يوسف حمود - الخليج أونلاين-
ارتفعت في الآونة الأخيرة وتيرة إقبال دول عربية على إعادة علاقاتها مع نظام بشار الأسد، فيما يبدو وكأنه إطار تطبيع متسارع، وتصدرت الإمارات خليجياً ذلك التطبيع بتسريع الاتصال واللقاءات مع النظام السوري.
وأعادت الإمارات والبحرين فتح سفارتيهما في دمشق، نهاية 2018، على مستوى القائمين بالأعمال، تبعهما الأردن بفتح الحدود الأردنية السورية، وصولاً إلى زيارة قام بها وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق، كأول زيارة لمسؤول إماراتي منذ 2011.
وبعد مرور عشر سنوات من الحرب في سوريا لا يزال البلد يعاني من عدم استقرار داخلي وتراجع المستوى المعيشي وأزمات اقتصادية واجتماعية متراكمة، مع عزلة سياسية يحاول النظام الخروج منها عبر بوابات عديدة، وتساعده عدة دول عربية كالإمارات.
زيارة مثيرة للجدل
في زيارة مفاجئة وغير متوقعة زار وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، في 9 نوفمبر 2021، العاصمة السورية دمشق، برفقة عدد من المسؤولين الإماراتيين.
قالت رئاسة النظام السوري، في بيان، إن الأسد التقى الوزير الإماراتي والوفد المرافق له، وبحث معه العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تطويرها في مختلف المجالات.
ولفت البيان إلى أن الأسد أكد خلال اللقاء "العلاقات الوثيقة بين البلدين"، مشيراً إلى "المواقف الصائبة والموضوعية" التي تتخذها أبوظبي، مضيفاً أنها وقفت دائماً إلى جانب الشعب السوري.
ونقل البيان عن وزير الخارجية الإماراتي قوله إن بلاده تدعم جهود الاستقرار في سوريا، وإن الوضع السوري أثَّر على كل الدول العربية.
وبعدها بساعات كتب أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات، في تغريدة على حسابه في "تويتر"، إن هدف بلاده من مواصلة "بناء الجسور وتعزيز العلاقات ووصل ما قُطع" يتمثل في "الحرص على البعد العربي، وتجنيب المنطقة المزيد من الاحتقان والصراعات المستمرة".
وعقب تلك الزيارة قالت الخارجية الأمريكية إنها قلقة من هذا اللقاء، مضيفة: "كما قلنا من قبل، لن تعرب الإدارة الأمريكية عن أي دعم لجهود تطبيع أو إعادة تأهيل بشار الأسد".
تمهيد للتطبيع
هذه الزيارة، على الرغم من أنها مفاجئة وتعد الأولى منذ عام 2011، جاءت بعد تمهيد قامت به الإمارات منذ عدة سنوات في إطار إعادة العلاقات مع نظام الأسد والتمهيد له للعودة إلى الساحة العربية.
ولعل أبرز ذلك، اتصال هاتفي بين ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، في 20 أكتوبر الماضي، والذي بحثا فيه الأوضاع في سوريا والشرق الأوسط.
وفي 3 أكتوبر قالت وزارة اقتصاد النظام السوري إن وزير الاقتصاد السوري التقى نظيره الإماراتي، وجرى الاتفاق على تشجيع التبادل التجاري والاستثمار والتعاون على الصعيد الاقتصادي بين سوريا والإمارات، وذلك على هامش أعمال المعرض الدولي "إكسبو 2020" في دبي.
كما التقى وزير الطاقة والبنية التحتية الإماراتي سهيل المزروعي، مع وزير الموارد المائية بالنظام السوري تمّام رعد، في 22 سبتمبر 2021، بإمارة دبي على هامش اجتماعات المنتدى العربي الخامس للمياه، وجرت مباحثات لتعزيز التعاون المشترك في مختلف المجالات، خاصةً ملفي المياه والطاقة.
وفي يونيو الماضي، أعلنت أبوظبي استعدادها لاستئناف الرحلات الجوية مع دمشق عبر مطاري دبي والشارقة.
وفي ديسمبر 2018، أعادت الإمارات افتتاح سفارتها في دمشق، كأول دولة من بين الدول العربية التي قاطعت سوريا بعد الثورة على نظام الأسد.
خطوة صغيرة..لكن!
وتفرض الولايات المتحدة عقوبات على نظام الأسد بموجب قانون "قيصر" الأمريكي الذي دخل حيّز التنفيذ في 17 يونيو 2020، وذلك من خلال تجميد مساعدات إعادة إعمار سوريا، وملاحقة أفراد وكيانات متّصلة بالنظام السوري ومُثبت تورّطها في جرائم وانتهاكات بحق الشعب السوري.
