مايكل هورتون/ ريسبونسبل ستيتكرافت - ترجمة الخليج الجدد-
مرت 6 سنوات منذ أن بدأ التحالف الذي تقوده السعودية عملية عسكرية في اليمن أطلق عليها "عاصفة الحسم"، ومع ذلك، لم تحقق المملكة وشركاؤها شيئا حاسما في اليمن، عدا تعزيز وضع الحوثيين.
كان الهدف الأساسي للحملة، التي كان من المخطط أن تستمر أسابيع فقط، هو طرد الحوثيين من العاصمة اليمنية صنعاء التي استولوا عليها في سبتمبر/أيلول 2014، واستعادة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا شكلًا من أشكال النفوذ.
ولكن، بدلا من إضعاف الحوثيين، فإن التدخل السعودي في اليمن عزز الحوثيين سياسيا وعسكريا. وفي الوقت نفسه، تعمقت علاقة الحوثيين مع إيران بعد أن كانت محدودة.
وكما يحدث غالبًا مع التدخلات المسلحة، فإن عملية "عاصفة الحسم" أنشأت حلقات مفرغة خطيرة من الأفعال وردود الأفعال، ولن يتم كسر هذه الحلقات المفرغة إلا بمقاربات غير عسكرية.
مراجعة ضرورية
أدركت الإمارات الحاجة إلى مقاربات جديدة وبدأت إعادة معايرة لسياساتها في اليمن والمنطقة الأوسع، حيث سحبت معظم قواتها المسلحة من اليمن في عام 2019 وقللت من تورطها الواضح في اليمن، بالرغم أنها لا تزال منخرطة بعمق في جنوب اليمن.
ويجب على السعودية، أن تحذو حذو الإمارات، وأن تتخذ نهجًا أكثر واقعية لتحقيق أهدافها في اليمن، حيث تمتلك السعودية كل من الوسائل والمعرفة المؤسسية اللازمة لتغيير العديد من الدوائر المفرغة التي تسبب فيها تدخلها الحالي وسياساتها السابقة.
قبل تدخل السعودية في عام 2015، كانت المخاوف السعودية الرئيسية بالنسبة لليمن تتمثل في أمن الحدود وضمان ألا يمثل اليمن المكتظ بالسكان والديموقراطي نسبيًا أي تهديد أوسع.
ومنذ ما يقرب من 50 عاما، حققت السعودية هذه الأهداف إلى حد كبير -على حساب المصالح اليمنية في كثير من الأحيان- من خلال اتباع نهج دقيق ومتناسب مع السياق وغير مكلف للتعامل مع اليمن.
وإذا كانت السعودية تريد تخليص نفسها من المستنقع اليمني، فيجب أن تستبدل التدخل العسكري بانخراط دبلوماسي واقتصادي مع طيف من أصحاب المصلحة اليمنيين، أما إذا واصلت السعودية تدخلها المسلح، فإنها تخاطر بجعل المشاكل التي تواجهها في اليمن أكثر تعقيدا.
استمرار الحرب يغذي الحوثيين
وتتمثل أحد أكبر هذه المشاكل في تطوير الحوثيين لمجموعة من الطائرات المسيرة والصواريخ بمساعدة تقنية من إيران، حيث رد الحوثيون على الهجمات الجوية السعودية المستمرة على المناطق التي يسيطرون عليها باستخدام الصواريخ والطائرات المسيرة المسلحة المنتجة محليًا، لضرب أهداف داخل السعودية.
كما أثبت الحوثيون أيضا مهارتهم في تنفيذ هجمات عبر الحدود في أعماق الأراضي السعودية، حيث يستخدمون غالبا طائرات مسيرة للمراقبة يتم إطلاقها يدويًا، لتوجّه مقاتليهم لتخطي العقبات والوصول للأهداف.
وفي حين لعبت إيران دورا في برامج الصواريخ والطائرات المسيرة، إلا أن الحوثيين أنفسهم قاموا بالكثير من الابتكار.
فعندما استولى الحوثيون على معظم شمال غرب اليمن في 2014 و2015، استوعبوا أفضل المهندسين والضباط الذين كانوا في الجيش اليمني والقوات الجوية اليمنية، حيث اعتاد هؤلاء الأفراد الذين كانوا متعلمين ومدربين في الخارج، على صيانة أنظمة الأسلحة المعقدة نسبيا بقطع غيار وميزانيات محدودة. وبالتالي، أدت روح الارتجال والإبداع الاضطراري إلى دفع جهود هؤلاء الضباط الذين كانوا مكلفين بصيانة أنظمة الأسلحة اليمنية.
