الخليج أونلاين-
على مدار العامين الأخيرين وجدت الشرعية اليمنية نفسها وحيدة أمام حليفين رئيسين استنجدت بهما لتخليصها من انقلاب قادته جماعة الحوثيين المتحالفة مع إيران، لتفاجأ بأنها أصبحت مستهدفة أيضاً، تارة بانقلابات وقصف بالطيران، وتارة باستخدام الإعلام للإساءة لقياداتها.
وبينما كان كثيرون يترقبون الخطوات الأولى لتنفيذ الآلية الجديدة من اتفاق الرياض، بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، شن كتاب ونشطاء سعوديون حملة إساءة وتشويه تنال هذه المرة من نائب الرئيس اليمني، الذي يعد أحد أبرز قيادات الشرعية الذين تستضيفهم الرياض في أراضيها منذ اندلاع الحرب في مارس 2015.
ولم يكن الهجوم السعودي هو الأول من تحالف دعم الشرعية باليمن، فقد سبقه هجوم مماثل استهدف الرئيس اليمني ونائبه من قبل وسائل الإعلام الإماراتية في مارس الماضي، إضافة إلى هجمات مماثلة على قيادات في الشرعية اليمنية خلال العامين الأخيرين.
هجوم ضد محسن
مطلع شهر أغسطس الجاري، شن صحفيون وناشطون سعوديون هجمات على قيادات الحكومة اليمنية الشرعية المقيمة بالرياض، واتهموها بـ"الإرهاب"، وتحديداً نائب الرئيس علي محسن الأحمر.
ووصفوا في منشورات لهم على وسائل التواصل الاجتماعي نائب الرئيس اليمني بـ"الإرهابي"، وقالوا إنه "يتزعم تنظيمات إرهابية في اليمن، ويقف سراً إلى جانب الحوثيين، وخذل التحالف في حربه في اليمن وخانه".
وكتب الصحفي سامي العثمان، رئيس تحرير صحيفة "العروبة" السعودية، على صفحته بـ"تويتر"، قائلاً: " موعدكم بعد العيد بإذن الله مع حواري الجريء والشامل مع المحلل السياسي السعودي العميد حسن الشهري. ملفات عربية عديدة ستطرح للنقاش وعلى رأسها المطالبة باستبعاد الإخواني الإرهابي الشاويش علي محسن آل أحمر من أي تسوية باعتباره إرهابياً ومطلوباً لأمريكا!!!".
كما نشر ناشط يدعى علي القحطاني نتيجة استفتاء قال إنها تؤكد "تورط نائب رئيس الجمهورية اليمنية، الجنرال علي محسن الأحمر، بملف الإرهاب في اليمن، يذكر بأن الأحمر محسوب على حزب الإصلاح الإخواني".
وتزامنت هذه الحملة مع تحريض مماثل قادته وسائل إعلام وقنوات يمنية تمولها أبوظبي، حيث استضافت محللين سعوديين وشخصيات من الرياض أساءت للأحمر، ومن بينهم حسن الشهري الذي اتهم الرجل بدعم القاعدة والإرهاب والعمالة لتركيا.
تنديد يمني
ونددت الحكومة اليمنية بالإساءات الصادرة عن صحافيين وناشطين سعوديين، وقالت إنها "تستهدف قيادات الدولة بالحكومة المعترف بها دولياً والجيش الوطني"، واعتبرتها نابعة "من جهل مطبق بالشأن اليمني، ومرفوضة جملة وتفصيلاً".
ونقلت وكالة "سبأ" التابعة للحكومة الشرعية، عن مصدر مسؤول بوزارة الإعلام، لم تسمه، أن الإساءات الصادرة أخيراً عن بعض الصحافيين والناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي تهدف للتشويش على معركة استعادة الدولة، والتشكيك في العلاقة المصيرية بين الدولة والشعب اليمني.
كما استنكر وزير الأوقاف والإرشاد الدكتور أحمد بن عطية، التطاول أو الإساءة إلى قيادات اليمن ورموزها، وقال في تغريدة له على تويتر: "نرفض التطاول أو الإساءة إلى قيادات اليمن ورموزها، ورميهم بالتهم جزافاً، ابتداءً بالرئيس ونائبه ورئيس الوزراء وبقية القيادة السياسية".
وحذر وزير حقوق الإنسان اليمني محمد عسكر، في تدوينة على "تويتر"، من التمادي بتلك الإساءات، وقال إن احترام قيادات "الدولة" اليمنية هو احترام لليمن أرضاً وشعباً.
وتساءل مستشار وزير الإعلام اليمني، مختار الرحبي، عن هذا الهجوم، وقال في تغريدة له: "هناك هجوم ضد قيادات الشرعية من قبل بعض الإعلاميين السعوديين وصلت حد السفاهة وقلة الأدب، هل هناك توجيهات لهم؟ ومن الذي أصدر لهم توجيهات لمهاجمة نائب الرئيس وقيادات الدولة!!"، مضيفاً: "نعرف أنه لو تحدث أحد منهم بدون توجية لن ينام إلا في سجن الحائر".
