علاقات » عربي

الإطاحة بمحافظ المهرة اليمنية.. انتصار للسعودية أم للإمارات؟

في 2020/02/24

متابعات-

يبدو أن التوتر الذي تشهده محافظة المهرة اليمنية، التي تقع شرقي البلاد، قد لفت نظر الرئيس اليمني أخيراً، الذي أقال محافظها المتهم بخلخلة استقرارها، ودفعه نحو تأجيج الخلافات في مدينة كانت بعيدة عن الصراع لسنوات طويلة.

خلال الأسابيع الأخيرة أوشكت المهرة، التي تحدها شرقاً سلطنة عمان، ومن الشمال السعودية، أن تتحول إلى بؤرة صراع جديدة في اليمن، بعدما شهدت مواجهات واشتباكات بين قوات سعودية ومدنيين قبليين معارضين للوجود السعودي، الذي كان محافظها المقال راجح باكريت أحد أدواتها.

وبينما اعتبر المعارضون للوجود السعودي بالمهرة إقالة المحافظ باكريت انتصاراً وتتويجاً لاحتجاجاتهم، رأى طرف آخر -وهم من ينتمون للمجلس الانتقالي الموالي للإمارات- هذا القرار محاولة لنسف اتفاق الرياض، بما يضع تساؤلات حول أسباب الإطاحة بمحافظ أثار الجدل في شرق اليمن.

قرار في وقتٍ صعب

بعد توتر شهدته المهرة مطلع فبراير، خرج أخيراً الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، في 23 من الشهر الجاري، بإصدار قرار بإقالة راجح باكريت، محافظ المهرة الذي يوصف بأنه موالٍ للسعودية.

وقالت وكالة "سبأ" الرسمية اليمنية إن الرئيس اليمني أصدر "القرار الجمهوري رقم (1) لسنة 2020، قضت المادة الأولى منه بتعيين محمد علي ياسر أحمد بن ياسر خلفاً لراجح سعيد باكريت، الذي تم تعيينه عضواً في مجلس الشورى".

والمحافظ الجديد قيادي في حزب المؤتمر الشعبي العام، وسبق أن تولى إدارة المحافظة، قبل أن يقيله الرئيس اليمني عام 2015.

وكانت اتهامات بالفساد المالي والإداري وجهت للمحافظ المقال، ومن بينها تقرير خبراء مجلس الأمن الأخير لعام 2019، الذي أشار إلى الفساد المالي والإداري في محافظة المهرة في ظل إدارته.

وخلال تولي باكريت لإدارة المحافظة الحدودية مع سلطنة عمان والسعودية شهدت توتراً كبيراً بين القوات السعودية وقوات يمنية كانت تحت قيادة المحافظ؛ مع مواطنين طالبوا خلال السنوات الأخيرة بخروج تلك القوات من المحافظة.

إقالة مناسبة

الكاتب والصحفي اليمني محمد الأحمدي قال إن إقالة باكريت جاءت على ما يبدو لتهدئة الأوضاع بالمهرة عقب الأحداث الأخيرة التي شهدها منفذ شحن الحدودي مع سلطنة عمان.

وأشار إلى أن هذا القرار يـأتي "كمحصلة نهائية لهذا المحافظ الذي فشل في تحقيق الأمن والاستقرار والنهوض بمسؤولياته في هذه المحافظة المهمة.

وأكد في سياق حديثه لـ"الخليج أونلاين" أن المحافظ المقال عمل خلال فترة توليه للسلطة، منذ نوفمبر 2017، على "إثارة غضب القبائل في المهرة، وعلى إحداث انقسام داخل المجتمع في هذه المحافظة التي ظلت بمنأى عن كل الصراعات خلال الفترة الماضية، فضلاً عن ملفات الفساد والمحسوبية التي اتهم بها".

ويرى أن عزل باكريت من منصبه قد يسهم في تهدئة الأمور في المهرة، مرجحاً أن يكون القرار اتخذ بعيداً عن إرادة السعوديين الذين كانوا يرون في باكريت رجلهم الأول في تلك المحافظة.

بين ترحيب وغضب

سريعاً ما رحب المحافظ المقال بقرار إقالته، وكتب على صفحته في "تويتر" تهنئة للمحافظ الجديد قال فيها: "أهنئ وأبارك لأخي محمد علي ياسر نيله الثقة وتعيينه محافظاً لمحافظة المهرة، إذ إنه يعد أحد رجال الدولة الأكفاء المشهود لهم بالنزاهة والسيرة الحسنة".

واعتبر مختار الرحبي، مستشار وزير الإعلام، قرار الإقالة بأنه "نابع من حرص فخامته على أمن واستقرار محافظة المهرة التي ظلت طوال عقود بعيدة عن الأزمات والمشاكل، وحاول البعض إدخالها في أتون صراع واحتراب".

لكن يبدو أن قرار الرئيس اليمني غير المتوقع قد أغضب طرفاً رأى في عزل محافظ المهرة نسفاً لاتفاق الرياض بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي الموالي للإمارات.

وقال نائب رئيس المجلس الانتقالي هاني بن بريك، عبر حسابه على "تويتر": إن "إقالة محافظ المهرة خرق جديد لاتفاق الرياض يضاف لكل الخروقات السابقة المعرقلة للمضي في تنفيذ الاتفاق".

