يوسف حمود - الخليج أونلاي-
تتفاقم الأزمة اليمنية بفصولها الدامية التي تخلّف يومياً قتلى وجرحى ودماراً وجوعاً يطال مختلف المناطق اليمنية، وقد تحولت إلى مأساة دامية بعدما فشلت الحلول السياسية حتى اليوم.
ومع طول أمد الأزمة، بدأت أصوات من داخل الشرعية اليمنية الرسمية تنادي بإنهاء الحرب، عبر حوار يضم الأطراف اليمنية كافة، لكنه يتجاوز المرجعيات التي تؤكدها الحكومة اليمنية وفي مقدمتها إنهاء انقلاب الحوثيين، وسط غضب كبير في الشارع اليمني.
وشهدت الرياض وعدد من عواصم المنطقة حركة دبلوماسية دولية نشطة مؤخراً، لكنها -كما سابقاتها- فشلت حتى الآن في تحقيق أي تقدُّم، وهو ما يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت السعودية ستسمح بتصدُّع الشرعية بعد الدعوات الأخيرة التي طرحها مسؤولون كبار في حكومة اليمن.
دعوة مفاجئة
على غير المتوقع، خرج اثنان من كبار المسؤولين اليمنيين بدعوة إلى تشكيل تحالف مُنقذ، يُنهي الحرب في اليمن، ويحفظ الجمهورية والوحدة، وناديا كذلك بحوار وطني شامل برعاية أممية ودعم قومي.
الدعوة أطلقها رئيس مجلس الوزراء السابق أحمد عبيد بن دغر، النائب الأول لرئيس حزب المؤتمر الشعبي الداعم للشرعية (يشغل حالياً منصب رئيس مجلس الشورى)، ونائب رئيس مجلس النواب عبد العزيز جباري الأمين لحزب العدالة والبناء.
وشددا في بيان صادر عنهما، على أن "التحالف يستمد أهدافه ومبادئه من مبادئ وقيم الثورة اليمنية، ويرفض عودة الإمامة، ويصون الجمهورية ويدافع عن الوحدة ودولة اتحادية، كما يضع مصالح الوطن العليا دون غيرها في المقدمة".
وأوضحا أنهما يدعوان إلى "تحالف وطني يسعى إلى وقف فوري للحرب، وحوار وطني شامل لا يستثنى منه أحد، برعاية أممية ودعم قومي، يكون هدفه الوصول إلى سلام عادل ودائم وشامل، يستند إلى المرجعيات الوطنية التي شكلت يوماً ما محلاً للإجماع الوطني".
واعتبرا الدعوة "موجهة للشعب اليمني أولاً، ولنوابه وأعضاء مجلس الشورى وقادة الأحزاب والقوى السياسية الوطنية، وقادة المجتمع والنخب الثقافية والإعلامية، والمرأة والشباب".
وقالا: إن "الدعوة فرضتها تطورات الأحداث ومسار المعركة، وهي دعوة في الوقت نفسه لفرقاء الصراع بأن يغلّبوا المصلحة الوطنية على ما عداها وأن يحتكموا إلى الإرادة الشعبية وصوت العقل".
كما أكدا أن "عليهما مصارحة الشعب بحقائق الأمور"، مشيرين إلى أن "الخطاب السياسي والإعلامي لا يقول الحقيقة كاملة".
وتابع: "نحن نقدّر للتحالف العربي جهوده السياسية والعسكرية والإغاثية في بلادنا، لكننا ندرك- وهم يدركون- أن السياسات التي قادت المعركة مع الحوثيين، قد ذهبت باليمن إلى أهداف مختلفة عن تلك التي أعلنت عنها عاصفة الحزم".
غضب وتساؤلات
وعقب صدور البيان، خرجت تعليقات معظمها رافضة لذلك التوجه، والبداية كانت من مجلس النواب اليمني الذي اعتبر البيان "مفاجئاً وصادماً ولا يعبر إلا عن رأي فردي لا يمثل مجلس النواب ولا هيئة رئاسته من قريب أو بعيد".
وقال المجلس، في بيانٍ نشره على صفحته بـ"فيسبوك"، إن النائب عبد العزيز جباري، عضو هيئة رئاسة المجلس، "لم يضعها في صورة البيان ولم يناقشه معها"، مضيفاً: "السلام قضية وهدف الشرعية، والتحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية بالدرجة الأولى، وتحقيقه يتطلب معادلة ميدانية وأخلاقية بعيداً عن القفزات الفردية والمصالح الشخصية التي تضر بالقضية اليمنية".
وكانت صحيفة "عكاظ" السعودية قد هاجمت ذلك البيان، ورأت أنه يحمل "مطالبة صريحة بعزل الرئيس اليمني"، واصفةً إياه أيضاً بأنه يأتي ضمن "مسلسل البحث عن المصالح الشخصية".
السفير اليمني في اليونسكو محمد جميح، وجَّه رسالة إلى السياسيَّين اليمنيَّين قائلاً: "إذا كان الحل العسكري وصل إلى طريق مسدود، فهل تعتقدان أن الحل السياسي مع الحوثي لم يصل إلى الطريق ذاته؟!"، مضيفاً: "السلام يأتي برص الصفوف؛ لردع رافضيه".
