أشرف كمال - الخليج أونلاين-
انعطف الموقف السعودي الإماراتي بشكل مفاجئ من الأزمة السياسية في السودان، بعد أن دعت الرياض وأبوظبي قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان، إلى إعادة الحكومة المدنية المعزولة بشكل فوري.
وكان موقف البلدان في بداية الأزمة يعتمد على الكلمات العامة التي لا تدين استيلاء العسكريين على السلطة بشكل مباشر وإنما تركز على القلق إزاء توتر الأوضاع والرغبة في الحفاظ على المكتسبات.
هذا التحول في موقف البلدين جاء في اشتراكهما مع الولايات المتحدة وبريطانيا في بيان صدر (الأربعاء 3 نوفمبر 2021)، يدعو قائد الجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان إلى إعادة حكومة عبد الله حمدوك المعزولة لمزاولة عملها.
وحثّت الدول الأربع قائد الجيش علي إطلاق سراح كافة المعتقلين وإلغاء حالة الطوارئ. وشددت على أهمية الالتزام بالوثيقة الدستورية التي عطّلها البرهان، واتفاقية جوبا للسلام؛ كأساس لبحث كيفية استئناف الفترة الانتقالية.
وجاء موقف الدول الأربع بعد نحو أسبوعين من إطاحة الجيش بالحكومة المدنية في السودان، ووضع رئيسها عبد الله حمدوك قيد الإقامة الجبرية.
حضور استثنائي
وتملك المملكة العربية السعودية والإمارات علاقات قوية مع قائد الجيش السوداني، الذي لقي دعماً كبيراً من البلدين خلال محاولات رفع بلاده من قائمة الإرهاب الأمريكية.
كما إن البرهان يحظى بعلاقة خاصة مع ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، الذي لعب دوراً في تسهيل تطبيع العلاقات بين الخرطوم و"تل أبيب" العام الماضي.
ورسمياً، لم يصطدم البلدان مع الانقلاب حيث أعربتا عن قلقهما إزاء تطور الأوضاع وطالتا بـ"ضبط النفس" والحفاظ على المكتسبات السياسية والاقتصادية التي تحققت منذ الإطاحة بالرئيس عمر البشير.
وأكد البلدان في بيانات رسمية وقوفها إلى جانب الشعب السوداني، ودعمها لكل ما يحقق الأمن والاستقرار والنماء والازدهار للسودان وشعبه.
ودعمت الرياض وأبوظبي المرحلة الانتقالية في السودان مالياً وسياسياً، وقد دانتا محاولة الانقلاب الفاشلة التي قال الجيش السوداني إنه أحبطها في سبتمبر الماضي.
وكانت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية قالت (الأربعاء 27 أكتوبر 2021)، إن السعودية والإمارات ومصر بإمكانهم الضغط على البرهان بالنظر إلى العلاقات القوية التي تجمعهم به.
كما كشفت وكالة "بلومبيرغ" (30 أكتوبر 2021) إن الولايات المتحدة تعمل مع الإمارات بشكل سري من أجل إقناع البرهان بإعادة الحكومة المدنية مقابل إجراء تعديلات على شكلها.
وبعد أيام قليلة من عزل الحكومة المدنية، التقى البرهان (27 أكتوبر 2021) السفير السعودي لدى الخرطوم علي حسن بن جعفر، وبحث معه تطورات الأوضاع.
وقال السفير السعودي بعد اللقاء إن المملكة ستفعل كل ما من شأنه تحقيق المصلحة والاستقرار في السودان، حتى لو اقتضى الأمر جمع الأطراف في الرياض من أجل التوصل لاتفاق.
وأجرى وزير الخارجية الأمريكية مباحثات مع نظيريه السعودي الأمير فيصل بن فرحان، والإماراتي عبد الله بن زايد، بشأن سبل دفع الجيش السوداني
وكان لافتاً اهتمام واشنطن الخاص بالتواصل مع البلدين تحديداً لإيجاد مخرج من الأزمة التي تتصاعد يومياً بسبب تمسك كل طرف من الطرفين بموقفه.
ويلاحظ التواصل المكثف الذي تقوم به الرياض في هذه الأزمة على خلاف العديد من القوى الإقليمية الأخرى، حيث أجرى الوزير السعودي فيصل بن فرحان اتصالاً هاتفياً مع وزير الخارجية البريطاني، إلى جانب مشارواته مع نظيره الأمريكي.
كما تلقى بن فرحان في 25 أكتوبر 2021 اتصالاً من نظيره الإريتري، فيما استقبل وزير الدولة السعودي لشؤون الدول الإفريقية أحمد قطان، سفير الاتحاد الأوروبي لدى السعودية، وبحث معه تطورات الأزمة السودانية.
وفيما بدا أنه استجابة أولية، قال توت قلواك، المستشار الأمني لرئيس جنوب السودان، الذي يتوسط لحل الأزمة، إن البرهان أطلق سراح بعض المعتقلين وتعهد بإطلاق من تبقى خلال 24 ساعة.
وأضاف قلواك في تصريحات لقناة الجزيرة الإخبارية (الأربعاء 3 نوفمبر 2021) أن حمدوك مرشح لتشكيل الحكومة الجديدة وفق رؤية سياسية جديدة.
فشل المفاوضات
لكن توقعات حلحلة الأزمة ذهبت أدراج الرياح مع تأكيد البرهان أنه لن يتراجع عما بدأه في 25 أكتوبر، وأنه بصدد إعلان حكومة تكنوقراط، ما لم يستجب حمدوك للعرض. ثم غادر مبعوث جنوب السودان البلاد ليؤكد إغلاق باب المفاوضات.