وأضاف: إنها "دليل قوي جداً يكشف المتضرر من تحرك التحالف للسيطرة على المنفذ (منفذ شحن في المهرة)، والحدود التي يتم من خلالها التهريب".

واعتبر بن بريك القرار "خطوة غبية سريعة يرتكبها الإخوان (حزب الإصلاح ثاني أكبر أحزاب اليمن) ستعجل بإذن الله بحلحلة الأمور".

"صراخ الانتقالي"

ووصف المحلل السياسي اليمني عبد الرقيب الهدياني غضب الانتقالي الجنوبي من هذا القرار بأنه "صراخ لكون باكريت منفذاً لما تريده تلك المليشيا في المهرة".

ويوضح الهدياني بقوله: "كان يلعب بين ثلاثة أطراف؛ السعودية والشرعية والانتقالي، فهو المحافظ المعين من الرئيس هادي ولا يشتغل للشرعية، ومحسوب على السعودية ولم يحقق لها أي إنجاز، بل زاد من سخط احتجاجات المهرة ضدها وسمعتها المحلية والدولية، بعد أن صارت أخباراً وتقارير ومواضيع نقاش تتصدر وسائل الإعلام".

ويضيف في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "كان باكريت منفذاً مهماً للانتقالي من خلال مليشيات تأتمر بأمره محسوبة على الانتقالي من محافظات لحج والضالع، وعبرهم يوجد الانتقالي الذي رفض أبناء المهرة الانخراط في صفوفه".

ويختلف الهدياني مع الأحمدي في مسألة تعيين المحافظ الجديد، ويرى أن ما حدث "يمكن وصفه بأنه توافق سعودي يمني لترتيب الإقليم الشرقي؛ إقليم حضرموت، وجعله واقعاً حياً بعيداً عن عبث الإمارات وأدواتها المجنونة التي دمرت عدن ولحج والضالع طوال خمس سنوات".

وقال: "رأينا ترحيباً من لجنة الاعتصام المعارضة للوجود السعودي بالمهرة، والتي رحبت بتغيير باكريت واعتبرته انتصاراً لها، بعكس الانتقالي الذين أوهم قياداته أنفسهم بأنهم صاروا شركاء في حكم المحافظات الجنوبية، وأنهم كانوا يتوقعون أن لا قرار يمكن أن يصدره هادي إلا بمشورتهم، لتنهار أوهامهم، واتضحت الحقائق وظهروا مكشوفين أمام أنصارهم المخدوعين".

إرضاءً لعمان

أما الخبير الاستراتيجي والعسكري علي الذهب فقد رأى أن إقالة باكريت "جاءت حلاً وسطاً اتخذه الرئيس لإرضاء جميع الأطراف المتصارعة، سواء على مستوى الداخل أو على المستوى الإقليمي".

وفي حديثه مع "الخليج أونلاين" يؤكد الذهب أن الرئيس استفاد من هذا القرار في سبيل إرضاء سلطنة عمان التي أبدت استياء من معاملة باكريت وتجاهله للأطراف التي تثير التحركات داخل المحافظة، والتي تنظر لها بأنها مهددات أمنية، خصوصاً أن تقارير الخبراء أثبت أن تهريب الأسلحة والمعدات العسكرية والتقنية للحوثيين تمر عبر هذه المحافظة، حسب قوله.

وأضاف: "الرجل دخل في صراع مع شخصيات داخل الحكومة، ومن ثم فإن إخراجه من هذا المنصب يعد أيضاً مصلحة عامة لقيادة الحكومة".

وأكد أن السعودية "بكل تأكيد راضية عن هذا القرار؛ لأنه لا يمكن للرئيس أن يتخذ قراراً مثل هذا دون أن يشاور المسؤولين عما يجري في اليمن من السعوديين، وهم على دراية بهذا الأمر".

المهرة من العزلة إلى أوج الصراع

ويطلق على محافظة المهرة البوابة الشرقية لليمن؛ نظراً لوقوعها في أقصى الجزء الشرقي من الجمهورية اليمنية، حيث تجاورها سلطنة عمان شرقاً، وتتصل المحافظة بصحراء الربع الخالي من الشمال، ومحافظة حضرموت من الغرب، والبحر العربي من الجنوب.

وتعد المهرة المحافظة الثانية الأكبر مساحة في اليمن بعد محافظة حضرموت، إذ تبلغ مساحتها 67 ألف كيلومتر مربع، وتعد مديرية حات أكبر مديريات المحافظة مساحة، في حين تعتبر مديرية حوف أصغرها، ويبلغ عدد سكان المهرة نحو 100 ألف نسمة يتوزعون على تسع مديريات.

وكانت المهرة منعزلة كثيراً أو غير متأثرة إلى درجة كبيرة بالصراع السياسي الدائر في اليمن، فقد تجنبت الانزلاق في خريطة الحرب والصراع السياسي والعسكري، باستثناء استقبالها لنازحي الحرب من محافظات الصراع.

لكن موقعها الجغرافي ساهم في تغير حالها مؤخراً، فقد باتت محل اهتمام قوى محلية وإقليمية عدة، ولم تسلم من صراع تلك القوى، خصوصاً بين السعودية والإمارات من جهة، وسلطنة عمان من جهة أخرى، التي تراها بوابتها الغربية وتخشى من أن يتسبب الصراع فيها بالإضرار بأمنها الوطني.