وكالاات-
في مسعى للاقتراب من المبادئ التي قامت عليها النظم الديمقراطية، تُعطي حركات الإسلام السياسي الأولوية للإصلاح الاجتماعي والسياسي، وإصلاح منظومة الحكم عبر الدعوات لتوسيع المشاركة الشعبية فيها من خلال العمل السياسي والوصول إلى الحكم عبر صناديق الاقتراع، بعد تهيئة “دعوية” تعتمد بناء المجتمعات على أسس شيوع الفضيلة وترميم منظومة القيم الأخلاقية، كشرطٍ لإقامة نظام حكم “صالح” يُفضي إلى نهضة شاملة في الميادين كافة.
ويُضفي علماء ودعاة مقربون، أو ممولون، من الإمارات طابعا توصيفيا للإسلام باعتباره طقوسيا تعبديا لا يتعدى العلاقة “الشخصية” بين المخلوق وخالقه، مع إيلاء الاتجاهات التي تقف على النقيض من “السلفية”، مثل “الصوفية” دعما خاصا طالما أنها بعيدة عن التعاطي مع الشأن السياسي، أو الدعوة في الأوساط الاجتماعية.
تبدو مواقف الإمارات من حركات الإسلام السياسي هي الأكثر إصرارا على استئصاله وتقويض دوره وتفكيك تنظيماته في عموم المنطقة العربية.
ولا تسمح الإمارات بوجود أي منظمات أو تأسيس جمعيات أو إقامة أي نشاطات على صلة بحركات الإسلام السياسي.
وتعتقد السعودية والإمارات، أن أيديولوجيات جماعات منبثقة عن حركات الإسلام السياسي، مثل جماعة الإخوان المسلمين، تشكل تهديدا جديا يتعدى أنظمة الحكم القائمة إلى تهديد الإسلام “المعتدل” وتقويض التقدم والحداثة والإصلاحات الاجتماعية التي تقوم بها تلك الدول، خاصة بعد بروز تلك الحركات في صدارة المشهد السياسي بعد ثورات الربيع العربي عام 2011.
وتصدرت الإمارات واجهة القوى والدول التي تناهض الثورات العربية، وبات مُتعارفا عليه في الأوساط السياسية العربية وغير العربية أن أبو ظبي هي القائد الحقيقي لما يعرف باسم “الثورة المضادة”.
ومن وسائل الحرب الإماراتية على ثورات الربيع العربي، تعمد توظيف المزيد من المقدرات المالية والإعلامية لتشويه صورة حركات الإسلام السياسي، وجماعة الإخوان المسلمين في المقام الأول بصفتها الجماعة الأكثر عراقة تاريخيا، والأكثر انتشارا في المجتمعات العربية من الحركات الأخرى.
ولا يقتصر استهداف الإمارات لحركات الإسلام السياسي على جماعة الإخوان المسلمين المصرية، أو حركات أخرى مثل “النهضة” التونسية، و”حماس” الفلسطينية.
إذ أن الإمارات لا تميز بين هذه الحركات التي تتبنى العمل “السلمي” في الوسطين السياسي والاجتماعي، والتنظيمات والجماعات التي تتبنى “العنف” المسلح مثل تنظيمي “الدولة” و”القاعدة”، وحركة “الشباب” الصومالية و”بوكو حرام” و”طالبان” وغيرها.
وعلى الرغم من الخلافات المنهجية بين حركات الإسلام السياسي والجماعات والتنظيمات الإسلامية “المتطرفة” مثل “القاعدة” و”الدولة”، إلا أن الإمارات تضع جميع من يتبنى خطابا إسلاميا في نفس دائرة الاستهداف، وهو ما يفسره مراقبون على أنه “عداء للإسلام، وليس فقط للحركات التي تتبنى الإسلام كمنهج سياسي لها”.
ولإبراز رؤيتها للإسلام بفهم جديد بديل عن الفهم السائد الذي تتباه حركات الإسلام السياسي، نظمت الإمارات بالتنسيق مع روسيا والأزهر، مؤتمر “غروزني 2016” في جمهورية الشيشان.
وتعدى رؤية الإمارات لخطر حركات الإسلام السياسي إلى عموم الإسلام “السُنّي” واستبعاد “السلفية” من دائرته، كما ظهر في مخرجات المؤتمر التي اعتبرت أن “السلفية” اتجاه بعيد عن التسامح الديني وأنه يُفضي في حالات كثيرة إلى “التكفير”.
وأثار مؤتمر “غروزني” غضب العلماء والدعاة السعوديين باعتبارهم يمثلون “الاتجاه السلفي”.
وبعد ثورات الربيع العربي عام 2011، أصبحت الإمارات الدولة الأكثر نشاطا في مواجهة تلك الثورات والقضاء عليها، خاصة بعد أن حققت جماعة الإخوان المسلمين عام 2012، تفوقا في أول انتخابات رئاسية تشهدها مصر منذ الإطاحة بالنظام الملكي في 1952.
