القدس العربي-
تعبّر ردود أفعال بعض الشخصيات المعروفة في الإمارات، دفاعا عن قرارات السلطات، أو هجوما على رافضيها، عن ظاهرة مستجدة في السياسة العربية لا تتناسب أبداً لا مع السياق السياسي الحديث نسبيا للإمارات، ولا مع تاريخها السابق، أيّام المؤسس زايد بن سلطان آل نهيّان وباقي أمراء الإمارات، كوسيط ومؤيد للقضايا العربية إجمالا، ولا مع كونها دولة غنيّة يعتمد اقتصادها، إضافة إلى النفط، على الاستثمارات العالمية، وعلى السياحة وقطاعات البناء والخدمات، وتروّج لنفسها كقطب دوليّ للتسامح والاعتدال وتقبّل الأديان… والسعادة!
كان منطقيّا جداً رفض السلطة الفلسطينية للخطوة الإماراتية المتهافتة للتطبيع مع إسرائيل بإرسال طائرة شركة «الاتحاد» إلى مطار بن غوريون، والتعامل مع الفلسطينيين الذين يستعدّون لأيام قاسية جدا من الصراع مع إسرائيل كأنهم «ديكور» لتزيين هذا التطبيع الفاحش، ولكن بدلاً من لفلفة أبو ظبي للفضيحة السخيفة التي تدلّ على استهتار فائق بمن تدعي مساعدتهم شنّ بعض الإماراتيين هجوما بذيئا على الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وعلى الفلسطينيين عموماً، ورفع أحدهم شعار «فخامة الرئيس محمد دحلان رئيس دولة فلسطين»، ودحلان طبعاً هو المسؤول الفتحاوي السابق المدعوم من قبل أبو ظبي والطامح للعب دور «رئاسي» بـ«فلوس» الكفيل الخليجي.
ولأن الأمر «ظاهرة» وليس هوى عارضاً امتُحن به الفلسطينيون، الذين يجابهون جبروت إسرائيل وغطرسة أمريكا وتواطؤ روسيا والصين والهند، و«تطبيع» الحكومات العربية، «المعتدلة» منها و«الممانعة»، فهو لا يقتصر على فلسطين، فتدخّلات أبو ظبي، ومحاولاتها تلزيم مناصب الرئاسة العربية إلى شخصيّات مرتبطة بها أو محسوبة عليها يمتدّ عبر الجغرافيا العربيّة، بل ويفيض عنها أحيانا، كما هو الحال مع ماليزيا، التي أدّى ارتباط رئيس وزرائها السابق، وفضائح فساده بالعلاقة مع أبو ظبي والرياض، إلى خسارته منصبه وتعرّضه للمحاكمة.
نشهد هذا طبعاً، ومن دون أقنعة أو ماكياج، في الحالة المصريّة، فدور الإمارات الكبير في تحريض العسكر والنخب على الرئيس السابق المنتخب محمد مرسي، وكذلك عملها على تنصيب الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، معروف، كما نشهده في حالة خليفة حفتر، الذي تحوّل من جنرال عائد للمساهمة في إسقاط حكم معمر القذافي (بعد أن كان أحد شركائه في انقلاب عام 1969 على حكم الملكية الدستورية لإدريس الأول)، فجأة إلى قائد «الجيش الوطني الليبي» مع إشارات واضحة إلى العمل على تركيبه «رئيسا» على ليبيا.
امتدّت هذه الظاهرة أيضا إلى اليمن، عبر عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، والذي يناديه مناصروه بـ«القائد» و«الرئيس» أيضا، رغم وجود رئيس شرعيّ لليمن، من المفترض، أنه يحظى بتأييد «التحالف العربي» الذي تقوده السعودية، والذي تعتبر أبو ظبي شريكة فيه، ولكنّ «الهوى غلاب»، فالظاهرة الإماراتية لا تكترث بمصالح الحلفاء، ولا بمصالح البلاد التي تريد ترئيس الموالين لها عليها.
الأسوأ من كل ذلك، أن هذه «السياسة» لا تفيد الإمارات أيضا بل تزيد مراكمة مشاكلها الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وتجعل قيادتها مرادفا للتدمير والخراب والثورة المضادة والكوارث.