علاقات » عربي

لماذا تستميت نخب السعودية والإمارات في معاداة قضايا المسلمين؟

في 2020/10/24

الخليج أونلاين-

يبدو أن عداء الإمارات والسعودية الرسمي لتركيا ولبعض القضايا العربية والإسلامية قد انتقل إلى النخبة السياسية والإعلامية، وكأنه صراع مكتوم أصبح واقعاً بعد خروج الخلافات مع تركيا مؤخراً إلى العلن.

كثيراً ما خاض الإماراتيون والسعوديون في قضايا جدلية مختلفة، كان آخرها ضد الأتراك، ووصلت إلى حد استخدام كل الوسائل الممكنة لتشويهها، وتجاهل الإساءة المتعمدة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم من قبل فرنسا، بل والدفاع عن تلك الإساءات.

وبينما انتفض العالم الإسلامي ضد الرسوم المسيئة للنبي، وكذا التصريحات المسيئة للإسلام من قبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون؛ كانت النخب والمثقفون السعوديون والإماراتيون يتصدرون المشهد دفاعاً عن فرنسا، بل ويوجهون هجوماً على أنقرة بالوقوف وراء افتعال أزمة بين المسلمين وباريس على ضوء الحوادث الأخيرة في فرنسا.

تبرير تصريحات ماكرون

لم يكن التبرير الذي قام به بعض الكتاب والسياسيين في السعودية والإمارات لتصريحات ماكرون أمراً غريباً، فقد اعتادت تلك النخب على الدفاع عن كل من يسيء الإسلام، أو من يرتكب جرائم بحق المسلمين.

وبدلاً من حث الناس على مقاطعة البضائع الفرنسية، كما حدث مؤخراً في معظم دول العالم العربي والإسلامي، كان الإعلام السعودي والإماراتي يدعو لمقاطعة البضائع التركية.

وكتب الصحفي السعودي عضوان الأحمري، رئيس تحرير صحيفة "إندبندنت" عربية، قائلاً: إن "تركيا هي العدو الأول للسعودية وأمنها وليست فرنسا"، معتبراً أن الرسوم المسيئة للنبي "تصرف فردي إدانته هو ما يمكن فعله"، متجاهلاً سماح السلطات الفرنسية بنشر تلك الرسومات بشكل واسع.

كما اعتبر هجوم ماكرون وتصريحاته "رد فعل طبيعياً على جريمة وحشية ارتكبها إرهابي أهوج"، مضيفاً: "مقاطعة تركيا مستمرة، والذين يحاولون صرف النظر عنها وتخفيف أثرها بحرف البوصلة نحو باريس لن ينجحوا".

فيما برر الكاتب السعودي تركي الحمد تصريحات ماكرون ضد الإسلام قائلاً: "نعم.. ماكرون شن حملة على الإسلام السياسي وليس الإسلام، ولكن الإخوان يريدونها حملة على الإسلام ككل".

وأكمل قائلاً: "هناك خلط واضح بين الإسلام وفكر البنا وقطب، وهذا غير صحيح.. الإخوان يريدون احتكار الإسلام؛ ففرنسا فتحت لهم أبواب الهجرة، فكيف تتنكر لهم؟".

أما الإماراتي عبد الخالق عبد الله، المستشار السابق لولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، فوصف ما حدث من مقاطعة لمنتجات فرنسا بأنها "حملة الإخوان ضد حرب فرنسا المحقة على الغلو والتطرف"، زاعماً أنها "ليست مخلصة لوجه الله، وليست دفاعاً عن الإسلام، بل هي متاجرة بالدين".

رئيس مركز أبوظبي للغة العربية (يتبع لدائرة الثقافة والسياحة) علي بن تميم، وهو أكاديمي وإعلامي إماراتي، قال إنه يدعم مقاطعة تركيا "التي أساءت إلى إرث الرسالة المحمدية وتراث العرب والمسلمين".

وأضاف: "لا بل ألف لا لحملة مقاطعة المنتجات الفرنسية؛ لأن فرنسا سعت دون كلل ولا ملل إلى عدم الارتهان للجماعات الإسلاموية المتطرفة التي تريد احتكار الصواب ونشر الاحتراب بالزيف والسراب وفتاوى الإرهاب".

خطاب ليس جديداً

يقول المحلل السياسي محمود علوش إن هذا الخطاب من قبل النخب السعودية والإماراتية "ليس جديداً على دول المنطقة"، مشيراً إلى أنه كان موجوداً في الماضي لكن بدرجة أقل.

وأشار في حديثه لـ"الخليج أونلاين" إلى أن خطاب اليوم "بات أكثر جرأة في التعبير عن رأيه؛ لأن الظروف السياسية والاجتماعية تغيرت، لا سيما في دول الخليج".

ويعتقد أن سبب قوة هذا الخطاب وحضوره يأتي انطلاقاً من "مقاربته لهذه القضايا من العداء للإسلام السياسي"، مؤكداً أن "هذا الخطاب يساعده في شيطنة أي تعاطف داخل مجتمعاته مع هذه القضايا؛ لأنه يرى في ذلك دعماً للإسلام السياسي".

ويرى أن هذا الخطاب "لا يمثل شخصيات أصحابه بقدر ما يعبر عن حالة سياسية واجتماعية برزت في المنطقة بعد 2011؛ كردة فعل على بروز تيارات الإسلام السياسي في أعقاب ما يعرف بالربيع العربي".

