الخليج أونلاين-
لم تكن اتفاقية التبادل التكنولوجي بين الإمارات و"إسرائيل"، وما سبقها من تعاون في مجال مكافحة كورونا، سوى مقدمة لإعلان اتفاق رسمي بين البلدين، لتضرب أبوظبي عرض الحائط بشبه إجماع عربي وإسلامي على رفض التطبيع مع دولة تحتل أراضي عربية.
وخلال أكثر من 10 سنواتٍ مضت، لم تترك أبوظبي باباً للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي إلا طرقته، وأقامت علاقات سرية كان يجري الكشف عن بعض تفاصيلها بين الحين والآخر، قبل أن تنضم إليها لاحقاً البحرين والسودان، لتصبح 5 دول عربية مطبعة مع "إسرائيل".
وفي وقتٍ تشتد فيه المعارضة العربية لخطط "إسرائيل" لضم أجزاء من الضفة الغربية، وذلك بموجب خطة سلام أمريكية (صفقة القرن)، سارعت الإمارات والبحرين والسودان لعقد اتفاق سلام مع "إسرائيل"، لتُنهي الدول الثلاث مبادرة عربية طرحتها السعودية عام 2002، وتمسَّك بها الفلسطينيون والعرب كخطة لحل الصراع مع دولة الاحتلال تحت اسم "مبادرة السلام العربية"، في وقتٍ قالت فيه واشنطن إن المبادرة العربية "لم تعد ضرورية".
اتفاق الإمارات و"إسرائيل"
ويبدو أن إعلان الإمارات التي تزعمت المطبعين الجدد عقد اتفاق مع دولة الاحتلال لم يكن مفاجئاً لمعظم العرب، بعدما تولَّد لديهم خلال السنوات الأخيرة، اعتقاد بأن التطبيع أصبح مفضوحاً ويجري بالمجالات كافة.
في الـ13 من أغسطس 2020، أعلن البيت الأبيض إتمام اتفاق سلامٍ بين دولة الإمارات وحكومة الاحتلال الإسرائيلي، بعد اتصال هاتفي جمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو.
قال بيان إن الأطراف الثلاثة اتفقوا على "تطبيع كامل" للعلاقات بين الإمارات و"إسرائيل"، في حين قال الرئيس الأمريكي إن اتفاق اليوم سيصاغ في شكل اتفاقية خلال فترة قريبة، فيما أطلِقَ عليه اسم "اتفاق أبراهام".
وغرّد ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، قائلاً: "تم الاتفاق على إيقاف ضم إسرائيل للأراضي الفلسطينية. كما اتفقت الإمارات وإسرائيل على وضع خارطة طريق نحو تدشين التعاون المشترك وصولاً إلى علاقات ثنائية".
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تعليقاً على الاتفاق مع الإمارات: "إنه يوم تاريخي"، لكنه لاحقاً نفى إلغاء خطط الضم، وقال إنه تم تأجيله فحسب.
ومنذ إعلان التطبيع بين أبوظبي و"تل أبيب"، اجتمعت وفود من الإمارات و"إسرائيل"، وأبرمت سلسلة اتفاقيات ثنائية تتعلق بقطاعات الاستثمار والسياحة والرحلات الجوية المباشرة والأمن والاتصالات والتكنولوجيا والطاقة والرعاية الصحية والثقافة والبيئة، والرياضة وإنشاء سفارات متبادلة، وإعفاء متبادل من التأشيرها وغيرها من المجالات.
مبادرة السلام العربية
ومع إعلان الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي يمكن القول إن مبادرة السلام العربية التي اقترحها السعوديون، في مارس 2002، لحل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، باتت في عداد الموتى، بتأكيد أمريكي.
كانت بنود تلك المبادرة بسيطة: "ستقيم الدول العربية علاقاتٍ دبلوماسية كاملة مع إسرائيل مقابل قيام دولة فلسطينية على طول حدود الأراضي المحتلة منذ عام 1967"، وهو ما لم يحصل حتى اليوم ولا تسمح به "إسرائيل".
ورغم أن المبادرة كانت تذكر اسم "التطبيع العربي مع إسرائيل"، فإنها ربطت ذلك بالانسحاب الكامل، وتشير بالنص إلى أن الأراضي المقصودة في هذه القضية تشمل هضبة الجولان السورية، كما أنها تحدد إطاراً لتسوية عادلة لمسألة اللاجئين، ومطالبتها "إسرائيل" بأن تقبل بـ"حل عادل" لقضية اللاجئين الفلسطينيين يجري "الاتفاق" عليه، وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194.