اللافت أنه لا الرياض ولا أبوظبي أوفدت من يحاول رأب الصدع في السودان بعد البيان المشترك، وهو أمر يتعارض مع مطلب إعادة الحكومة المدنية.
الناشط السياسي السوداني، علي ميسرة، يقول إن "الجيش السوداني بعد هزيمة الولايات المتحدة في أفغانستان، ونجاح بعض الانقلابات التي حدثت بالعالم، بات يعتقد أن المجتمع الدولي يتعامل مع سياسة الأمر الواقع والقوة الموجودة على الأرض، وهو ما يريد الجيش في السودان العمل عليه".
وفي حديثه لـ"الخليج أونلاين"، يقول ميسرة: "جهود الوساطة السعودية والإماراتية والبيان الرباعي الذي صدر عنها ويضم الولايات المتحدة وبريطانيا، فهو شكلي، خاصة أن الرياض وأبوظبي تدعمان الجيش السوداني على الأرض".
ويوجد موقف لدى السودانيين، حسب ميسرة، أن "السعودية والإمارات، تقف بشكل واضح مع الجيش السودان، ومن يقود الانقلاب في البلاد، وهو ما قد لا يساهم في نجاح وساطتهم في ضبط الوضع والتهدئة".
ويتحمل الجيش السوداني، كما يؤكد ميسرة، "مسؤولية فشل جميع الوساطات لضبط الأوضاع في البلاد، بسبب محاولتهم المستمرة فرض رأيهم، ومواصلة الاعتداء على المتظاهرين وقتلهم، حيث وصل عدد الشهداء إلى7".
ويوجد لدى الشعب السوداني، وقوى الحرية والتغيير، وفق ميسرة، عدة مطالبات أبرزها عدم التفاوض أو التسوية أو الشراكة، ومواصلة التظاهرات والعصيان المدني، لإسقاط النظام الحالي، عبر اتباع سياسية النفس الطويلة.
ويصمم السودانيين، حسب الناشط السياسي، على إسقاط الانقلاب في السودان، والدخول في معركة طويلة مع النظام الحالي الموجود إلى أن يسقط، حتى لو كلفهم نفس التكلفة التي تم دفعها لإسقاط نظام البشير، عبر التظاهرات، والعصيان المدني.
ضغوط أمريكية
وتمارس إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تصعيداً تدريجياً ضد المكون العسكري في السودان، منذ الإطاحة بالمكون المدني في 25 أكتوبر الماضي.
وجمّدت واشنطن 700 مليون دولار كانت جزءاً من خطة أمريكية لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان، كما لوح المبعوث الأمريكي للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان، بمزيد من الضغوط.
وقال فيلتمان أكثر من مرة إن الدول التي تدعم البرهان في المنطقة (لم يذكرها)، لن تستطيع توفير مساعدات يحتاجها الاقتصاد السوداني بقوة.
وحالياً، تعمل الولايات المتحدة وبريطانيا على إعداد مشروع قرار يدين السودان، في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، نحو التراجع عن قراراته.
البرهان يعد بحكومة جديدة
وفيما أكد البرهان (3 نوفمبر 2021) عزمه تشكيل حكومة تكنوقراط في أقرب وقت، نقل موقع "أكسيوس" الأمريكي أن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن طلب من وزير الجيش الإسرائيلي بيني غانتس الضغط على البرهان لإعادة حمدوك لعمله.
وخلال لقائه المبعوث الخاص للاتحاد الأفريقي أولسون أوباسانغو، (3 نوفمبر 2021)، جدد البرهان تمسكه باستكمال هياكل الفترة الانتقالية قريباً وصولاً إلى حكومة مدنية منتخبة.
وأكد البرهان أن الجيش بصدد تعيين رئيس وزراء يقوم بتشكيل حكومة تكنوقراط مدنية.
كما قال أكد العميد الطاهر أبو هاجة، المستشار الإعلامي للبرهان إن قادة الجيش يدرسون كل المبادرات الداخلية والخارجية سعياً للمصلحة الوطنية.
وفي تصريحات نقلها التلفزيون الرسمي قال أبو هاجة (الأربعاء 3 نوفمبر 2021) إن العسكريين يؤمنون بضرورة تلبية شعارات "ثورة ديسمبر" التي قامت ضد الرئيس المعزول عمر البشير.
وأكد أبو هاجة أن تشكيل الحكومة بات وشيكاً، لكنه لم يقدم مزيداً من التفاصيل.
في المقابل، قال مكتب رئيس الحكومة المعزول (3 نوفمبر 2021) إن حمدوك يرفض الدخول في أي حوار قبل إطلاق سراح كافة المعتقلين وإعادة المؤسسات الدستورية للعمل.
لكن مصدراً عسكرياً قال لوكالة "سبوتنيك" الروسية إن البرهان لم يوافق بعد على إجراء مفاوضات لتشكيل حكومة جديدة. وإن اجتماعاً قريباً للعسكريين سيحسم مستقبل حمدوك السياسي.
وأكد المصدر أن حمدوك يواجه ضغوطاً قوية من قبل قادة الجيش بسبب تمسكه بعودة الحكومة المعزولة ورفضه تشكيل حكومة جديدة.
ونقلت وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية عن مصادر (الثلاثاء 2 نوفمبر 2021) أن الطرفين على وشك التوصل لاتفاق جديد بشأن تقاسم السلطة.
وقالت الوكالة إن البرهان التقى حمدوك لكنهما لم يتوصلا إلى اتفاق بعد بسبب تمسك رئيس الحكومة المعزول بشروطه.
وتدور النقاشات بحسب "بلومبيرغ" حول حصول حمدوك على صلاحيات أكبر في تشكيل تحظى بقبول الجيش.