علاقات » عربي

تحذّبر من “المال السياسي” الإماراتي للتأثير على فلسطينيي الداخل

في 2020/11/01

مركز “مدى الكرمل” للدراسات الاجتماعية-

يوضح تقرير لمركز “مدى الكرمل” للدراسات الاجتماعية التطبيقية أن الفعاليات السياسية الفلسطينية في أراضي 48 قد أكدت رفضها لـ”اتفاق السلام” بين إسرائيل وبين الإمارات لكنها أبقت موقفها من التطبيع غير واضح مرجحة أن تحاول أبو ظبي استخدام المال السياسي لتسويق اتفاقها مع الاحتلال لدى فلسطينيي الداخل.

وعبّرت الأحزاب والهيئات السياسيّة الفلسطينيّة في أراضي 48 عن رفضها للاتّفاق الإسرائيلي الإماراتي، معتبرة أنّه طعنة في ظهر القضيّة الفلسطينيّة، وأنّه يسهم في تعميق الاحتلال الإسرائيليّ.

ويستذكر “مدى الكرمل” أنه في بيانها عبّرت لجنة المتابعة العليا داخل أراضي 48 عن رفضها “الهرولة المشبوهة” لأنظمة عربيّة في اتّجاه التطبيع مع المؤسّسة الإسرائيليّة، ورفضها أيّ تجاوز لحقوق شعبنا الفلسطينيّ الثابتة والمعترَف بها دوليًّا، بما في ذلك تجاوز أنظمة عربيّة للمبادرة العربيّة”.

وأوضحت لجنة المتابعة في بيانها أنّه “لا خصومة بين الشعب الفلسطينيّ وبين أيّ من الشعوب العربيّة الشقيقة، إنّما ننظر إلى أشقّائنا كشركاء في دفع الظلم والاحتلال التي يعانيها الشعب الفلسطينيّ، نيابة عن الأمّة كلّها لأنّ حدود المشروع الصهيونيّ الإمبرياليّ لا تتوقّف عند حدود فلسطين”.

واستنكرت المتابعة “إقامة علاقات بين دولة الإمارات وإسرائيل برعاية أمريكيّة”، مشيرة إلى أنّ هذا الاتّفاق سوف تتبعه “خطوات مشابهة قد يقوم بها أيّ نظام عربيّ آخر على حساب حقوق الشعب الفلسطينيّ”.

هدية مجانية

وأدان حزب التجمّع الوطنيّ الديمقراطيّ الاتّفاق فيه بشدّة، واعتبره هديّة مجّانيّة للاحتلال والاستيطان والاقتلاع والتهويد والعدوان، وطعنة في ظهر الشعب الفلسطينيّ والأمّة العربيّة.

وتابع “هذا القرار يشجّع إسرائيل على المضيّ في سياساتها القائمة، لأنّه يفتح أمامها الباب للتطبيع مع العالم العربيّ مع بقاء الاحتلال واستمرار التنكّر للحقوق التاريخيّة المشروعة للشعب الفلسطينيّ. وبدل المساهمة في حصار نظام الاحتلال، انضمّت الإمارات رسميًّا إلى إسرائيل ضدّ فلسطين، ووضعت نفسها في معسكر أعداء الشعب الفلسطينيّ”.

وأشار التجمّع في بيانه إلى أنّ الخطوة الإماراتيّة “جاءت بانسجام كامل مع الإدارة الأمريكيّة وفي إطار تطبيق صفقة القرن التصفويّة، التي تشمل “تطبيع العلاقات مع العالم العربيّ”، مبينا أنّ مشروع الضمّ لم يُلغَ، بل أُجّل إلى حين، بطلب من الولايات المتّحدة بغية تسهيل عقْد الاتّفاقيّة مع الإمارات وغيرها، ليعاد بعدها إلى التطبيق كما صرّح نتنياهو بصريح العبارة في مؤتمره الصحافيّ، الذي تباهى فيه أنّه فرض معادلة “السلام مقابل السلام”، وأنّه لا حاجة لإنهاء الاحتلال للتوصّل إلى اتّفاقيّات سلام مع الدول العربيّة.

وحسب تقرير “مدى الكرمل” اعتبرت الحركة الإسلاميّة في الداخل الفلسطينيّ الاتّفاق بين الإمارات وإسرائيل محاولة جديدة للالتفاف على حقوق الشعب الفلسطينيّ في وطنه، لاعتبارات تخدم أَجِنْدات مشبوهة وباطلة. وأكّدت الحركة الإسلاميّة أنّ حقّ الشعب الفلسطينيّ في وطنه بالحرّيّة والعدالة والاستقلال لا تستطيع كلّ اتّفاقات التطبيع المشبوهة إلغاءه أو اختزاله أو إضعافه، مشدِّدة على أنّه حقّ يستند إلى عقيدة ربّانيّة، وهُويّة وطنيّة وانتماء قوميّ، وكرامة إنسانيّة، وحقّ طبيعيّ، وتاريخ طويل من الشهود الحضاريّ، والرباط والتضحيات.

