يوسف حمود - الخليج أونلاين-
على مدار سنواتٍ طويلة اتخذت جامعة الدول العربية مواقف متباينة من الأزمات التي عاشتها الدول العربية، لكنها غالباً لم تتدخل في الخلافات العربية العربية، وأبقت نفسها في الحياد واكتفت بمجرد دعواتها لحل تلك الخلافات.
لكن وبشكل مفاجئ تحركت الجامعة العربية جدياً في الأزمة اللبنانية السعودية الأخيرة التي جاءت على خلفية تصريحات ضد السعودية والإمارات من قبل وزير إعلام حكومة لبنان، ما يثير الاستغراب حول التقدير السياسي لموقف الجامعة من هذه الأزمة وأهميتها الذي دفعها للدخول بشكل مباشر في محاولة لإنهائها.
وتوجه الاتهامات للجامعة العربية بأن دورها في حل الخلافات العربية "سلبي"، لتأتي الأزمة اللبنانية الخليجية لتطرح الجامعة في الواجهة، على أمل أن تستعيد دورها في حل الأزمات داخل البيت العربي الواحد.
الجامعة وأزمة لبنان
مع استمرار تصاعد الأزمة اللبنانية الخليجية وصل الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، حسام زكي، إلى بيروت في زيارة رسمية غير محدودة المدة، يلتقي خلالها المسؤولين في لبنان لبحث الأزمة الدبلوماسية مع السعودية ودول خليجية.
وأعلن زكي، في 8 نوفمبر 2021، أن زيارته إلى بيروت بهدف بذل جهود لتقريب وجهات النظر وحل الأزمة بين لبنان والمملكة العربية السعودية.
وفي مؤتمر صحفي عقده عقب اجتماعه مع الرئيس اللبناني ميشال عون، قال إنه جاء من أجل "الاطلاع على الموقف اللبناني أولاً، بهدف بذل جهد لتقريب وجهات النظر وحل الإشكال مع السعودية".
وأضاف: "المصلحة اللبنانية الخليجية هي هدف جامعة الدول العربية وسبيلنا للتوصل إلى مخرج لهذا الوضع".
ولفت إلى أنه إذا احتاج الأمر إلى زيارة للسعودية فإنه سيقوم بذلك.
وفي 30 أكتوبر الماضي، أعربت جامعة الدول العربية عن بالغ قلقها وأسفها للتدهور السريع في العلاقات اللبنانية الخليجية، قائلة إنها تأتي في الوقت الذي "كان السعي حثيثاً لاستعادة قدر من الإيجابية في تلك العلاقات يعين لبنان على تجاوز التحديات التي يواجهها".
وأضاف البيان أن الأزمة، التي تسببت فيها تصريحات سابقة لوزير الإعلام اللبناني، وما تلاها من أحداث ومواقف، "كان يتعين أن تعالج لبنانياً بشكل ينزع فتيلها ولا يذكي نارها على نحو ما حدث وأوصل الأمور إلى انتكاسة كبيرة في علاقات لبنان بمحيطه العربي عموماً والخليجي خصوصاً".
وأوضح البيان أن هناك ثقة بحكمة وقدرة الرئيسين عون وميقاتي على السعي السريع من أجل اتخاذ الخطوات الضرورية لوضع حد لتدهور تلك العلاقات ويسهم في تهدئة الأجواء، بالذات مع المملكة العربية السعودية.
كما ناشد البيان المسؤولين في دول الخليج "بتدبر الإجراءات المطروح اتخاذها في خضم ذلك الموقف، بما يتفادى المزيد من التأثيرات السلبية على الاقتصاد اللبناني المنهار، والمواطن الذي يعيش أوضاعاً غاية في الصعوبة".
مواقف الجامعة
بشكلٍ عام، لم تتمكن الجامعة العربية من العمل كمنظمة متجانسة، وهو ما ظهر واضحاً في إحدى تلك الأزمات، في دخول الجامعة على خط الأزمة الخليجية، في يونيو 2017، لكن دورها لم يكن حاسماً في تسوية الأزمة، أو السيطرة على تداعياتها؛ لاختلاف مواقف الدول العربية، ودخول أطراف دولية على خط الأزمة.
وفي الأزمة المغربية الجزائرية التي اندلعت مؤخراً ووصلت إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين، اكتفت الجامعة العربية بإبداء أسفها من تدهور العلاقات، لكنها لم تتدخل بأي مجهود لوقف تلك الأزمة.
