محمد القاسم/ ذا ميديا لاين - ترجمة الخليج الجديد-
تشير التحركات الأخيرة للسعودية إلى تحول كبير في سياستها الخارجية حيث تحاول إعادة ضبط نهجها الإقليمي وعلاقاتها مع جيرانها، ويتجلى ذلك في اللقاءات الأخيرة مع مسؤولين في النظام السوري.
كما استضافت بغداد مؤخرا اجتماعات ضمت مسؤولين من كل من السعودية وإيران على أمل نزع فتيل التوتر بينهما، بالرغم أن السعودية تنظر إلى النفوذ الإيراني المتنامي في المنطقة باعتباره تهديدًا لأمنها القومي.
وقد لعبت إيران ووكيلها اللبناني "حزب الله"، دورًا رئيسيًا في إنقاذ النظام السوري من الانهيار.
ولا يقتصر هذا التحول على السعودية، حيث تعيد تركيا أيضًا تقييم سياستها الخارجية وبدأت في إصلاح العلاقات مع القاهرة والرياض.
وتشهد العلاقات بين تركيا ومصر دفئًا بطيئًا بعد أكثر من 7 سنوات من التوتر الذي بدأ مع إطاحة الجيش المصري بالرئيس الراحل "محمد مرسي" في يوليو/تموز 2013.
التقارب ليس مفاجأة
وخلال الأيام الماضية، جرى لقاء بين مسؤولين بالمخابرات السعودية والسورية في دمشق، وسط توقعات باستئناف العلاقات بين البلدين.
ويعتبر ذلك أول اجتماع معروف من نوعه منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية.
وقال "جورجيو كافييرو"، الرئيس التنفيذي لمؤسسة "جالف ستيت أناليتكس"، وهي مؤسسة استشارية للمخاطر الجيوسياسية مقرها في واشنطن، إنه لم يتفاجأ بالتطور الأخير.
وأضاف: "يجب أن يكون السعوديون براجماتيين في تعاملهم مع سوريا. من الواضح جدا أن النظام في دمشق ليس على وشك السقوط وأعتقد أن السعودية أصبحت متصالحة بشكل أساسي مع حقيقة أنه لا مفر من التحرك باتجاه نوع من التقارب مع سوريا".
وبالرغم من الرفض الغربي للتعامل مع نظام "الأسد"، فإن المزيد من الدول العربية تتقدم ببطء نحو إعادة العلاقات مع سوريا.
وقال "كافييرو": "من المهم أن ندرك أن نظام الأسد قد أثبت انتصاره على الأرض في وقت عمّقت فيه السعودية علاقتها مع روسيا، وعدلت المملكة موقفها تجاه سوريا، محتفظة بدعمها للمعارضة رسميًا، دون أن يعني ذلك الكثير من الناحية العملية".
نفوذ إيران دافع رئيسي
أدى غياب معظم الدول العربية عن الصراع السوري إلى خلق فراغ في النفوذ وسمح للقوى الدولية والإقليمية الأخرى بتأسيس موطئ قدم لها في سوريا.
ويمكن أن يُعزى التحول الأخير إلى تصميم الرياض على وقف توسع النفوذ الإيراني.
وحاليا، يفكر ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" في كيفية كسب حلفاء إيران لصالحه، ويستكشف كيفية التأكيد على القواسم العربية المشتركة مع أمثال الحوثيين و"الأسد"، في محاولة لاستبدال الروابط الطائفية التي تربطهم بإيران، وبالتالي إضعاف نفوذ طهران.
ولا يمكن إغفال الانزعاج السعودي من الإدارة الأمريكية الجديدة.
وربما يتطلع "بن سلمان" أيضًا إلى تعميق العلاقات مع روسيا في الوقت الذي تزداد فيه خيبة أمل الرياض من واشنطن، ومن المرجح أن يؤدي الانخراط مع سوريا إلى تعزيز العلاقات والتعاون السعودي الروسي.
ومع تراجع حدة القتال، تسيطر قوات "الأسد" الآن على أكثر من 60% من أراضي البلاد، ولا يبدو أن "الأسد" سيتخلى عن السلطة بعد 10 سنوات من الصراع في سوريا.
وفي ظل الدمار الهائل الذي سببته الحرب في البلاد، يبدو إن إعادة إعمار سوريا ستتطلب مبلغًا هائلاً من المال.
وقال "كافييرو": "علينا أن نضع في اعتبارنا أن سوريا في حاجة ماسة إلى إعادة الإعمار وإعادة التطوير وأن النظام السوري سيطلب المساعدة من دول الخليج الثرية، لذا فهذه بالتأكيد ورقة يمكن للسعودية اللعب بها في مرحلة ما.
وسيكون "الأسد" أيضًا قادرًا على الضغط على واشنطن بشكل غير مباشر من خلال أبوظبي والرياض، وذلك لرفع العقوبات كي يتمكن بالتالي من الوصول إلى الأموال التي تعرضها دول الخليج لإعادة إعمار سوريا.
ومع ذلك، قد يكون الثمن هو التنازل عن بعض الأراضي لحلفاء الولايات المتحدة (الأكراد) وإنشاء كيان مشابه لكردستان العراق.
المصالحة قادمة
علقت الجامعة العربية عضوية سوريا قبل 9 سنوات، لكن الدلائل تشير إلى إعادة قبول سوريا.
وتصر الجزائر على إعادة دمج سوريا في جامعة الدول العربية، وقد أعادت الإمارات العلاقات مع "الأسد" في إطار سعيها لاحتواء النفوذ التركي.
وأعادت الإمارات (حليفة السعودية) فتح سفارتها في دمشق في ديسمبر/كانون الأول 2019 في محاولة لإعادة التواصل مع سوريا، مما خلق دفعة دبلوماسية لـ"الأسد".
ورغم الخلافات العميقة، فإن كافة الدلائل تشير إلى أن السعودية تتجه نحو المصالحة مع النظام السوري.