ومنذ بدء النزاع عام 2011، وُجهت للنظام السوري اتهامات عدة بارتكاب "جرائم ضد الإنسانية" وممارسات تنتهك حقوق الإنسان، من قبيل التعذيب والاغتصاب والاعتداءات الجنسية والإعدامات خارج إطار القانون وشن هجمات كيميائية.
يرى المحلل السياسي السوري، إبراهيم العلبي، أن الزيارة "تعد خطوة صغيرة ولن تحقق للنظام السوري أي مكاسب".
يوضح العلبي لـ"الخليج أونلاين"، قائلاً: "رغم أن الزيارة تعتبر تجاوزاً لخط أحمر لم يكن أحد يجرؤ على تجاوزه علناً على مدى سنوات، ورغم ما أحيطت به الزيارة من هالة إعلامية، خاصة من قبل الإعلام الإماراتي، فإنها في الواقع تعد خطوة صغيرة لكن فاقعة في مسار قائم بالفعل هو مسار التطبيع العربي مع النظام".
ويرى أن هذا التطبيع مع النظام السوري المتهم بارتكاب جرائم بحق المدنيين، لم يأتِ "لو لم يكن هناك ضوء أخضر أمريكي واضح حتى مع صدور تصريحات أمريكية مستاءة".
كما يستبعد أن تشكل الزيارة أي مكسب للنظام "من الناحية العملية في حال استمر العمل بقانون قيصر، الذي يعني اقتصار التحركات الإماراتية على المستويين السياسي والإعلامي في حين تعد أزمة النظام الأساسية اقتصادية".
ويضع العلبي نقطة أخرى قد تكون هدفاً وراء الزيارة قائلاً: "في حال كانت الزيارة تعبر عن تحرك إسرائيلي تنفذه الإمارات، فيمكن عندئذ توقع مكاسب أخرى للنظام على اعتبار أن إسرائيل الوحيدة القادرة على الضغط على واشنطن لتليين موقفها من فكرة إعادة الشرعية للنظام مقابل تنازلات كبيرة قد يكون قدمها النظام لها تحت الطاولة".
وأضاف: "إذا كان هذا ما حدث فعند ذلك يمكن أن تكون زيارة بن زايد لدمشق، ولقاؤه برئيس النظام قد فتح باب إعادة تأهيل غير واضحة المعالم بعد".
وفيما يتعلق بأنظمة أخرى قد تمضي بذات طريق الإمارات، يقول: "الأمر وارد ولكن مرهون بمدى استعداد إدارة بايدن للتسامح مع ذلك، وأيضاً مدى استعداد السعودية لاتخاذ خطوة بنفس الاتجاه لأنها مع دول أخرى تقود إعاقة التطبيع مع النظام".
وتابع: "موقف السعودية في هذا الصدد، بعكس الإمارات، سيظل مرهوناً على الأرجح بمدى استعداد النظام لتقويض النفوذ الإيراني عليه".
تمهيد عربي.. وتجاهل للجرائم
وإلى جانب الإمارات كان العراق وسلطنة عُمان والبحرين من أوائل الدول العربية التي قررت استئناف رحلاتها إلى العاصمة السورية، وعبر الأجواء السورية، بعد قطيعة عربية أعقبت الأزمة المستمرة في سوريا، منذ عام 2011.
وفي سبتمبر الماضي، قرر الأردن إعادة فتح الحدود الأردنية السورية عبر مركز حدود جابر، فيما اتفق الجانبان على عودة شركة الخطوط الجوية الملكية الأردنية لتسيير رحلاتها لنقل الركاب بين عمان ودمشق.
كما أجرى وزراء خارجية كل من مصر والأردن وتونس والجزائر والعراق وعُمان، لقاءات مع فيصل المقداد وزير خارجية النظام السوري، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
ووفقاً لتقارير إعلامية أعادت السعودية، في مايو الماضي، فتح قنوات اتصال مباشرة مع سوريا، بزيارة رئيس جهاز المخابرات السعودي، الفريق خالد الحميدان، لدمشق ولقائه بشار الأسد، ورئيس مكتب الأمن الوطني، اللواء علي مملوك، غير أن الرياض قالت مؤخراً إنه لم يحن الوقت لعودة علاقتها مع دمشق حتى يتم التوافق على حل سياسي شامل.
وكانت الجامعة العربية علقت عضوية سوريا في 12 أكتوبر 2011، ودعت إلى سحب السفراء العرب من دمشق، إلى حين تنفيذ النظام كامل تعهداته في توفير الحماية للمدنيين.