مواقف مخزية

وأضافت الحركة الإسلاميّة في بيانها: “كان الأجدر بحكّام الإمارات أن يصلحوا مواقفهم المخزية تجاه قضيّة شعبنا الفلسطينيّ، ويدعموا حقوقه، وأن يعزّزوا موقف قيادة الشعب الفلسطينيّ، وأن يدخلوا من الأبواب الشرعيّة للوطن فلسطين”.

واعتبر الحزب الشيوعيّ الإسرائيليّ والجبهة الديمقراطيّة للسلام والمساواة أنّ الإعلان عن اتّفاق ثلاثيّ بين الولايات المتّحدة والإمارات وإسرائيل يأتي في إطار تطبيق “صفقة القرن” وضرب حقّ تقرير مصير الشعب الفلسطينيّ. كما اعتبر الحزب والجبهة أنّ هذه الخطوة تأتي الآن لخدمة ترامب ونتنياهو المأزومَيْن، وكأنّها خطوة نحو السلام في المنطقة، بينما هي في حقيقة الأمر خطوة نحو ترسيخ الاحتلال والاستيطان ومنع قيام دولة فلسطينيّة في حدود العام 1967.

ولفتا إلى “أنّ العلاقات بين أنظمة الخليج وإسرائيل ليست جديدة، ولكن انتقالها إلى هذا السفور يؤكّد طبيعة المخطّطات الإمبرياليّة لإعادة ترتيب الأوراق الإقليميّة ومحاصَرة القوى المقاوِمة للهيمنة الأمريكيّة – الإسرائيليّة على المنطقة. ويؤكّد الحزب الشيوعي والجبهة أنّ مفتاح السلام في المنطقة هو كنس الاحتلال الإسرائيليّ وإقامة الدولة الفلسطينيّة وعاصمتها القدس الشرقيّة وعودة اللاجئين حسب قرارات الأمم المتّحدة”.

كذلك استنكرت القائمة المشتركة الاتّفاق وقالت إنه في الوقت الذي نسعى فيه إلى تعزيز العلاقات بين جماهيرنا العربيّة في الداخل وامتدادنا العربيّ في المشرق والمغرب، فإنّنا نطرح موقفًا سياسيًّا يعارض ويناقض خطّة “صفقة القرن” التي تمّ الإشارة إليها في مقدّمة الاتّفاق عبر الإشارة إليها في ما سُمّي “صفقة القرن” التي تشكّل مشروعًا واضحًا في معاداته لحقوق الشعب الفلسطينيّ وحقّه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلّة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشريف، وعودة اللاجئين طبقًا للشرعيّة الدوليّة وقرارات الأمم المتّحدة التي أيّدتها منظّمة التحرير الفلسطينيّة عبر إنهاء الاحتلال وإزالة المستوطنات، بل وذهب ترامـﭖ في خطّته إلى بند يتحدّث عن تبادل سكّانيّ وجغرافيّ لمنطقة المثلّث التي يقطنها مواطنون عرب فلسطينيّون يحملون الجنسيّة الإسرائيليّة”.

وأصدر حزب الوفاء والإصلاح بيانًا ضدّ الاتّفاق موضّحًا فيه “أنّ إعلان التطبيع الكامل للعلاقات بين النظام الحاكم لدولة الإمارات والجانب الإسرائيليّ هو سمٌّ وطعنة غادرة في ظهر القضيّة الفلسطينيّة وهديّة بالمجّان للجانب الإسرائيليّ. وتابع “هذا الإعلان لم يكن مفاجئًا، بل هو إخراج للعلن لحالة الاندلاق والهرولة نحو الجانب الإسرائيليّ والتي تنتاب بعض الأنظمة العربيّة منذ زمن بعيد، في حين أنّ الجانب الإسرائيليّ لم يزدد إلّا تغوّلًا واحتلالًا”.

كما أصدرت الحركة العربيّة للتغيير بيانًا استنكرت فيه الاتّفاق، جاء فيه: “هذه الاتّفاقيّة تتعارض مع اتّفاقيّة السلام العربيّة التي اشترطت انسحابًا كاملًا من الأراضي العربيّة المحتلّة مقابل أيّ اتّفاقيّة كهذه”.