والقرار الأممي ينص على العودة الطوعية، واستعادة الممتلكات، وأن التعويض يجب أن يوفر إطار العمل للاتفاق مع "إسرائيل".
لكن الولايات المتحدة الأمريكية قالت، في 26 أكتوبر 2020، إن مبادرة السلام العربية التي اقترحتها السعودية عام 2002 "لم تعد ضرورية"؛ في ظل تصاعد موجة التطبيع العربي مع "إسرائيل".
وقالت كيلي كرافت، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، الاثنين، في جلسة استماع لمجلس الأمن بشأن وضع السلام في الشرق الأوسط: إن "تجربة (الرئيس الأمريكي دونالد) ترامب أدت إلى السلام، ورؤيتنا ممكنة، وقمنا بالكثير من العمل لتقديم خطة السلام، وهي مليئة بالتفاصيل".
وأضافت: "لم تعد هناك حاجة للمبادرة العربية لعام 2002. صفقة القرن فتحت آفاقاً جديدة أمام الفلسطينيين".
رفض مبكر للمبادرة
بعد مرور 18 عاماً، يبدو أن مصير مبادرة السلام العربية الفشل، بعد خطوات قامت بها عدة دول عربية مع "إسرائيل"؛ من ضمنها السعودية صاحبة المبادرة، والتي كان قد أعلن ولي عهدها محمد بن سلمان، في مارس 2018، أن على الفلسطينيين "قبول السلام" أو الصمت، وقوله: إن "القضية الفلسطينية لم تعد أولويةً للمملكة، بسبب القضايا الأكثر إلحاحاً في المنطقة".
ويرى الكاتب والباحث المصري ياسر عبد العزيز، أن الإمارات أعطت ظهرها في وقت مبكر للمبادرة العربية التي اقترحتها السعودية وللإجماع العربي، مشيراً إلى أن إعلان اليوم "هو بمثابة الكشف عن الزواج الرسمي بين الإمارات وإسرائيل، بعد أن كان سرياً خلال الفترة الماضية".
ويقول: "الإمارات لم تكن بعيدة من إسرائيل منذ البداية وكانت من أوائل الدول التي طبَّعت معها، حتى وإن كان سرياً في المجال الاقتصادي بشكل كبير وأيضاً المخابراتي، على الرغم من الإجماع العربي على مبادرة الملك عبد الله وما تلاها من اتفاقات عربية"، مشيراً إلى ما أوردته صحيفة "إسرائيل اليوم"، من أن ترامب زار الإمارات مرتين.
وأوضح عبد العزيز في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن الإمارات منذ سنوات طويلة (2003 تقريباً)، مع دخول الأمريكان إلى العراق، "كان لها دور مخابراتي مع إسرائيل، تلاه السلوك الإماراتي الرافض لتحرر الشعوب العربية، لأنها كانت تعلم أن تلك الشعوب رافضة لأي تطبيع مع الكيان الصهيوني، وكانت رأس الحربة في هذا الأمر، لقتل الثورات العربية وبناء تحالفات للثورات المضادة".
مضيفاً: "التطبيع الخليجي له سنوات، لكن الإمارات تخترق هذا الأمر بكل جدية نحو التطبيع الكامل".
وعن مكاسب الطرفين، يقول عبد العزيز: "الإمارات تعتقد أنها تكسب الريادة في الخليج والمنطقة على حساب السعودية الأكبر حجماً وتاريخاً، وتحاول أن يبقى لها ظهر وراءها في صراعها مع تركيا مثلاً، وستكون رأس حربة ضد الإسلام السياسي، وتؤمِّن نفسها وعرشها بتقديم تنازلات كبيرة للكيان الصهيوني".
ويعتقد أن الاتفاق الحالي سيسهم في تنفيذ أمريكا "الناتو العربي"، الذي كان ترامب يعمل عليه منذ سنوات، مشيراً إلى أن "النواة ستكون في الإمارات، ووقتها سنرى بن سلمان تابعاً لمحمد بن زايد، وأصبح نتنياهو يمسك بالخليج عبر بن زايد".
من السر إلى العلن
خلال الأعوام الخمسة الماضية تحديداً، بدأت دولة الاحتلال تتحدث علناً عن علاقات غير مسبوقة مع دول عربية وخليجية، ومع الإمارات تحديداً، وتم تبادل الزيارات السرية والعلنية.