ولم تشهد البلدان العربية محاولات لبناء الثقة بين مكونات الجامعة العربية، الرسمية والشعبية، بحيث تعكس تطلعات الشعوب، كما لم يحدث تطور بنيوي للعلاقة بين الدول، وسقطت فكرة العمل المشترك، بعد بزوغ الحراك السياسي في 2011.
وتشير الدلائل والأحداث التي مرت بها المنطقة العربية إلى فشل الجامعة العربية كمنظمة تسعى إلى تعزير التعاون والتنسيق بين الدول العربية وتعمل على حل الخلافات والمشكلات التي تعانيها بعض الدول الأعضاء وتهدف إلى تشكيل نواة لوحدة عربية شاملة.
تدخل شكلي
يرى د. خيري عُمر، الخبير في دراسات الشرق الأوسط، أن الجامعة العربية ليس بيدها شيء لتقديمه في الأزمة الخليجية اللبنانية، مشيراً إلى أن هذا التدخل مجرد "بروتوكول تنتهجه الجامعة".
ويقول إن الجامعة العربية "عبارة عن موظفين يأخذون مرتبات، أما الواقع فقيادتها لا تقدم ولا تؤخر في كل القضايا العربية".
وفي حديثه لـ"الخليج أونلاين"، يعتقد أن الجامعة تتدخل في بعض القضايا بشكل محدود ولا تتدخل في أخرى، موضحاً: "الملاحظ أن الأزمات التي تتدخل فيها هي تلك التي يكون فيها طرف غير عربي، كما حدث في سوريا ولبنان وليبيا، أما حينما تكون قضايا عربية عربية فيبقى مجرد حديث لا أكثر".
وتابع: "حتى في حال اجتمع المجلس التنفيذي للجامعة الذي يصدر قرارات، فهو لا يجتمع إلا بإرادة الحكومات، وليس بإرادة الجامعة".
ويجدد تأكيده أن التدخل الذي قد تقوم به الجامعة في لبنان "عبارة عن تدخل شكلي، لأنه أيضاً سيصطدم بالتعقيدات الداخلية في لبنان، وخصوصاً الصراعات مع حزب الله، إضافة إلى عدم امتلاكها قوة إلزام لكي تغير السعودية من موقفها، لكون السعودية بنت موقفها بناءً على مواقف أخرى".
الأزمة الخليجية اللبنانية
هذه الأزمة بالأساس كانت قد اندلعت عقب تصريح لوزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي، سُجل قبل تعيينه وزيراً، وبُثّ لاحقاً، قال فيه إن الحرب اليمنية "عبثية، وإن الحوثيين يدافعون عن أنفسهم في مواجهة عدوان خارجي"، وهو ما اعتبره البعض معاداة للرياض وأبوظبي.
وعقب بث تلك المقابلة أمهلت الرياض، في الـ29 من أكتوبر، السفير اللبناني 48 ساعة لمغادرة أراضيها، واستدعت سفيرها لدى لبنان وليد بخاري للتشاور، وأعلنت وقف الواردات اللبنانية كافة إلى المملكة.
وآخر تلك الخطوات كانت في 6 نوفمبر، عندما أعلن عجلان العجلان، رئيس اتحاد الغرف السعودية، وقف جميع الشركات في المملكة تعاملاتها كافة مع الشركات والحكومة اللبنانية.
كما قالت الكويت إنها قررت استدعاء سفيرها لدى الجمهورية اللبنانية للتشاور، "ومغادرة القائم بأعمال سفارة الجمهورية اللبنانية لدى دولة الكويت خلال 48 ساعة".
فيما أعلنت دولة الإمارات سحب دبلوماسييها من لبنان، ومنع المواطنين من السفر إليها، كما دعت مواطنيها لمغادرة لبنان.
وقررت البحرين سحب سفيرها من بيروت وطرد السفير اللبناني، حيث قالت وكالة الأنباء البحرينية: "إن وزارة الخارجية طلبت من سفير لبنان لدى المملكة (ميلاد حنا نمور) مغادرة أراضيها خلال 48 ساعة المقبلة"، كما دعت مواطنيها للعودة من لبنان.
أما عُمان فقد خرجت ببيانٍ مغاير حينما عبرت عن أسفها العميق "لتأزُّم العلاقات بين عدد من الدول العربية والجمهورية اللبنانية"، داعية إلى "ضبط النفس، والعمل على تجنب التصعيد، ومعالجة الخلافات عبر الحوار والتفاهم".
كما دعت قطر الحكومة اللبنانية إلى "اتخاذ الإجراءات اللازمة بسبب تصريحات قرداحي بشكل عاجل وحاسم، لتهدئة الأوضاع وللمسارعة في رأب الصدع بين الأشقاء".