سلمى حداد - الخليج أونلاين
تملك المملكة العربية السعودية علاقات قوية مع جميع الأطراف السودانية، فقد عملت خلال السنوات الماضية على تقديم دعم مكثف سياسي واقتصادي للسلطة الانتقالية في الخرطوم، وساهمت بشكل كبير في رفع الولايات المتحدة الأمريكية اسم البلاد من قائمة الدول الداعمة للإرهاب.
ويرى مراقبون أنه يمكن للمملكة أن تؤدي دوراً كبيراً في إنهاء أزمة السودان عقب إعلان الجيش السيطرة على مقاليد الحكم، وحل مجلسي "السيادة" والوزراء، ووقف العمل بعدد من بنود الوثيقة الدستورية.
ويعتقد البعض أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قد يعتمدون على نفوذ الرياض في السودان لإنهاء الأزمة القائمة وعودة الحكم للحكومة المدنية الانتقالية.
مباحثات سعودية أمريكية
والأربعاء 27 أكتوبر الجاري، أعلن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، أنه بحث مع نظيره السعودي فيصل بن فرحان، خلال اتصال هتافي، تطورات الأوضاع في السودان، والرد على استيلاء الجيش على السلطة هناك.
وقال بلينكن في تغريدة على "تويتر": "تحدثت اليوم مع وزير الخارجية السعودي حول الرد على الانقلاب العسكري في السودان، بالإضافة إلى قضايا ثنائية مهمة أخرى، بما في ذلك حقوق الإنسان".
كما أوضح بيان للخارجية الأمريكية نقله موقع قناة "الحرة" أن الوزيرين "عبرا عن إدانتهما لاستيلاء الجيش على السلطة في السودان، وتأثيره على استقرار البلاد والمنطقة".
وجدد الوزير الأمريكي، خلال الاتصال الهاتفي مع بن فرحان، دعم الولايات المتحدة لتطلعات الشعب السوداني إلى الديمقراطية، مشدداً على الحاجة إلى العودة الفورية للحكومة الانتقالية التي يقودها المدنيون في السودان.
البرهان يلتقي سفير الرياض
وفي تطور لافت أعلنت القوات المسلحة السودانية، الأربعاء 27 أكتوبر الجاري، أن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان التقى السفير السعودي لدى الخرطوم علي حسن بن جعفر.
وقالت القوات المسلحة في بيان نشرته على صفحتها عبر "فيسبوك": إن "البرهان التقى في مكتبه بن جعفر، ظهر الأربعاء".
وأضافت أن "اللقاء تناول تطورات الأوضاع السياسية بالبلاد، والجهود المبذولة لحل الأزمة من خلال التشاور مع كافة الأطراف ذات الصلة".
وتابعت أن بن جعفر أكد حرص بلاده على تحقيق الاستقرار بالسودان ودعمها لكل ما يؤدي لتحقيق الوفاق بين القوى السياسية.
الموقف السعودي الرسمي
وبالعودة إلى الموقف السعودي من الخطوات التي أعلنها قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، في 24 أكتوبر الجاري، فإن الرياض دعت إلى التهدئة وعدم التصعيد، والحفاظ على المكتسبات السياسية والاقتصادية.
وقالت وزارة الخارجية السعودية، في بيان لها آنذاك: إن "المملكة تتابع بقلق واهتمام بالغ الأحداث الجارية في السودان، داعية إلى أهمية ضبط النفس والتهدئة".
كذلك دعت للحفاظ على كل ما تحقق من مكتسبات سياسية واقتصادية، وكل ما يهدف إلى حماية وحدة الصف بين جميع المكونات السياسية في السودان.
وأكدت المملكة استمرار وقوفها إلى جانب الشعب السوداني، ودعمها لكل ما يحقق الأمن والاستقرار والنماء والازدهار للسودان وشعبه.
وفي قراءة سريعة للموقف السعودي فإنه لم يصطدم مع أي من الأطراف السودانية، وحاول الحفاظ قدر الإمكان على علاقاته مع الجميع، وفي نفس الوقت رفض أي خطوات تقود للفوضى وتعطل استقرار البلاد.
الدور السعودي غير مستبعد
وحول ذلك قال جمال بنون، الكاتب والصحفي السعودي في حديث لمراسلة "الخليج أونلاين": إن "السعودية من حرصها على أن تبقى البلدان العربية في مأمن من أي اضطرابات سياسية تحاول دائماً أن تقف إلى جانب الشرعية".
وأضاف بنون أنه "في حال وجود اضطرابات سياسية في أي بلد عربي تحاول المملكة تقريب وجهات النظر بين المتنازعين".
