الخليج أونلاين-
بالتزامن مع تصاعد وتيرة إعادة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين الإمارات وسوريا، بحث وزير الاقتصاد الإماراتي عبد الله بن طوق مع نظيره في النظام السوري محمد سامر الخليل، إعادة تشكيل وتفعيل مجلس رجال الأعمال المشترك.
وشهدت العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية في الفترات الأخيرة بين النظام السوري وبعض الدول العربية عودة تدريجية، سبقها انقطاع استمر لأكثر من 10 أعوام، منذ انطلاق الثورة السورية عام 2011 وما أعقبها من أحداث وحرب دامية.
لقاءات وتواصل
أعلنت وزارة اقتصاد النظام السوري، في 3 أكتوبر 2021، أن وزير الاقتصاد السوري التقى نظيره الإماراتي، وجرى الاتفاق على تشجيع التبادل التجاري والاستثمار والتعاون على الصعيد الاقتصادي بين سوريا والإمارات، وذلك على هامش أعمال المعرض الدولي "إكسبو 2020" في دبي.
وأضافت الوزارة أن "الخليل" قدم عرضاً لنظيره الإماراتي لقانون الاستثمار، "الذي يؤمّن بيئة استثمارية مناسبة وجاذبة في مرحلة التعافي وإعادة الإعمار، وتشجع المستثمرين على إقامة المشاريع في كل المجالات".
وفي هذا الشأن أكدت الوكالة الناطقة باسم النظام السوري "سانا"، أن المباحثات التي عُقدت بين الوزيرين، ناقشت القضايا الاقتصادية ذات الاهتمام المشترك، من بينها الاتفاق على إعادة تشكيل وتفعيل مجلس رجال الأعمال السوري الإماراتي بهدف تشجيع التبادل التجاري والاستثمار والتعاون على الصعيد الاقتصادي بين البلدين.
كما التقى وزير الطاقة والبنية التحتية الإماراتي سهيل المزروعي مع وزير الموارد المائية بالنظام السوري تمّام رعد، في 22 سبتمبر 2021، بإمارة دبي على هامش اجتماعات المنتدى العربي الخامس للمياه، وجرت مباحثات لتعزيز التعاون المشترك في مختلف المجالات، خاصةً ملفي المياه والطاقة.
ولفت المزروعي خلال اللقاء إلى أن "الإمارات تؤمن بالعمل العربي المشترك، لا سيما في قطاع المياه"، وقال إنها ترحب بالقيام بما يلزم لنقل التجربة الإماراتية في مجال خصخصة القطاعات الحيوية وتبادل الخبرات وتقديم الدعم للمشروعات الاستثمارية في دمشق.
وبحسب وكالة "سانا" السورية، فإن المزروعي أكد أن "الإمارات مستعدة للمساهمة في إعادة إعمار سوريا بهدف تعزيز التنمية وعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الحرب المستمرة منذ 10 سنوات".
بدوره قال "رعد" إن نظام الأسد لا يزال يدعم مشروعات الري وتقديم المياه لسقاية المحاصيل الزراعية مجاناً رغم التخريب الكبير الذي طال البنى التحتية، مضيفاً: إن الحكومة "تواصل بناء السدود وشبكات الري، كما تشرف على قطاع مياه الشرب وتدعمه بالكامل".
وفي 27 مارس 2020، جرى اتصال هاتفي بين ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد وبشار الأسد؛ لبحث مستجدات وتداعيات انتشار فيروس كورونا في المنطقة والعالم والإجراءات والتدابير الاحترازية المتخذة في البلدين للتصدي لهذا الوباء.
وأكد "بن زايد" دعم الإمارات لسوريا للتغلب على هذا الوباء، كما رحب "الأسد" بمبادرة بن زايد، مثمناً "موقف الإمارات في ظل ما تشهده المنطقة والعالم من هذا التحدي المستجد"، بحسب ما أعلنه الحساب الرسمي لرئاسة الجمهورية السورية.
عودة بعد توتر
شهدت العلاقات بين دولة الإمارات وسوريا انقطاعاً منذ فبراير عام 2012، بعد تطورات الثورة السورية، وتصاعد قمع المظاهرات التي كانت تطالب بتغيير نظام الأسد، والتي تحولت إلى حرب دامية ومعارك عسكرية استمرت لسنوات طويلة.
وأعلنت السلطات الإماراتية استعدادها لاستئناف الرحلات الجوية بين البلاد والعاصمة السورية دمشق عبر مطاري دبي والشارقة، في 20 يونيو 2021.
وأعلنت دول عربية عديدة مؤخراً استئناف رحلاتها الجوية مع دمشق، أبرزها العراق وسلطنة عُمان والبحرين، بعد قطيعة عربية أعقبت الأزمة المستمرة في سوريا، منذ أكثر من 10 أعوام.