تداعيات الاتّفاق على الفلسطينيّين في إسرائيل

وفي إطار الحديث عن تداعيات وتأثيرات الاتّفاق الإسرائيليّ الإماراتيّ على الفلسطينيّين في إسرائيل من جوانب عديدة، اقتصاديّة، سياسيّة وثقافيّة يرى “مدى الكرمل” أنه يكون وقع هذه التداعيات متفاوتا بحدّتها وكثافتها واستمرارها. ويرى “مدى الكرمل” أنه على عكس السلام مع مصر والأردن، الاتفاق مع الإمارات يحمل إعلانًا عن تطبيعٍ جارٍ بين الدولتين.

ويضيف “في مصر والأردن، عارض المجتمع المدنيّ التطبيع مع إسرائيل، فضلًا عن أنّ غالبيّة الأحزاب السياسيّة في البلدَيْن كانت لها مواقف معارضة للتطبيع مع إسرائيل. واتّخذ المجتمع المدنيّ في كلتا الدولتَيْن مواقف مندّدة بكلّ محاولة تطبيع مع إسرائيل، شمل مقاطعة المطبّعين من بلدانهم. سمح الحيّز السياسيّ المفتوح والمتوافر للمجتمع المدنيّ والأحزاب والمثقّفين في البلدَيْن بالتعبير عن معارضة التطبيع مع إسرائيل، واستمرّ الموقف السياسيّ من القضيّة الفلسطينيّة موقفًا ثابتًا وداعمًا ومناصرًا للقضيّة الفلسطينيّة، رافضًا للخطاب والسرديّة الإسرائيليَّيْن بشأن الصراع”.

في نطاق هذه المقارنة يعتبر “مدى الكرمل” أيضا أنه إضافة إلى كلّ ذلك، البَلَدان لم يملكا قدرة اقتصاديّة للاستثمار في الخارج، فضلًا عن أنّ العلاقات الاقتصاديّة بين العرب في إسرائيل وهذه الدول محدودة جدًّا، بل إنّ العلاقات التجاريّة بين إسرائيل من جهة، والأردن ومصر من جهة أخرى، هي أصلًا محدودة.

الصعيد الاقتصادي

وبرأيه فإن على الصعيد الاقتصاديّ، قد يؤدّي الاتّفاق إلى استثمار إماراتيّ في المجتمع الفلسطينيّ عبْر دعم مَرافق حياتيّة في البلدات العربيّة، فضلًا عن فتح السوق الإماراتيّ لدخول رجال الأعمال العرب للاستثمار هناك وبناء شراكات اقتصاديّة مع شركات محلّيّة.

ويستذكر أن العلاقات الاقتصاديّة كانت قائمة قبل الاتّفاق، ولكنّها كانت- في الأساس- لشركات إسرائيليّة يهوديّة؛ فقبل الاتّفاق عمل في الإمارات ما يربو عن 500 شركة إسرائيليّة، استثماريّة وزراعيّة وأمنيّة وغيرها، من خلال وزارة الخارجيّة الإسرائيليّة وبمساعدتها، ومن خلال وكالات تابعة للأمم المتّحدة كوكالة الطاقة النوويّة.

ويرجح التقرير أن يكون البعد الاقتصاديّ للاتّفاق المدخلَ الرئيسيّ الذي من خلاله سوف يندمج العرب الفلسطينيين في الداخل بالتطبيع مع الإمارات، إذ يندرج ذلك ضمن المنظومة النيو – ليبرالية الإسرائيليّة التي تتيح ذلك، وما كان لها من تداعيات اجتماعيّة على إعلاء شأن المشروع الفرديّ في المجتمع بمعزل عن المشروع السياسيّ الجماعيّ، الغائب حاليًّا في الحقل السياسيّ الفلسطينيّ.

منح ومساعدات

وضمن تقرير “مدى الكرمل” يشير الباحث الاقتصاديّ دكتور سامي ميعاري أنّ مجال الاستثمار الإماراتيّ في إسرائيل سيكون بالأساس في مجال التكنولوجيا والسايبر. ويتابع “وإذا انطلقنا من هذه المقولة، فإنّ العلاقات الاقتصاديّة بين المجتمع الفلسطينيّ في إسرائيل والإمارات سيكون محدودًا؛ وذلك لمحدوديّة هذا القِطاع في المجتمع الفلسطينيّ، ممّا يعظّم من إمكانيّة أن يكون ثمّة استثمار إماراتيّ على هيئة مِنح ومساعدات للمجتمع العربيّ، وذلك بغية تدعيم مكانة الإمارات وتسويق أهمّيّة الاتّفاق في وعي الفلسطينيّين.

