هناك على استقرار دول المغرب العربي، لا سيما الجزائر.