الخليج أونلاين-
استغلت الإمارات ما تطلق عليها اسم "المساعدات الإنسانية" لبسط نفوذها العسكري في مناطق شتى من آسيا وأفريقيا، ساعية بذلك إلى تدعيم سياستها الخارجية بالقوة حيناً، وإلى امتلاك السيطرة على أحد أهم المضايق الاستراتيجية في العالم حيناً آخر.
تتسلح الإمارات بتلك التحركات بميزانية شديدة السخاء قد لا يجاريها إلا طموح ولي عهدها وحاكمها الفعلي، محمد بن زايد، في القوة والسيطرة، وتسعى إلى السيطرة على عشرات الموانئ، والتواجد في سواحل عديدة من دول العالم، لا سيما في القارة الإفريقية التي تمتلك فيها قواعد عسكرية في جيبوتي وإريتريا، إلى جانب وجودها العسكري في ليبيا عبر دعمها قوات خليفة حفتر.
وبات واضحاً مساعي سلطات أبوظبي الحثيثة لابتلاع مرتكزات القوة وأسس التنمية في عدة بلدان، من خلال صفقات تبرمها بوتيرة متسارعة مع عدة أنظمة، كان آخرها النظام الموريتاني، الذي عززت أبوظبي علاقتها معه في الآونة الأخيرة.
مساعدات أم قاعدة عسكرية بموريتانيا؟
في أواخر يناير 2020، ذكرت وسائل إعلام موريتانية أن الإمارات قررت إنشاء قاعدة عسكرية من خلال تمويل مشروع تطوير مطار عسكري شمالي البلاد.
وزار موريتانيا، في 25 يناير الماضي، وفد عسكري إماراتي لدراسة مشروع تطوير مطار عسكري شمال البلاد، والذي يقع في منطقة استراتيجية قريبة من الحدود بين موريتانيا ومالي من جهة وبين موريتانيا والجزائر من جهة أخرى.
لكن موريتانيا نفت، في 30 يناير، وجود قاعدة عسكرية إماراتية على أراضيها، وقالت إن ما تم تناقله مجرد "شائعات".
وفي 2 فبراير الجاري، أعلنت دولة الإمارات تخصيص ملياري دولار لإقامة مشاريع استثمارية وتنموية وقروض ميسرة للجمهورية الموريتانية، عقب لقاء جمع بن زايد بالرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، الذي زار أبوظبي.
موريتانيا.. هدف سابق!
وتطور التعاون العسكري الثنائي بين موريتانيا والإمارات منذ أن اصطفت الأولى إلى جانب أبوظبي والرياض في حرب اليمن وقررت قطع علاقاتها مع قطر عام 2017.
ومنحت الإمارات، قبل أشهر، الجيش الموريتاني طائرة عسكرية تعمل في مهام الاستطلاع الجوي والإنزال المظلي ونقل الجنود والمؤن، وافتتحت كلية للدفاع في العاصمة الموريتانية نواكشوط أطلق عليها اسم كلية محمد بن زايد.
ونهاية عام 2018 صدقت الحكومة الموريتانية خلال اجتماع استثنائي، على مرسوم يتضمن المصادقة على عقد تنازل عن مطارها الدولي "أم التونسي" لصالح شركة "Afro Port" الإماراتية، وهي شركة أنشأتها "مطارات أبوظبي" لتولّي تسيير مطار نواكشوط.
وتعطي الصفقة شركة "مطارات أبوظبي" حق استغلال مطار نواكشوط الدولي 25 سنة، مع ما يترتب على ذلك من امتيازات، بينما ستحصل موريتانيا على نسبة 5% فقط من جميع الخدمات التي تقدمها الشركة الإماراتية.
مساعدات مهولة.. على من أنفقت؟
في نهاية ديسمبر 2019، أعلنت الإمارات أن قيمة مساعداتها الخارجية تجاوزت 28.5 مليار درهم (7.79 مليارات دولار) في عام 2018، استهدفت 42 بلداً حول العالم.
لكن مركز الإمارات للدراسات والإعلام "إيماسك"، قال في بيان له إن صرف تلك المبالغ الكبيرة "يثير التساؤلات حول حقيقة مساعدات الإمارات وأوجه صرفها والجهات المستفيدة منها".
ونبه إلى "الاتهامات المتواصلة للإمارات باستخدام هذه الأموال في شراء الذمم والنفوذ السياسي، ودعم شخصيات ومليشيات موالية لسياساتها، وتحسين صورتها في ظل تزايد الاتهامات الموجهة لها بارتكاب انتهاكات في ساحات الصراع بالمنطقة".