وأضاف: "معركة هذا الخطاب اليوم هي مع الإسلام السياسي بالدرجة الأولى، وهذا الخطاب يرى أن جماعات الإسلام السياسي توظف القضايا الإسلامية لخدمة مشروعها. لذلك يلجأ إلى زرع مفاهيم جديدة لدى مجتمعاته المحافظة ترتكز على نزع القدسية عن تلك القضايا".

مشاركة وسائل الإعلام

لم يتوقف الأمر عند النخب السياسية والصحفيين، بل شاركت وسائل إعلام تمولها الحكومات الرسمية في السعودية والإمارات، حيث خصصت قنوات الدولتين، وفي مقدمتها "سكاي نيوز عربية" الإماراتية، و"العربية السعودية"، تغطيات للنيل من حملة المقاطعة لمنتجات فرنسا.

واعتبرت "سكاي نيوز"، في تقرير لها (24 أكتوبر 2020)، أن "حملة مقاطعة البضائع الفرنسية بدا من الجهات التي تدعم الحملة وتروج لها أنها ترتبط بأنقرة وحلفائها من الإخوان للتشويش على الحملة التي تستهدف مقاطعة البضائع التركية".

وأضافت: "لكن نظرة فاحصة للحسابات الناشطة لهذه الحملة تظهر أنها مرتبطة بقطر وتركيا وتنظيم الإخوان، حيث أمطرت فرنسا بالهجمات، حيث لعبت هذه الهجمات الكلامية على العاطفة الدينية لتأجيج مشاعر الغضب ضد فرنسا وتحويلها إلى دعوة لقبول المنتجات التركية كبديل مسلم للمنتجات الفرنسية".

أما قناة "العربية السعودية" فقد نشرت تقريراً يدافع عن الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون، وقالت إنه يتبنى رأياً "لحماية فرنسا من التطرف".

ولم تتوقف القناة عند ذلك فقط، بل حولت هجومها نحو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ونشرت تقارير ومقالات تتحدث عن أهمية استمرار مقاطعة المنتجات التركية.

سياسة رسمية

وكان ماكرون قال خلال حفل تأبين المعلم صامويل باتي، الذي قتل وقطع رأسه في أحد شوارع العاصمة باريس: إن "صامويل باتي قتل لأن الإسلاميين يريدون الاستحواذ على مستقبلنا، ويعرفون أنهم لن يحصلوا على مرادهم بوجود أبطال مطمئني النفس مثله"، مضيفاً: "لن نتخلى عن الرسومات والكاريكاتيرات وإن تقهقر البعض".

الإعلامي اليمني ناصر الزهيري يقول إن ما تصدره النخب السياسة والإعلامية ووسائل الإعلام في دول الخليج يدل على "ما تريده الأنظمة في إيصاله للشعوب".

ويقول لـ"الخليج أونلاين": "يكذب من يقول إن هذا التوجه فردي، بل هو عمل منظم يدار من داخل الأنظمة في هذه البلدان، التي ترغب في القضاء على ما يمت بصلة للإسلام السياسي المعتدل كما نراه في تركيا".

وأضاف: "نحن أمام حكام يريدون أن تصبح الشعوب أبواقاً لها لتنفيذ ما تريده لا ما تريده الشعوب، وقد رأوا في الإعلام والنخب التابعة لهم الحل الوحيد لتحقيق ما يريدونه".

ويعتقد في حديثه أن الكثير من تلك الشعوب، "خصوصاً في الإمارات والسعودية، أصبحت تتلقف ما تقوله وسائل الإعلام، وأصبح لديها قبول لكل ما قد يقال لها، وهذا هو الأسوأ مستقبلاً".

ليست المرة الأولى

لم يكن الخطاب الموجه ضد تركيا أو ضد دولة مسلمة هو الأول؛ ففي سبتمبر 2020، وتحديداً مع إعلان التطبيع الإماراتي والبحريني مع "إسرائيل"، خرجت أصوات تهاجم الفلسطينيين؛ لرفضهم ذلك التطبيع.

وكان لافتاً ما قاله الأمير بندر بن سلطان، السفير السعودي السابق في واشنطن، في 5 أكتوبر 2020، بأن حديث القيادات الفلسطينية بعد اتفاق الإمارات والبحرين مع "إسرائيل" كان "مؤلماً ومتدنِّياً".

وأشار إلى أن "تجرُّؤ القيادات الفلسطينية على دول الخليج غير مقبول، ومرفوض"، مضيفاً: إن "القيادات الفلسطينية تستخدم مصطلحات التخوين بسهولة، وهذه سُنَّتهم في تعامُل بعضهم مع بعض"، على حد زعمه.

ولم يتوقف الأمر عند ذلك، فخلال السنوات الماضية تعرض مسلمو الروهينغا في السعودية للاحتجاز في السجون، فيما طلب من البقية العودة إلى بلادهم التي رفضتهم.

وامتلأت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بالتشويه بحقهم، واتهامهم بالمشاركة في محاولات لقلب الحكم، وكتب أحدهم قائلاً: "الروهينغا #البورماويون الفارون بدينهم إلى مكة يخططون ويتوعدون بالانقلاب في السعودية، والخروج للميادين والتظاهرات والمطالبة بحقوقهم المزعومة، هؤلاء من يدعمهم الاخوان وخلايا عزمي".

وقال آخر: "جاءوا واستوطنوا ولن يرحلوا طواعية، لكن لا بد من ترحيلهم بوضع خطة قصيرة المدى لتنظيف البلد منهم، وأيضاً تطبيق الرسوم عليهم أسوة بالجنسيات الأخرى".