ويضيف ميعاري “إذًا، يمكن القول إنّ الاتّفاق سوف يؤدّي إلى محاولة من الإمارات لتسويق نفسها في المجتمع الفلسطينيّ عبْر الاستثمار في المجتمع لا لأهداف اقتصاديّة فحسب، وإنّما لأهداف سياسيّة تركّز على تعظيم أهمّيّة الاتّفاق ودَوْره في تقديم خدمات للمجتمع الفلسطينيّ، المفقودة بسبب التمييز البنيويّ والسياساتيّ الإسرائيلي من طرف الدولة تجاه المجتمع الفلسطينيّ، مرجحا أن هذا قد يُنتِج طبقة من المستفيدين من مؤسّسات مجتمع أهليّ، وسلطات محلّيّة، وحتّى رجال أعمال، سوف تكون متشابكة مع هذا الدعم. وبما أنّ الإمارات هي دولة لا تهدف من الدعم إلى الدفع بقيم سياسيّة أو عالميّة متنورة (كحقوق الإنسان ودعم الأقلّيّات -على سبيل المثال)، فإنّ هذا الدعم سيكون مشروطًا بتسويق أهمّيّة الاتّفاق في صفوف المجتمع الفلسطينيّ وإنتاج نخبة تدافع عنه.

مال سياسي

ويقول ميعاري إنه على المستوى السياسيّ، قد يسهم الاتّفاق في محاولة الإمارات التدخّل في المشهد السياسيّ الفلسطينيّ، بغية التأثير عليه. وقد يجري ذلك من خلال استقطاب شخصيّات ودعمها بالمال، في سبيل طرح خطاب وأَجِنْدات سياسيّة لا تتماهى مع الخطاب السياسيّ الفلسطينيّ في الداخل حول قضايا تحظى بإجماع سياسيّ، فضلًا عن السعي إلى استقطاب حركات وأحزاب سياسيّة قائمة في سبيل التأثير عليها ودعمها ابتغاءَ تعزيز التعاون والتطبيع في إطار الاتّفاق الإماراتيّ الإسرائيليّ.

وبرأي ميعاير سيكون فتح مجال التعاون الثقافيّ والفنّيّ والعلميّ أمام الفلسطينيّين مَدخلًا مُهِمًّا نحو دفعهم لتطبيع الاتّفاق. لكنه ينبه أن ذلك لا يعني أنّه لم يكن تعاونا سابقا في هذه المجالات، ولكنّه كان تعاونَ ما قبل الاتّفاق وكجزء من تواصل الفلسطينيّين في إسرائيل مع المحيط العربيّ.

ويعتبر أن الاتّفاق يزجّ هذا الموروث من التعاون ضمن محور التطبيع، وسوف يشكّل تحدّيًا أمام النُّخَب الفلسطينيّة في هذا الشأن، وما سوف يدور حول ذلك من سجال عامّ، وهو يطرح أمام هذه النُّخَب السؤال التالي: هل تقبل الاستمرار في التعاون، وبخاصّة في المجالَيْن الفنّيّ والعلميّ كما كان في السابق، وإنْ على نحوٍ محدود وانتقائيّ، أم سوف ترى في ذلك جزءًا من التطبيع، ولا سيّما أنّ التعاون سيكون مفتوحًا بعد إلغاء تأشيرات السفر بين إسرائيل والإمارات؟

بين معارضة الاتّفاق والتطبيع

ويخلص تقرير “مدى الكرمل” للقول إنه لا رَيْبَ أنّ هذا الموضوع يحتاج إلى المزيد من البحث والدراسة المعمّقة التي لا تستطيع هذه الورقة الإحاطة بها، فضلًا عن تبيان مواقف الرأي العامّ الفلسطينيّ في الداخل من الاتّفاق.

ويبيِّن التقرير أنّه ثمّة معارضة للاتّفاق من الناحية السياسيّة، لأنّه يضرّ بالقضيّة الفلسطينيّة ويزيد من توغُّل السياسات الاستعماريّة الإسرائيليّة في فلسطين. بَيْدَ أنّ سؤال التطبيع غير واضح، ولم يظهر في بيانات الأحزاب والهيئات السياسيّة، والمقصود طرح الموقف من التطبيع مع الإمارات في إطار هذا الاتّفاق. ويتابع “إذ لم يجرِ بعد توضيح الموقف من هذه المسألة، وهو ما سوف يزيد من الضبابيّة على مستوى المواقف والسلوكيّات للجمهور الفلسطينيّ في الداخل من هذه المسألة”.