متابعات-
لا تتوقف الدبلوماسية الكويتية عن تحركاتها المستمرة لإنهاء الأزمات الخليجية والعربية والدولية، وفقاً لمبدأ احترام سيادة الدول وخصوصيتها، وهي التي نجحت قبل أشهرٍ قليلة في إنهاء أكبر أزمة شهدتها المنطقة متمثلة بالأزمة الخليجية، مطلع العام الجاري.
وتمر المنطقة العربية بأسوأ حالاتها، مع اتساع الأزمات الحالية فيها، بداية بحرب اليمن التي تشارك فيها دولة خليجية ممثلة بالسعودية التي تدعم الحكومة الشرعية في قتال الحوثيين، مروراً بالأزمة السورية، إضافة لأزمة سد النهضة الإثيوبي التي تؤثر على مصر والسودان، وصولاً إلى المغرب العربي حيث أزمة ليبيا، والأزمة الجديدة بين المغرب والجزائر.
ويقع على عاتق الكويت حالياً مهمة جديدة تتمثل في إمكانية تحريك دبلوماسيتها في حل مثل هذه الأزمات، خصوصاً مع توليها رئاسة الدورة الـ156 لمجلس الجامعة العربية، حيث عرفت الكويت بدبلوماسيتها الكبيرة التي نجحت في تقريب وجهات النظر في قضايا مختلفة سابقاً، فهل تنجح في مهمة إنهاء أزماتٍ عربية جديدة؟
الكويت والقضايا العربية
خلال كلمة له أثناء تسلم بلاده رئاسة الدورة الـ156 لمجلس الجامعة العربية، في 9 سبتمبر 2021 من دولة قطر، أكد وزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح أن بلاده تدعم المبادرة السعودية لإيجاد حل سلمي للأزمة اليمنية.
وقال الوزير الكويتي في كلمة له: "إن الكويت تدين الاعتداءات التي تستهدف السعودية بالطائرات المسيرة والصواريخ من مليشيا الحوثي"، مشدداً على أن الأمن القومي السعودي "جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي، ويجب علينا التفكير في مستقبل العمل العربي المشترك".
وحول القضية الفلسطينية أكد وزير الخارجية الكويتي أنها ستبقى القضية المركزية للدول العربية، مشدداً على دعم بلاده لخيارات الشعب الفلسطيني لنيل حقوقه المشروعة.
ودعا إلى إحياء عملية السلام في فلسطين، وحث الأطراف الدولية لإطلاق المفاوضات في هذا الصدد.
وفي أزمة سد النهضة أكد وزير الخارجية الكويتي دعم بلاده لمصر والسودان في حل الأزمة، ورفضها أي إجراء أحادي يمس أمنهما المائي، مبيناً أن أمن البلدين المائي جزء من الأمن العربي.
كما عبر عن دعم الكويت للحكومة العراقية في جهودها لإقامة الانتخابات التشريعية المرتقبة من أجل ضمان وإرساء الاستقرار.
أزمة اليمن
ركزت الكويت خلال السنوات الماضية على الوضع في اليمن، وأدت دور الوسيط أيضاً، إذ حاولت عام 2016 التوسط في حرب اليمن عبر استضافة محادثات استمرت لأشهر خلال الفترة (أبريل – أغسطس 2016)، ولكنها لم تتمكن من سد الفجوات بين أطراف الصراع.
ونسقت الكويت من كثب مع الأمم المتحدة ومع المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، كما ركزت على الملف اليمني خلال عضويتها في مجلس الأمن، عامي 2018 و2019.
ومع أول تصريحٍ لوزير الخارجية الكويتي عقب تولي بلاده رئاسة الدورة الجديدة للجامعة العربية، كانت واضحة أقواله التي تؤكد ضرورة إيجاد حل للأزمة اليمنية التي دخلت عامها السابع من دون حلول.
وتنص المبادرة السعودية، التي تحدث عنها الوزير الكويتي وجدد تأكيد دعم بلاده لها، على وقف شامل لإطلاق النار في اليمن تحت مراقبة الأمم المتحدة، مع بدء وقف إطلاق النار "بمجرد موافقة الحوثيين على المبادرة".
وهذه المبادرة طرحها وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، في مارس الماضي، حيث قال يومها إن تحالف دعم الشرعية سيسمح بـ"إعادة فتح مطار صنعاء لعدد محدد من الوجهات الإقليمية والدولية المباشرة".
وأشار إلى أن المبادرة السعودية تتضمن إعادة إطلاق المحادثات السياسية لإنهاء أزمة اليمن.
