متابعات-
يبدو أن تونس تتجه نحو عزلة دولية كبيرة تؤكدها الرسائل الأخيرة الواردة من واشنطن وبروكسل، وينسحب هذا الأمر أيضا على المؤسسات المالية الدولية التي لم تعد تثق بقدرة البلاد على تسديد ديونها مع تواصل الأزمة السياسية وتعطيل أغلب المؤسسات في البلاد في ظل إصرار الرئيس قيس سعيد على الاحتفاظ بجميع السلطات، الأمر الذي يثير مخاوف الغرب من انتكاس الديمقراطية بعد عقد من تخلص البلاد من الديكتاتورية.
وكانت اللجنة الفرعية لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الكونغرس الأمريكي اعتبرت قبل أيام أن الديمقراطية التونسية في خطر في ظل القرارات الأخيرة للرئيس سعيد.
وخلال جلسة افتراضية عقدتها اللجنة بحضور عدد من الخبراء حول “دراسة حالة الديمقراطية في تونس والموقف الأمريكي منها”، قال رئيس اللجنة تيد دويتش “نشعر بقلق بالغ إزاء الإجراءات التي اتخذها الرئيس سعيد، رغم التحركات الإيجابية خلال الأسابيع الماضية”، مشيرا إلى أن عددا من النواب التونسيين ما زالوا رهن الاعتقال بتهم ذات طابع سياسي.
وأكد دويتش استعداد واشنطن لـ “دعم التحول الديمقراطي في تونس وعملية الإصلاح الدستوري”، مؤكدا أن بلاده ترغب بتواصل الاستقرار في هذا البلد.
وكان المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس هنأ، الثلاثاء، تونس على تشكيل حكومة جديدة، معربا عن أمله في إرساء مسار شامل من أجل العودة السريعة للنظام الدستوري في البلاد.
فيما أعلن الاتحاد الأوروبي أنه سيعقد الثلاثاء جلسة خاصة لمناقشة الأوضاع في تونس، معتبرا أن “النظام الديمقراطي التونسي في خطر بسبب عدم الفصل بين السلطات”.
ودعا، في بيان أصدره الجمعة، الرئيس قيس سعيد إلى فتح حوار مع الأحزاب الرئيسية وممثلي المجتمع المدني لإنهاء الأزمة السياسية في تونس، منتقدا إصرار سعيد على الاحتفاظ بجميع السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية.
ورغم ترحيبه بتعيين بودن كأول امرأة على رأس الحكومة، لكنه قال إن سعيد “قلل بشكل كبير من سلطات الحكومة وسيقوم عمليا بإدارتها بنفسه”، محذرا من حدوث صدام بين مؤيدي الرئيس ومعارضيه قد يدفع البلاد نحو الفوضى.
ويبدو أن القلق الغربي لم ينحصر في دوائر السياسة إذ عبرت المؤسسات المالية عن قلقها من الوضع الاقتصادي في تونس، حيث أعلنت وكالة موديز للتصنيف الائتماني، الخميس، خفض التصنيف السيادي لتونس من B3 إلى Caa1، مع نظرة مستقبلية سلبية، مبررة قرارها بـ”ضعف الحوكمة وزيادة عدم اليقين فيما يتعلق بقدرة الحكومة على تنفيذ التدابير التي من شأنها ضمان الوصول المتجدد إلى التمويل لتلبية الاحتياجات المرتفعة على مدى السنوات القليلة المقبلة”.
وجاء القرار بعد أيام من مهاجمة الرئيس قيس سعيد مؤسسات التصنيف الائتماني والمؤسسات المالية الدولية، مؤكدا أن بلاده لا تقبل بأن تكون في موقع التلميذ الذي يتلقى التعليمات من المؤسسات الدولية.
وكتب رفيق عبد السلام القيادي في حركة النهضة “إنه لأمر مؤلم ومؤسف فعلا أن تتدحرج تونس في الترقيم السيادي، وتهتز صورتها في العالم إلى هذا الحد بسبب تعطيل المؤسسات وإلغاء الدستور، بما يقربنا لا قدر الله من حالة لبنانية أو سودانية. التجربة بينت أن الانهيار والتخريب سهل، ولكن السؤال الأهم كيف يمكن الخروج من هذه الهوة العميقة التي تسير نحوها البلاد، بسبب اختلاط الأزمة السياسية بالأزمة الاقتصادية المالية. متى يرتفع صوت الحكمة والعقل ويقول لنا يجب أن نتوقف عن التمادي في هذا العبث المدمر؟”.
وعقب قرار موديز، كشف المدير العام للتمويل والمدفوعات الخارجية في البنك المركزي، عبد الكريم لسود، عن وجود “نقاشات متقدمة جدا مع كل من السعودية والإمارات من أجل تعبئة موارد الدولة، إضافة إلى ضرورة تطوير التعاون الثنائي مع الجزائر”.
وأثارت تصريحات لسود جدلا واسعا في تونس، حيث اتهم سياسيون الرئيس قيس سعيد بالاصطفاف في المحور السعودي الإماراتي، حيث تساءل عصام الشابي الأمين العام للحزب الجمهوري “لماذا السعودية والإمارات تحديدا؟ ألا يشكل هذان البلدان محورا إقليميا؟ وهل سيكون هناك ثمن سياسي لهذه التعبئة؟ فقط أتساءل عن السيادة الوطنية ومحلها من الإعراب في هكذا مشاورات. كل ذلك إذا صح وأن هاتين الدولتين ستقومان فعلا بنجدة الدولة التونسية. ولنا في “دعم” لبنان والسودان أسوة حسنة”.
وقبل أيام حذر خبراء اقتصاديون من إفلاس البلاد التي تعيش أسوأ أزمة مالية منذ عقود، وخاصة في ظل تواصل تدابير الرئيس قيس سعيد، والتي عطلت المؤسسات في ظل الحديث عن توجه عدد من الشركات الأجنبية لمغادرة البلاد.