وتابع: "رغم أنه لم يصدر بيان رسمي من الحكومة السعودية يتحدث عن إمكانية أن تتدخل للصلح بين المتنازعين بالسودان لكن تصريح وزارة الخارجية السعودية أكد أنها تتابع بقلق هذا الأمر، وتأمل أن ينتهي النزاع بشكل مرضٍ لكافة الأطراف، وبما يضمن سلامة البلاد والشعب السوداني والمنطقة".
وأشار بنون إلى أن السعودية سبق لها أن كانت وسيطاً في حل النزاعات والخلافات التي حدثت بكثير من الدول؛ مثل لبنان وأفغانستان، حيث عملت عبر مؤسساتها الدبلوماسية على تقريب وجهات النظر بين أطراف هذه النزاعات.
ولم يستبعد الكاتب السعودي أن يكون هناك دور للرياض في المستقبل لحل النزاع بين الأطراف السودانية.
وقال حول ذلك: "في حال وجدت السعودية أن الأزمة السودانية لم تصل لنتيجة إيجابية، وأن الخرطوم تسير في منحنى خطير يضر باقتصاد السودان والوضع السياسي فيها؛ فربما تلجأ إلى استضافة الأطراف المتنازعة لتقريب وجهات النظر بينها، بما يحقق مصلحة الخرطوم والاستقرار فيها".
وأكد بنون أن "الموقف السعودي من الخرطوم واضح دائماً؛ فهي تدعم ما يخدم مصلحة الشعب السوداني والمصير الذي يقرره".
"إذا طلب منها فستتدخل"
من جانبه يرى الكاتب السياسي السعودي سليمان العقيلي، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن المملكة لا تتدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة لا بطريقة تحديد النظام السياسي ولا سياسات هذه الدول.
وقال العقيلي: إن "السعودية ساعدت من قبل جميع الأنظمة السياسية في الخرطوم، سواء العسكرية أو المدنية، وكانت تتعامل مع السودان كدولة شقيقة بصرف النظر عن طبيعة النظام السياسي، وحتى نظام عمر البشير الذي كان لديها تحفظات على كثير من سياسته تلقى الكثير من المساعدات والعون من الرياض".
وأضاف أن "السياسة التقليدية للمملكة هي عدم التدخل بشؤون أي من الدول الأخرى، لكن إذا طلب من دبلوماسية السعودية بما تملكه من دور سياسي وقيمة ووزن مؤثر وكبير في المنطقة أن تتدخل لجمع شمل الأطراف السودانية، أو أن تدعو إلى طاولة حوار سودانية، فأعتقد أنها لن تتأخر عن ذلك".
وأشار إلى أن الرياض وفرت قبل ذلك حواراً في مكة للأطراف الأفغانية، وأيضاً للأطراف العراقية، إضافة إلى توسطها عبر حوار الطائف بين اللبنانيين.
وفي يونيو الماضي، وقَّع علماء دين من باكستان وأفغانستان الإعلان التاريخي للسلام في أفغانستان.
ونص الإعلان على "الاتفاق لإيجاد حلٍّ نهائي وشامل للنزاع الأفغاني، من خلال دعم عملية المصالحة بين الأطراف المتصارعة في أفغانستان، والوصول بها إلى أرضية مشتركة من الوفاق، بتناول كل القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها من القضايا ذات الصلة، من خلال روح العمل المشترك؛ ليتسنى وقف إراقة الدماء المستمرة في أفغانستان".
وفي سبتمبر 1989، وقعت الأطراف المتنازعة في لبنان بوساطة سعودية على اتفاق الطائف بمدينة الطائف السعودية، منهياً الحرب الأهلية اللبنانية بعد أكثر من 15 عاماً على اندلاعها.
وتابع العقيلي، وهو عضو مجلس إدارة الجمعية السعودية للعلوم السياسية: "المهم أن يكون لدى جميع الأطراف السودانية استعداد للاشتراك في حوار كهذا".
وختم حديثه بالقول: "في تقديري أن السعودية مستعدة لتهيئة كافة الأجواء الإيجابية اللازمة لنجاح مثل هذه اللقاءات يجمع المكون المدني والعسكري، ويعيد القاطرة السودانية إلى السكة التي تحفظ أمن واستقرار الخرطوم".
وفي نظرة سريعة على الدعم السعودي للسودان سياسياً واقتصادياً، خلال السنوات الماضية، يمكن ملاحظة الدور الذي أدته الرياض لمنع انهيار السلطة الانتقالية بالخرطوم ودعم استقرارها.