الأزمة السورية
وفيما يتعلق بأزمة سوريا لا يزال موقف الكويت ثابتاً من هذه الأزمة، حيث تدعو إلى "حلها من خلال القنوات السياسية السلمية، استناداً لبيان جنيف لعام 2012، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وبالأخص القرار رقم 2254".
ويتعلق الأمر الآن داخل الجامعة بمقعد سوريا، الملعقة عضويتها منذ نوفمبر 2011، بعد المجازر والقمع العسكري من جانب نظام بشار الأسد للاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في مارس من العام نفسه، وبقي المقعد السوري شاغراً في كل الاجتماعات، ما عدا اجتماع القمة في 2013، عندما شغل المقعد الائتلاف المعارض.
وتضع الجامعة العربية شروطاً تراها "بسيطة"، إضافة إلى تحفُّظات بعض الدول على عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وتتعلق تلك برؤية الدول العربية موقفاً واضحاً من النظام السوري فيما يتعلق بالتسوية السياسية وتقليص علاقته مع إيران.
ومن الشروط المطروحة "إلغاء الإجراءات التي تتعلق بعودة النازحين إلى ديارهم، وإعفاء المطلوبين للخدمة العسكرية، وإجراءات بسيطة أخرى تشمل ما يسمى باللجنة الدستورية".
وفي المقابل تحدد الجامعة العربية شرطاً من أعضائها يتمثل في "وجود توافق بين الدول العربية يسمح بعودة النظام السوري لشغل المقعد".
أزمات المغرب العربي
في الأزمة الليبية كان واضحاً التحرك الدبلوماسي الكويتي مؤخراً، بعد زيارة قام بها وزير خارجية الكويت الصباح، مطلع مايو الماضي، إلى العاصمة الليبية طرابلس، حيث أجرى مباحثات مع رئيس الحكومة الليبية، عبد الحميد الدبيبة، ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، حيث تعد الزيارة الأولى التي يجريها مسؤول كويتي إلى طرابلس منذ سنوات.
وقبل هذه الزيارة كان رئيس الوزراء الليبي عبد الحميد الدبيبة قد دشن، في 7 أبريل 2021، جولة خليجية استهلها بزيارة للكويت، حيث التقى أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الصباح، ورئيس الحكومة الشيخ صباح الخالد، وبحث معهما تعزيز العلاقات بين البلدين في ظل المرحلة السياسية الجديدة.
وكانت دولة الكويت تقف على الحياد إلى حد بعيد، ولم تعلن انحيازاً لأي طرف (حكومة طرابلس، وقوات اللواء المتمرد خليفة حفتر)، غير أنها أعلنت، نهاية العام الماضي، عزمها حشد تحرك خليجي لحل الأزمة الليبية وغيرها من الأزمات التي تهدد مستقبل المنطقة.
أما فيما يتعلق بالأزمة الجزائرية - المغربية، فقد أجرى وزير خارجية الكويت اتصالين هاتفيين مع نظيره المغربي ناصر بوريطة، والجزائري رمطان لعمامرة، وذلك تزامناً مع الأزمة المشتعلة بين البلدين الجارين.
وأفادت وكالة الأنباء الكويتية الرسمية، في 31 أغسطس الماضي، بأن وزير خارجيتها أجرى اتصالين بنظيريه المغربي والجزائري، تطرقا إلى "العلاقات الثنائية المتينة، وآخر المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية".
ولم يتطرق الاتصالان صراحة إلى أزمة قطع العلاقات بين المغرب والجزائر، فيما لم يصدر عن البلدين أي تفاصيل بخصوصهما.
وفي 24 أغسطس الماضي، أعلن لعمامرة قطع بلاده العلاقات الدبلوماسية مع المغرب؛ بسبب ما سماه "خطواتها العدائية المتتالية"، فيما أعربت الرباط عن أسفها جراء تلك الخطوة، ووصفت مبرراتها بـ"الزائفة".
سياسة الحياد
الباحث والكاتب السياسي المصري ياسر عبد العزيز شدد على دبلوماسية الكويت وانتهاجها سياسة الحياد إلى حد كبير، منذ انتهاء الغزو العراقي للكويت، واحترامها لسيادة كل الدول المحيطة بها إقليمياً ودولياً.
ويوضح "عبد العزيز" في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "حدثت ثورات وانقلابات في عدة دول، ولم تتدخل الكويت بالشؤون الداخلية للدول، وتراعي دائماً موقفها مع الشعوب، خصوصاً في المنطقة، بغض النظر عن الأنظمة".
