(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
لازال السودان يُعاني من الانقسامات وعدم الاستقرار ومحاولات تقسيم ما تبقّى من وحدته، وفي كلّ محطّة من محطّات أزماته المتوالية، تُشير الأصابع إلى أدوار خليجية، تارة نحو السعودية والإمارات وتارةً نحو قطر، ولكن أصابع الإتّهام في الأزمة الأخيرة تركّزت نحو الإمارات لأسباب تتعلّق بمشروع إماراتي كبير يتعلّق بالموانئ عامةً وبالبحر الأحمر خاصةً وللأسف بالتّعاون مع العدو الإسرائيلي.
ولعلّ اتّهام رئيس وزراء قطر الأسبق، حمد بن جاسم، المبطن إلى الإمارات، والتي لم يسمّها علنا، وردّ المستشار السياسي لرئيس الإمارات عليه، وإن لم يسمّه علناً، كان مصداقا لهذه التّسريبات والتي تخطّت نطاق التّكهنات إلى نطاق المعلومات والشواهد وإن لم يتمّ الاعتراف بها علناً.
وقد كتب بن جاسم عبر صفحته الرّسمية على موقع تويتر: "إنّ ما جرى ويجري في السودان ما هو إلّا من النتائج الأولى للتّخطيط والتّنسيق والتّعاون بين (إسرائيل) ودولة عربية للأسف، مع العلم أنّ تلك الدولة كانت تروج في المحافل الغربية بأنّها غيّرت سياستها وبدأت تهتمّ الآن فقط بالاقتصاد والتنمية".
وقد شنّ المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات، أنور قرقاش، هجوما لاذعا على رئيس وزراء قطر الأسبق، الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، بعد حديثه، ووفقًا لـ “RT”، قال قرقاش عبر “تويتر” دون ذكر اسم حمد بن جاسم: “أشفقت على وضعه عند قراءة تغريدته، فهو ليس أكثر من باحث عن دور بعد أن فقد موقعه وأصبح صوتا من الماضي ارتبط بالفتن والمؤامرات”.
ولعلّ هذا التّجاذب القطري الإماراتي، حتّى وإن لم يتّخذ شكلاً رسمياً، إلّا أنّه يشي باستمرار حالة التّجاذب والعداء التي لم يستطيع بيان العلا ولا مؤتمر المصالحة الخليجية محوها حتى الآن شعبياً أو رسمياً باستثناء تصريحات رسميّة فاترة تتحدّث عن مصالحة وتقارب، فيمَ تتّجه الممارسات العملية إلى مرحلة ما قبل المصالحة.
ولعلّ الشواهد تخدم وقوف الإمارات بالفعل وراء الانقلاب العسكري على الانقلاب العسكري الأوّل!
ففي مايو الماضي قام البرهان بالزيارة الثالثة للإمارات، بعد زيارتين أجراهما في مايو وأكتوبر 2019، إضافة إلى سلسلة من المباحثات الهاتفيّة على مدار الفترة الماضية.
إضافة إلى تقارير وتسريبات تؤكّد زيارة سريّة له قبيل الانقلاب، ولا نستطيع تأكيدها، ولكن الشّاهد هنا هو حجم التّواصل الكبير بين البرهان والإمارات تحديداً.
ولعلّ استعراض بعض التقارير هنا يكون نافعاً لتوضيح أهداف الإمارات ومصالحها في السودان، ففي ديسمبر 2019، تداولت وسائل الإعلام وعدّة مواقع إخبارية مطامع دولة الإمارات ورصدت أنّها تدور حول المزيد من التوسّع في نفوذها عبر السيطرة على الموانئ وتركّز في ذلك على موانئ السودان مستقلّة ما تعانيه البلاد من اضطرابات وأزمة اقتصادية شديدة.
وقد شملت زيارة رئيس أركان الجيش الإماراتي الفريق الركن حمد محمد ثاني الرميثي، إلى العاصمة السودانية الخرطوم تقديم عروضا سريّة للسّلطات في السودان من أجل تمكين أبوظبي من السيطرة على موانئ البلاد.
ومن دون أن يسميّها، حذر حزب “المؤتمر الشعبي” المعارض في السودان من رهن واحتكار موانئ البلاد لدولة الإمارات عبر مفاوضات سرية لحلّ الأزمة الاقتصادية.
وقال إدريس سليمان الأمين السياسي للحزب الذي أسّسه الراحل حسن الترابي إنّ “على الحكومة الانتقالية أن تُدير الملف الاقتصادي بكلّ شفافية، هناك مفاوضات سرية مع دولة خليجية (لم يسمّها) لديها أطماع في موانئ البحر الأحمر لاحتكار ورهن موانئ سودانية مقابل حلّ الأزمة الاقتصادية”.
وأضاف: “سنقف ضدّ هذه الصّفقة التي يريدون عبرها بيع موانئ السودان بدراهم معدودة، لاستغلال حاجة السودان الاقتصادية، الهدف هو ألّا تعمل سوى موانئ هذه الدولة الخليجية في الملاحة البحرية التي تمرّ عبر البحر الأحمر”.
ولعلّ الأمر يتخطّى نطاق السيطرة الاقتصادية، بلحاظ التمدّد الإماراتي في القرن الإفريقي والتعاون مع كيان العدو الإسرائيلي في التواجد بالمضائق والنّقاط الاستراتيجية في البحر الأحمر، والتي كلّلتها التّدريبات المشتركة الامريكية الصهيونية مع الامارات والبحرين مؤخرا.
ولعلّ لقاء البرهان مع نتنياهو في أوغندا، وتنسيق التّطبيع السوداني الصهيوني، كان معوّلًا فيه على البرهان والطّغمة العسكرية، أكثر من التّعويل على حمدوك والقوى المدنية، رغم عدم معارضة حمدوك للتطبيع، وتصريحاته المرحّبة به، إلّا أنّ التّنفيذ الفعلي لما هو مطلوب من هذا التطبيع استراتيجياً، هو بيد القوى العسكرية، وليس بيد القوى المدنية والتي تشهد انقسامات حول التّطبيع.
بالطبع ليس معيباً أن تكون لأي دولة مصالح تتخطّى نطاق حدودها، ولا يعيب أحد على دولة أن يكون لها طموحاتها وسعيها نحو التمدّد، ولكن المعيب هو الوسيلة والأهداف الخفيّة.
فعندما تكون الوسيلة هي الفتن والانقلابات دون العبء بمخاطر الحروب الأهلية، وعندما يكون الهدف هو خدمة مصالح العدو الإسرائيلي، فإنّ الأمور بحاجة لوقفة وإدانة ومواجهة.
هنا لا ننحاز لأي طرف في السودان الشقيق فالمعسكرين يبدو وأنّهما يتنازعان على السلطة، ولكن دعم طرف على حساب أخر لخدمة التّطبيع والإسراع به وتكثيفه في الملفّات العسكرية والاستراتيجية، هو ما يدفع إلى الرّفض وإلى الدّعوة إلى التّوقف الفوري عن هكذا سياسات تزيد طين المنطقة بلّة، وتدفع بالأمة إلى مزيد من التّشرذم والانكشاف الاستراتيجي.