في نوفمبر 2015، بعد أن فتحت تل أبيب ممثلية دبلوماسية لدى وكالة الأمم المتحدة للطاقة المتجددة "إيرينا"، أكدت أبوظبي أن أي اتفاقيات بين "إسرائيل" والوكالة لا تمثل أي تغيير في موقف الإمارات وعلاقاتها بدولة الاحتلال.
وفي 31 يناير الماضي، شارك وزير خارجية الإمارات، عبد الله بن زايد، مقالاً يدعو الفلسطينيين إلى عدم رفض "صفقة القرن"، وأعاد على حسابه بـ"تويتر" نشر مقال غربي يحمل عنوان "الفلسطينيون يخسرون في كل مرة يقولون فيها لا".
وكان السفير الإماراتي في واشنطن، يوسف العتيبة، واحداً من بين ثلاثة سفراء عرب حضروا المؤتمر الصحفي الذي أعلن فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أواخر يناير الماضي، تصوُّره لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي عبر "صفقة القرن".
وفي خضم أزمة فيروس كورونا أرسلت الإمارات، في مايو الماضي، مساعدات طبية إلى السلطة الفلسطينية عبر مطار "بن غوريون" الإسرائيلي، وقد رفضت السلطة تسلُّمها؛ لأنها تمَّت بالترتيب مع سلطة الاحتلال، ودون تنسيق، إلا أنها عادت بعد أيام وأرسلت طائرة أخرى.
كما شهد مايو ويونيو 2020، أكبر التحركات بين الجانبين؛ حيث أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في 25 يونيو، أن "تل أبيب" ستوقع اتفاقاً مع الإمارات بشأن التعاون لمحاربة فيروس كورونا.
وقررت البحرين، منتصف سبتمبر، تطبيع علاقاتهما مع "إسرائيل"، في خطوة قوبلت بانتقادات فلسطينية حادة.
وفي أكتوبر 2020، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عن إقامة السودان اتفاق سلام مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، لتصبح خامس دولة عربية بعد البحرين والإمارات ومصر والأردن.
تشجيع لاتفاقات أخرى
يعتقد المحلل السياسي الفلسطيني وسام عفيفة، أن الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي "لم يكن مفاجئاً؛ لوجود علاقات سرية واسعة وكثير من المعطيات التي كانت تشير إلى وجود خطوات تمهيدية".
وشارك عفيفة ما طرحه ياسر عبد العزيز، من مشاركة بين البلدين منذ وقت مبكر في ملفات أمنية وتقنية "ورؤية موحدة تجاه كثير من القضايا، خصوصاً الحركات الإسلامية والموقف من إيران والأزمات الداخلية واللعب على التناقضات في الخليج".
وعن المبادرة العربية التي طرحتها السعودية، يقول عفيفة لـ"الخليج أونلاين": إن هذه الخطوة "تعد ضربة لكل المواقف العربية والمبادرات خلال سنوات مضت".
وأشار إلى أن تصريحات بن زايد بأن بلاده "تعد جزءاً من ثلاثي سيعمل على إعادة صياغة الشرق الأوسط مع أمريكا وإسرائيل، تعني أنها غير منضوية مع أي إطار عربي للتعاطي مع دولة الاحتلال، ولا ترى أنها ملزمة بالتعاطي مع الممثل الرسمي الفلسطيني وتدير ظهرها للسلطة الفلسطينية".
وأضاف: "هذه خطوة استباقية لأي خطوة مستقبلية تجاه الملف الإيراني والسوري والليبي والجنوب اليمني".
وسخِر عفيفة من إعلان رفض الإمارات لخطة الضم الإسرائيلية، قائلاً: "الإمارات أساساً مرَّت إلى هذا التطبيع عبر القضية الفلسطينية، وادعاء أن الخطوة جاءت لوقف هذا الضم، وهذا المصطلح، يؤكد أنه محاولة تجميل للصورة، واعتبار الفلسطينيين جسراً للمرور إلى التطبيع كما حدث في طائرات كورونا".
ويعتقد أن هذه الخطوة "محاولة لتشجيع دول عربية وخليجية على المضي نحو الاتفاق مع إسرائيل"، متوقعاً حدوث مثل هذه الخطوات خلال الفترة المقبلة"، معتبراً أن "المبادرة العربية وغيرها من المبادرات قد انتهت".