وأضاف: "إلا أن اليد الإماراتية الحانية بالخارج التي تحرص على التقاط الصور وتوزيع الابتسامات والأموال هنا وهناك تخفي خلفها مصالح نفوذ للدولة، وتدخلاً في شؤون الآخرين ربما يكشف جزءاً يسيراً منها "الجواسيس الإماراتيون" الذين يتخفون بثياب (الهلال الأحمر) ومؤسسات الإغاثة، وكشفهم في ليبيا وفي غزة على سبيل المثال لا الحصر يكشف حقيقة المشهد برمّته".
المساعدات.. قوة ناعمة
المحلل السياسي محمود علوش يقول: إن ما تسمى بـ"المساعدات الاقتصادية، هي إحدى وسائل القوة الناعمة لدول غنية كالإمارات من أجل شراء ولاءات الدول والحكومة".
وأضاف، في حديث لـ"الخليج أونلاين"، أن هذه المساعدات هي "مغرية بالنسبة لدول فقيرة"، موضحاً: "لا أسميها مساعدات اقتصادية؛ حيث إنه في العلاقات بين الدول ليس هناك شيء من دون مقابل، فكيف الحال عندما نكون أمام هذا التنافس الإقليمي والدولي على منطقة هي بأمس الحاجة إلى المال؟".
ويشير إلى أن شمال أفريقيا ومنطقة القرن الأفريقي تشهدان منذ سنوات تنافساً إقليمياً محموماً بين عدة أطراف، مضيفاً: "الإمارات منخرطة في تحالف مع مصر والسعودية ودول أوروبية في هذه البلدان في مواجهة تحالف آخر تقوده تركيا وتنخرط فيه دول إقليمية كقطر، وهذا ما يفسر الاهتمام الإماراتي البارز في شمال أفريقيا".
ويؤكد أن ليبيا "على سبيل المثال تشكل في الوقت الراهن ساحة صراع بالوكالة بين هذين المحورين، وكذلك الصومال، وإن أخذ فيه هذا الصراع شكلاً أقل حدة، وحالياً تنضم موريتانيا إلى قائمة هذه الدول".
ويرى أن الموقع الجغرافي لدول مثل موريتانيا أو ليبيا وغيرها من البلدان التي تشهد هذا التنافس الخارجي "تحظى بأهمية عسكرية للأطراف المتنافسة".
وتابع: "لذلك نسمع منذ فترة عن بناء قواعد عسكرية في هذه الدول، هذا هو ثمن ما تسمى المساعدات الاقتصادية، فالإماراتيون لديهم قدرات مالية، لذلك نجدهم يلجؤون إلى استثمار هذه القدرة لخدمة سياساتهم الخارجية، هم ينفقون بسخاء كبير من أجل حصد أكبر قدر من النفوذ".
استغلال الدول الهشة
وتواجه أبوظبي اتهامات من عدة جهات باستخدام المساعدات الإنسانية لغايات سياسية، ومن ذلك اتهامات من جهات يمنية باستخدام المساعدات الإنسانية ضمن سياسة شراء النفوذ السياسي والعسكري من خلال تقديم المساعدات في المناطق التي تسيطر عليها القوى والمليشيات الموالية لأبوظبي في جنوب اليمن، لا سيما في مدينة عدن وسقطرى.
وبدا واضحاً استخدام الإمارات الإغاثة في تحركاتها العسكرية، فمع إعلان انسحابها عسكرياً من عدة مدن يمنية في أكتوبر الماضي، علق الهلال الأحمر الإماراتي عمل مكاتبه في البلاد وأبلغ موظفيه بانتهاء أعماله هناك.
ويقول الباحث في العلاقات الدولية، اليمني محمد المخلافي، إن ما ساهم في تسهيل الوجود العسكري المكثف في هذه المنطقة من قبل الإمارات، "وجود حزام من الدول الهشة والأنظمة السياسية غير المستقرة".
ويرى أن هذه الدول، ومن بينها اليمن، "تعتبرها الإمارات اليوم نفوذاً هاماً لها، خاصة في ظل السباق الجيوسياسي المعقد الذي تتنافس فيه أبوظبي مع مجموعة من اللاعبين الإقليميين".
وأشار إلى أن الإمارات عملت خلال الأعوام الأربعة الماضية على نشر العديد من القواعد والمنشآت العسكرية، بداية من عدن وسقطرى وميون في اليمن، ومروراً بعصب في إريتريا، وليس انتهاء ببربرة وبوصاصو في الصومال، بل ربما ستمتد إلى دول أخرى في أفريقيا، كما هو الحال مع ليبيا وموريتانيا أخيراً.
ويختم حديثه لـ"الخليج أونلاين" قائلاً: "المساعدات التي تعلن الإمارات عنها عبارة عن كذبة أمام العالم، فمثلاً في اليمن لم يقدم الهلال الأحمر التابع لأبوظبي أي شيء يذكر على الأرض، بل إنه دفع تلك المليارات لتسليح مليشياته التي انقلبت على الحكومة المعترف بها دولياً، فيما يفاخر أمام العالم أنه يساعد اليمنيين".