وأدى التدخل الذي تقوده السعودية إلى إعطاء قوة دفع كبيرة لجهود الحوثيين لتطوير أسلحة قادرة على ضرب الأهداف السعودية، حتى لو كانت أهدافًا رمزية.
وفي مثال مذهل على مصطلح "ديموقراطية الإبداع"، للبروفيسور "إريك فون هيبل"، فإن الحوثيين استفادوا من سهولة الوصول إلى الإنترنت من أجل التطوير التقني والطباعة ثلاثية الأبعاد، وتطوير برمجيات الكمبيوتر المتقدمة.
وانضمت هذه العوامل للقاعدة المعرفية الصلبة، وأنظمة الأسلحة المتوفرة بالفعل، والمخابئ، والمكونات المهربة من إيران، لتسمح للحوثيين ببناء مجموعة من الأسلحة تعزز تكتيكات الحرب غير المتكافئة.
وفي الوقت نفسه، يقوم الأفراد الذين يبنون الأسلحة ويستخدمونها، بصقل تصاميمهم باستمرار اعتمادًا على الدروس المستفادة من الهجمات الفاشلة والناجحة.
ويتمتع الحوثيون بالخفة والمهارة العسكرية، وقد طورا أنفسهم من أجل البقاء مثلما يحدث مع كل مجموعات حرب العصابات، فقد خاض الحوثيون 6 حروب مع الجيش اليمني من 2004-2010 وانتصروا إلى حد كبير، أما الجيش السعودي فلم يتكيف ولم يطور طرقا جديدة تسمح له بمكافحة الحوثيين.
تنطبق استراتيجية " Boydian OODA" الناجحة على الحوثيين، وهو مصطلح وضعه كولونيل أمريكي، لاستراتيجية يتفوق فيها طرف ما بسبب استجابته للأحداث بشكل أسرع من الخصم.
ومن غير المرجح أن يتغير هذا الوضع، بالنظر إلى قدرة الحوثيين على الاستفادة من حقيقة أنهم يقاتلون على أرضهم، كما إن طائراتهم المسيرة غير المكلفة والمتطورة، تعزز أفضليتهم كمؤسسة عسكرية خفيفة وقادرة على التأقلم ومتقدمة بسرعة.
وأظهرت 6 سنوات من الحرب أنه لا السعودية (التي تدعمها الولايات المتحدة) ولا الإمارات ووكلاؤها يمكن أن يهزموا الحوثيين عسكريا. ولا يؤدي التدخل العسكري إلا إلى دفع الحوثيين إلى مزيد من التفوق في ما يجيدونه وهو القتال.
ويبدو أن إدارة "بايدن" تفهم هذا وتطبق الضغط بعناية على المملكة لتجرب مقاربات مختلفة لوضع نهاية للحرب في اليمن.
آفاق الحل
يجب على الولايات المتحدة أن تقدم النصائح للسعودية في كيفية مساعدة نفسها، وهناك الكثيرون من داخل الحكومة السعودية ممن لديهم الخبرة والعلاقات المطلوبة مع النخب اليمنية، بما يكفي للمساعدة في تحقيق الاستقرار في اليمن وإنهاء جولات العنف.
وإذا عادت السعودية إلى هذا النوع من السياسة التي استخدمتها سابقًا في اليمن، فقد تستعيد المملكة ببطء بعض النفوذ الذي كان لديها. وفي حين أن السياسات السعودية السابقة في اليمن كانت متمحورة حول المصالح السعودية فحسب، إلا أنها كانت أفضل من اعتمادها الحالي على الحل العسكري.
وبما أن السعودية والإمارات قوى إقليمية مهمة، فسوف يكون لديهما دور تلعبانه في أي مستقبل ينتظر اليمن، ومع ذلك، تعتمد هذه الأدوار على الاعتراف بأن الحوثيين سيكون لهم دور أيضًا.
لكن عدم الاعتراف بهذا الأمر والفشل في التحول من صنع الحرب إلى صنع السلام سيضمن استمرار جولات العنف والابتكار المدمر لدى الحوثيين، مع عواقب وخيمة على اليمن والمنطقة.