وتعد دولة الإمارات من أوائل الدول العربية التي أعادت افتتاح سفارتها في دمشق، وذلك في ديسمبر 2018.
تقارب متسارع
يرى الباحث في الشأن السياسي والإقليمي العربي، هاني الجمل، أن من أسباب عودة التقارب الإماراتي السوري في الوقت الراهن "رغبة الإمارات في كسر قانون قيصر الذي فرض حصاراً على النظام السوري، مما جعله في محك مع الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا".
وبحسب "الجمل" فإن الإمارات كانت من أوائل الدول فتحاً لسفارتها في دمشق؛ لتفعيل وعودة التواصل بين النظام السوري وبقية الدول.
ويشير إلى دعم الإمارات محاولات التصالح بين القوى الموجودة على الأراضي السورية، كما قامت بدعم بعض الفصائل "المعتدلة" لإعادة الحوار السياسي الداخلي وتأهيل النظام.
ويوضح أن المحاولات الإماراتية تهدف إلى أن يكون "رئيس النظام بشار الأسد من ضمن هذه المعادلة دون إقصاء أحد على حساب آخر، ومحاولة إعادة مقعد سوريا في جامعة الدول العربية بعد تعليقها"
ولا يستبعد الباحث السياسي احتمالية أن يقع هذا التصالح "ضمن محاولة الإمارات إبعاد اتفاقات إيران مع سوريا، حيث لدى الإمارات عدة مشاكل مع طهران، بشكل كبير، سواء لاحتلالها بعض الجزر الإماراتية أو لتهديد أمن الخليج بشكل عام".
وفي السياق ذاته، يشير الجمل إلى "دور الإمارات في خلق سبل اتصال جديدة مع إيران بوساطة سورية لحل هذه المعوقات والمشاكل بين البلدين وتخفيف الضغط".
أبعاد اقتصادية
وكانت الإمارات قبل عام 2011، ثاني أكبر مستثمر عربي بسوريا، لاسيما في قطاع المجمعات العقارية والسياحية، وتشير تقارير إلى أن القيمة الإجمالية لاستثماراتها ناهزت 20 مليار دولار في حلول العام 2011.
وتشير التقارير إلى أن الإمارات كانت أكبر مصدر للاستثمار الأجنبي المباشر داخل سوريا، خلال العقد الأول من القرن الحالي، حيث بلغ حجم التجارة بين البلدين عام 2009 نحو 322 مليون دولار، وذلك جعل سوريا في المرتبة الـ58 بمجال التبادل التجاري غير النفطي للإمارات مع بلدان أخرى.
من المعلوم أن الامارات من الدول العربية التي تمتلك أنظمة اقتصادية متنوعة وآليات سوق حرة؛ وبالتالي مع "إكسبو دبي"، الذي كان محفلاً للتلاقي الاقتصادي فإنه -بحسب الجمل- كان حدثاً مهماً لإبرام العقود الاقتصادية.
ويوضح أن إعادة بناء سوريا من العقود الكبرى التي حاولت الدول تفعيلها والعمل بها بالتعاون وبوساطة إماراتية، لإعادة سوريا كما كانت من حيث العلاقات السياسية والاقتصادية، وفق قوله.
تفاعل تويتر
وكان الاجتماع الأخير بين وزير اقتصاد البلدين (الإمارات وسوريا) ومباحثات إعادة تشكيل وتفعيل مجلس رجال الأعمال المشترك، قد لاقى تفاعلاً في مواقع التواصل الاجتماعي.
وكتب الباحث الأول بمركز الجزيرة للدراسات والأبحاث د. لقاء مكي: "أقرأ شعوراً بالمرارة عند السوريين من إعادة تأهيل بشار الأسد عربياً. أتفهم تماماً هذه المشاعر، لأني خضتها من قبل في العراق، ووجدت اليأس يتسرب للناس من جدوى المقاومة أو الثورة. نعم مصالح الدول تغلب، والقوة تقهر، لكن ثورتكم لم تفشل، وكل الترتيبات المقبلة ستكون بدون الأسد".
بدوره تهكم المحلل السياسي والمعارض السوري بسام جعارة، على بحث النظامين الإماراتي والسوري "تفعيل مجلس رجال الأعمال المشترك".
من جانبه علق الدبلوماسي المتقاعد أحمد حيدر الغامدي وقال: "خير مثال يجسد السياسة العربية هي مواقفها تجاه سوريا؛ فنلاحظ أنها سياسة لا استراتيجية لها ولا مصالح تحكمها أو مبادئ"
وأضاف في تغريدة على تويتر: "فبداية كانت داعمة لبشار ثم انعكست 180درجة بمشاركة التحالف بالحرب عليه وتجميد عضوية سوريا الأسد بالجامعة العربية، واليوم مسؤولون وقادة عرب يزورونه ويتصلون به ويدعمونه"، في إشارة إلى الاتصال الأخير بين العاهل الأردني ورأس النظام السوري.