وعلى مدى أقل من عام من حكم الجماعة برئاسة الرئيس المُنتخب محمد مرسي، دعمت الإمارات القوات المسلحة لترتيب انقلاب عسكري في 3 يوليو/ تموز 2013 تمهيدا لاستئصال الجماعة عبر حملات تضييق واعتقال لقادتها وكوادرها ومصادرة الجمعيات والمنظمات والممتلكات الخاصة بها.
وأدى التدخل الإماراتي، أو قيادتها “الثورة المضادة” إلى خلق حروب داخلية ونزاعات مسلحة أفضت إلى أزمات إنسانية في سوريا واليمن وليبيا وانسداد في آفاق الحل السياسي وعودة الأمن والاستقرار.
ففي عام 2014 فتحت الإمارات جبهتي اليمن وليبيا عبر دعمها لقوى حليفة لها في جنوب اليمن لمواجهة حزب التجمع اليمني للإصلاح، وهو يمثل فرع الإخوان المسلمين في اليمن، ودعم عملية “الكرامة” التي قادها اللواء الانقلابي خليفة حفتر ضد الحكومة الليبية المعترف بها من الأمم المتحدة في طرابلس برئاسة فائز السراج.
وتُشير أصابع الاتهام إلى قوات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعومة إماراتيا بتنفيذ اغتيالات لقيادات وكوادر التجمع اليمني للإصلاح، والعمل على انفصال الجنوب اليمني عن شماله، وهو مخالف لسياسات التجمع اليمني الساعي لهزيمة جماعة الحوثي والحفاظ على وحدة اليمن.
لكن حتى الآن ثمّة فشل إماراتي واضح في تهميش التجمع اليمني للإصلاح الذي يعمل تحت غطاء الحكومة الشرعية المدعومة سعوديا.
ولا يزال التجمع اليمني للإصلاح، يحظى برعاية سعودية خاصة من خلال المشاركة في الحكومة الشرعية التي مقرها الرياض، ومشاركة مقاتلي التجمع في قتال جماعة الحوثي الحليفة لإيران تحت قيادة قوات الشرعية.
ووجدت دولة الإمارات في ميليشيا خليفة حفتر قدرات معينة لاجتثاث حركات الإسلام السياسي في الشرق الليبي والانتقال غربا للسيطرة على العاصمة عبر تقديم الدعم العسكري والمالي والسياسي.
ويردد حفتر منذ إطلاقه “عملية الكرامة” وإعلانه الهجوم الواسع على طرابلس في 4 أبريل/نيسان 2019 أن الهدف من اجتياح العاصمة هو القضاء على “الجماعات الإرهابية” التي تدعم الحكومة الليبية برئاسة فائز السراج، على الرغم من أن دولة الإمارات تدعم قوات خليفة حفتر التي تضم فصائل إسلامية مسلحة مرتبطة منهجيا وتنظيميا بما يُعرف باسم التيار المدخلي، وهو تيار سلفي “متشدد”.
ويرى مراقبون أن الأزمات المالية التي تعصف بالاقتصاد الإماراتي سيكون لها تداعيات على مواصلة دعم ميليشيا خليفة حفتر التي تتواصل “هزائمها” العسكرية في ليبيا، وقوات المجلس الانتقالي في اليمن، وهما القوتان اللتان أثبتتا فشلا واضحا في تنفيذ السياسيات الإماراتية.
وعبر وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتية، أنور قرقاش، الخميس 18 يونيو/حزيران الجاري، عن هذا الفشل بالقول لوكالة “بلومبرغ” الإخبارية الأمريكية: “لقد اتخذ بعض أصدقائنا قراراتهم الفردية وأحادية الجانب، ولقد رأينا ذلك مع المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن، ولاحظنا ذلك مع الجنرال حفتر في ليبيا، وقد ثبت لدينا أن الكثير من هذه الحسابات الصادرة من طرف واحد خاطئة”.
في مقابل ذلك، يرى آخرون أن الإمارات في منهجها بالحرب على حركات الإسلام السياسي، ستواصل دعم أي جهة مقاتلة سواء في اليمن أو في ليبيا أو في غيرهما تتبنى قتال الجماعات والتنظيمات ذات الصلة بحركات الإسلام السياسي، أو القريبة منها، في مواجهة تهديدات “مُفترضة” مصدرها تلك الحركات.
وفي ذات الوقت ستواصل الإمارات معركة “الأفكار” من خلال تنظيم المؤتمرات وإقامة مؤسسات “دينية” موازية لمواجهة أفكار وسياسات تلك الجماعات والتنظيمات وتشويه صورتها، وهو الهدف الأهم في طريق تقويضها واستئصالها من أوساط المجتمعات العربية والإسلامية.