ويضيف قائلاً: إن "الكويت تتمسك بالشرعية الدولية على أسس القانون الدولي الذي ترعاه الدول الخمس الكبرى في العالم، ولا تحاول أن تقحم نفسها في أي نزاعات، سواء في المنطقة أو في العالم".
ويرى أن هذه المواقف والسياسات جعلت جميع الدول تحترم الكويت، سواء عربياً أو دولياً"، مضيفاً: "تحاول أن تنتهج نهجاً ليبرالياً نوعاً ما في الحرية، وهذا ما أهلها لتؤدي أدواراً في السابق وحالياً في بعض النزاعات في المنطقة، كما هو الحال مع إيران، إذ إنها كسلطنة عُمان في تعاملها مع طهران، حيث تؤدي مسقط دور حمامة السلام وجسر التواصل بين الأطراف المتنازعة".
وفيما يتعلق بوصول الكويت لمنصب قيادة الجامعة العربية في دورتها الحالية يقول لـ"الخليج أونلاين": "يمكن أن يعطي الجامعة العربية زخماً كبيراً"؛ إلا أنه يشير إلى أن "آليات الجامعة العربية لا تسمح للكويت بالحرية بشكل قوي لكي تقدم خدمة حقيقية في حل النزاعات العربية"، فضلاً عن هيمنة بعض الدول على قرار الجامعة، "وهو ما يعطل دور الكويت بأداء هذه المهمة".
وإلى جانب ذلك فإنه يرى أن وجود الجامعة العربية على أرض القاهرة "يحد من إمكانيات الكويت عما يمكن أن تقوم به".
ويستدرك قائلاً: "لكن الكويت بدورها والأمير الجديد الذي يحمل إرث سلفه الراحل قد تنجح أيضاً في حل أزماتٍ أخرى"، خاصة أن للدولة الخليجية أدواراً مهمة في التقارب بين الشعوب العربية كالأزمة الخليجية، التي طويت صفحتها بين دول المقاطعة وقطر بفضل الوساطة الكويتية.
وتابع: "الكويت لها علاقات مفتوحة نوعاً ما مع الإيرانيين، الذين يحركون الحوثيين في اليمن، ومن ثم من ممكن أن تستفيد منه السعودية في وقف هجمات الحوثيين على أراضيها، إضافة إلى التواصل مع الأطراف اليمنية لحل الأزمة مع سعي المجتمع نحو ذلك".
وتابع: "الإرادة الدولية تسعى لحل هذه الأزمة؛ لأنه أصبح من غير المقبول لدى العالم موضوع ضرب مصافي النفط في السعودية، والذي يعرقل إنتاج النفط ويرفع الأسعار، والعالم غير مستحمل هذا الأمر بعد الظروف الصعبة بسبب أزمة كورونا".
وفيما يتعلق بالأزمة في سوريا يرى أن هذا الأمر أصعب مما يحدث في اليمن، مرجعاً ذلك إلى عدد الأطراف الفاعلة على الأرض، كروسيا والولايات المتحدة وتركيا وإيران وغيرها.
ويعتقد أن روسيا بإمكانها الجلوس مع الكويت لحل بعض القضايا في سوريا، إلا أنه يجدد تأكيد أن ما يحدث في سوريا "أعمق وأعقد مما يحدث في اليمن لتداخل كثير من الأطراف".
بدوره يؤمن المحلل والباحث السياسي أن الوضع في ليبيا "يمكن أن يأخذ منحى آخر تماماً، حيث إن الأمم المتحدة قد تحل هذا الموضوع، وهناك أطراف متعددة لكن معظمها داخلية؛ بتداخل من الإماراتيين والفرنسيين.
ويقول أيضاً: "فرنسا لها علاقة جيدة جداً مع الكويت، وهو ما قد يخفف الحمل قليلاً"، محذراً بالوقت نفسه من أطماع فرنسا في ليبيا وفي وسط وغرب أفريقيا.
وإلى الجوار حيث المغرب والجزائر، الذي يراه الباحث المصري "قديماً وعميقاً ومتجذراً"، إلا أنه لا يستبعد أن تتمكن الكويت من خلال الجامعة العربية من حل هذه الأزمة "لو فتح لها المجال"، مشيراً إلى أن "الجامعة العربية وقراراتها وإرادتها مخطوفة".
وفي حال لم تتح الجامعة للكويت مساحة للتحرك فإن الدولة الخليجية -وفق عبد العزيز- بإمكانها عقد "جلسات تشاورية أو على الأقل استكشافية ما بين الطرفين لتهدئة الأوضاع فيما بينهما، لا سيما أن الفترة الأخيرة تصاعدت حدة التلاسن".