عدو "للتقسيم والاستلاب"
يعتقد الكتاب والمحلل السياسي اليمني نبيل البكيري، أن الهجوم الذي استهدف نائب الرئيس اليمني، هو بسبب مواقفه الرافضة لتقسيم اليمن.
وفي حديثه لـ"الخليج أونلاين"، يسترجع البكيري أحد أسباب هذا الهجوم، الذي قال إن محسن "لم يكن ضمن حسابات صانع القرار السعودي حينما عينه هادي نائباً له (أبريل 2016)، وهو ما فاجأهم حينها وظلوا يتعاملون معه بتوجس شديد رغم أنه يفترض أنه حليف لهم".
وأضاف: "نظراً لما يمثله من ثقل سياسي وقبلي وعسكري يقف حجر عثرة أمام مخططات التقسيم والاستلاب، ربما شعروا أنه يجب الإطاحة به لتمرير تلك المخططات المكشوفة، وخاصة أن الإمارات تراه عدواً لها".
ويؤكد البكيري أن الإمارات "هي من تختطف القرار السياسي السعودي وتدير به معاركها في اليمن ومخططاتها، التي يفترض أنها مشاريع ومخططات تستهدف السعودية قبل اليمن؛ لما تمثله اليمن من عمق استراتيجي للسعودية، وأي ضرر باليمن ووحدته وجمهوريته هو ضرر قطعاً بالسعودية وأمنها ووحدتها، وحتى صيغة نظامها الحاكم".
هجوم سابق
لم يكن الهجوم السعودي هو الوحيد ضد محسن، فقد سبقه هجوم مماثل من وسائل إعلام ونشطاء إماراتيين، ففي مارس من العام الحالي 2020، تعرض الأحمر، الذي يعد أحد أقوى الشخصيات العسكرية والسياسية في اليمن، لهجوم شرس، واتُّهِم بأنه هو السبب وراء سيطرة الحوثيين على مناطق كانت تسيطر عليها الحكومة الشرعية.
الإمارات عبر موقع "إرم نيوز" الذي تموله، ويقع مقره في العاصمة أبوظبي، شنت يومها هجوماً على نائب الرئيس اليمني، واتهمه الموقع بالفشل وعدم التمكن من وقف سقوط جبهة نهم شرق العاصمة اليمنية صنعاء وعاصمة محافظة الجوف بيد الحوثيين.
كما استخدمت الإمارات وسائل إعلامها وناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي للإساءة للحكومة اليمنية، وعلى رأسها الرئيس عبد ربه منصور هادي، بالتزامن مع هجوم من الجانب الرسمي الإماراتي.
وعقب انقلاب عدن، في أغسطس الماضي، شنت الإمارات هجوماً كبيراً من خلال وسائل إعلامها ومسؤولين على الحكومة اليمنية، التي وصفتها بـ"حكومة الفنادق"؛ على خلفية اتهام الأخيرة لأبوظبي بـ"دعم التمرد" في محافظة عدن جنوبي البلاد.
الضغط لإقالته
ويتفق الباحث اليمني مطهر الصفاري، والناشط السياسي عبد الله السلامي، من أن تسليط بعض إعلاميي السعودية أقلامهم ووسائل إعلامهم ضد قيادات حكومة الشرعية اليمنية المقيمة في الرياض، عند كل محطة مفاوضات سياسية، تهدف إلى "ابتزازها والحصول على تنازلات".
وأشار، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، إلى أن الهجوم الحالي ضد نائب الرئيس اليمني، يتزامن حالياً مع مشاورات تشكيل الحكومة بعد توقيع ما سمي آلية تسريع اتفاق الرياض.
وأضاف: "بين حين وآخر تظهر تسريبات عن الرغبة بتغيير علي محسن وتعيين نائب توافقي، رغم أن خطوات السلام مع جماعة الحوثي ما زالت مؤشراتها بعيدة، ومن ثم يجعل من استهداف نائب الرئيس ضمن منظومة تستهدف شخص رئيس الجمهورية وهيكلة مؤسسات الدولة اليمنية لتسهيل وشرعنة أجندة دول التحالف وتمكين الانتقالي".
أما الناشط السياسي اليمني عبد الله السلامي فيقول إن تزامن الهجوم على محسن مع بدء تنفيذ آلية اتفاق الرياض، تهدف إلى "الضغط على الرئيس اليمني لإقالة نائبه واختيار نائب جديد توافق عليه أبوظبي والرياض".
وأضاف: "هناك ابتزاز سياسي مستمر منذ بدء الحرب، ولكن كان الرئيس اليمني أكثر قوة، وقد رأينا حين أقال نائبه خالد بحاح المقرب من الإمارات وعين محسن بديلاً عنه، لكن حالياً هادي في موقف ضعف، وربما تفلح هذه الضغوط".
ويؤكد لـ"الخليج أونلاين" أن الوقت الحالي "هو المناسب لمثل هذه الضغوط من أجل تهديد الحكومة اليمنية بعدم تنفيذ الاتفاق وإمكانية تحقيق انقلابات جديدة، ليرضى الرئيس اليمني بمطالب الحليف الذي يخونه ولم يأتِ لإنقاذه".