أما المحلل السياسي اليمني مصطفى الجبزي، فقد رأى أن دعوة "بن دغر-جباري لا تستند إلى ثقل اجتماعي أو عسكري أو حتى إداري (...) وهي دعوة مطاطة لا وجه لها ولا هيكل".
أما الناشط في حزب المؤتمر حسين عزيز، فقد طالب قيادة الشرعية بـ"إيقاف مرتبات كل من بن دغر وجباري وسحب جوازاتهما الدبلوماسية، وتجريدهما من أي مناصب حكومية، وإلا فإن قيادة الشرعية تعتبر ضالعة وشريكة معهما في هذا البيان".
في المقابل رأى الصحفي بالمجلس الانتقالي الجنوبي الموالي للإمارات، أن هذه الدعوة "تأتي في إطار محاولات الرجلين الوصول إلى قمة السلطة من خلال تقديم نفسيهما كمُنقذين".
فيما حمَّل الصحفي اليمني رشاد الشرعبي، بن دغر وجباري، "مسؤولية فشل الشرعية بصفتهما قياديَّين فيها"، مضيفاً: "كان يفترض أن تستقيلا وتكفّا عن تسلُّم المرتبات والمخصصات بالعملة الصعبة إن كنتما حقاً تتنصلان من المسؤولية".
في المقابل اعتبر السفير اليمني عبد الوهاب طواف، أن دعوة الرجلين "تعكس حرصهما على إنقاذ اليمن"، موضحاً: "بلا جدال، الوضع كارثي في اليمن، ولذا أقترح دعوة مئة شخصية من جميع المحافظات، لتدارس الوضع، والخروج بتصور واضح للمرحلة القادمة".
تجاهل التضحيات
عبد المجيد علي، الصحفي والناشط السياسي اليمني، رأى أن ردود الفعل على بيان المسؤولَين اليمنيَّين، "تمثل استفتاءً شعبياً على أي مشروع أو خطاب سياسي يرتكز على مخاطبة الخارج ويتجاهل الناس وإرادتهم وتضحياتهم".
يقول علي لـ"الخليج أونلاين": إن "الشعب لم يعد مستعداً لسماع الدعوات والشعارات ذاتها المتأسسة على أولويات خارجية أو ذات طابع تسويقي لشخصيات لم تثبت جدارتها في مناصبها السياسية ولا في الميدان".
ويضيف: "كل ما يريده الشعب الآن قيادة تؤمن به قبل كل شيء وتضحي لأجله، لا أن تنط إلى منصة الصدارة كلما خفتت حولها الأضواء، على حساب تضحيات المواطنين ومعاناتهم، قيادة تنطلق من الميدان وتخاطب الخارج بإرادة الشعب لا أن تخاطب الشعب بإرادة الخارج".
ويرى أيضاً أن التحجج بضعف الرئيس المقيم في الرياض "لم يعد حجة ذات قيمة لسياسيين يشغلون المناصب العليا في الدولة"، موضحاً: "ضعف الرئيس فرصة لمن أراد أن يثبت جدارته بقيادة الشعب وأن يلعب دوراً إيجابياً من موقعه وأن يملأ المساحات الفارغة من عجز الرئيس ونائبه".
ويعتقد أن هذه الدعوة لن تلقى اهتماماً، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن السعودية لن تسمح لأي كيان بأن يقود تكتلات خارج إرادتها، "لأن ما يحدث في اليمن تراه معركتها ولا يستطيع أحدٌ تجاوزها".
ويتساءل قائلاً: "ممن يستمدون قوتهم في هذا البيان؟ هل هناك مثلاً قوة دولية تقف وراءهم"، مجيباً: "لا أعتقد أن هناك قوة ستساعدهم في الوقوف بوجه السعودية، خصوصاً أن الرياض ترى أن الحوثي خطر عليها، وهي اليوم تصعّد عسكرياً بشكل كبير ضده، لذلك سينتهي تأثير دعوتهم قريباً".
انسداد التحركات الدولية
ولعل أزمة اليمن هي الحلقة الأكثر تعقيداً فيما تمر به السعودية، بعد مرور نحو 7 سنوات من الاقتتال في اليمن، حيث تدعم إيران جماعة الحوثي المتمردة، فيما تدعم الرياض عبر التحالف العربي الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً.
وعلى الرغم من تكثيف الأمم المتحدة وأمريكا من التحركات لإنهاء الحرب في اليمن، تصاعدت أعمال القتال في عدة مدن يمنية بالتزامن مع غارات تنفذها مقاتلات التحالف على مواقع للحوثيين في صنعاء.
وسبق أن طرحت السعودية، في 22 مارس الماضي، مبادرة لإنهاء الحرب الدائرة في اليمن، تضمنت بنوداً عدة، منها وقف إطلاق نار شامل تحت مراقبة الأمم المتحدة، وبدء مشاورات بين الأطراف المختلفة برعاية أممية، لكن الحوثيين رفضوا القبول بها.
ويشهد اليمن منذ نحو 7 سنوات، حرباً مستمرة بين القوات الموالية للحكومة المدعومة بتحالف عسكري عربي تقوده الجارة السعودية، والحوثيين المدعومين من إيران، والمسيطرين على محافظات، بينها العاصمة صنعاء، منذ سبتمبر 2014.