عبدالعزيز الكيلاني/ إنسايد أرابيا - ترجمة الخليج الجديد-
زار وزير خارجية الإمارات، "عبدالله بن زايد آل نهيان"، سوريا في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني، والتقى برئيس النظام السوري "بشار الأسد". وتعد هذه الزيارة، وهي الأولى من نوعها منذ اندلاع الثورة المستمرة، مؤشرا قويا على تقارب متزايد بين أبوظبي ودمشق.
وقد جاء الاجتماع بعد حوالي شهر من حديث ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد آل نهيان" عبر الهاتف مع الرئيس "الأسد".
وأكد "عبدالله بن زايد"، خلال لقائه الرئيس السوري، "حرص بلاده على أمن واستقرار ووحدة سوريا"، بحسب وكالة الأنباء الإماراتية، وأكد "دعم الإمارات لكافة الجهود المبذولة لإنهاء الأزمة السورية وترسيخ الاستقرار في البلاد وتلبية تطلعات الشعب السوري الشقيق".
بينما كانت الإمارات في بداية الصراع من بين الدول التي دعمت المعارضة السورية الساعية للإطاحة "بالأسد"، إلا أنها عدلت موقفها تدريجياً على مر السنين. في 2018، على سبيل المثال، أعادت الإمارات فتح سفارتها في دمشق. منذ ذلك الحين، كانت هناك علامات متزايدة على التقارب بين البلدين.
هناك العديد من الدوافع المحتملة لزيارة وزير خارجية الإمارات إلى سوريا، والتي تأتي كآخر تطور في التقارب الإماراتي السوري المستمر.
الدافع الأول هو نهج الإمارات المعادي للإسلام السياسي. كما عارض "الأسد" الأيديولوجية الإسلامية، حيث أشاد في عام 2013 بـ "سقوط الإسلام السياسي" عندما أطاح "عبدالفتاح السيسي" بالرئيس المصري آنذاك "محمد مرسي"، وهو أول رئيس منتخب ديمقراطياً لمصر.
نظرًا لأن كل من أبوظبي ودمشق متحالفان ضد الإسلام السياسي، فقد تكون الإمارات قد أدركت أن تعزيز علاقاتها مع "الأسد" يمكن أن يساعد في كبح جماح الإسلاميين في سوريا، وبالتالي تحقيق هدف الإمارات الواضح المتمثل في احتواء نفوذ الأحزاب الإسلامية في جميع أنحاء المنطقة.
ثانيًا، لدولة الإمارات مصلحة في كبح النفوذ الإقليمي لإيران وتركيا. في الواقع، يبدو أن أبوظبي مستعدة لتقليل التوترات مع خصومها الإقليميين، مثل طهران وأنقرة. يأتي ذلك وسط محاولة أكبر لتهدئة التوترات في المنطقة.
إن العامل الرئيسي الدافع لهذا الجهد هو الانطباع الذي أعطته الولايات المتحدة بأنها مستعدة للتركيز على منافستها مع الصين في مناطق أخرى، وبالتالي، تسعى لتقليل وجودها في الشرق الأوسط.
ربما أثار تقليص حجم الوجود الأمريكي قلق بعض شركاء واشنطن الإقليميين بشأن مدى دعم الولايات المتحدة لهم من أي تهديد خارجي، خاصة عندما تم تقليص الدعم غير المشروط الذي تلقوه من الرئيس "دونالد ترامب" مع وصول الرئيس "جو بايدن" إلى البيت الابيض.
وربما تعززت هذه المخاوف بسحب "بايدن" القوات الأمريكية من أفغانستان، رغم أن سلفه كان المحرض على هذا الانسحاب.
ومع ذلك، لا يعني هذا أن الإمارات ستكون راضية عن زيادة نفوذ إيران أو تركيا في المنطقة. وقد قال "ديفيد ليش"، أستاذ تاريخ الشرق الأوسط في جامعة "ترينيتي" في تكساس أن "اهتمام الإمارات بسوريا هو جيو-إستراتيجي، لا سيما من حيث محاولة الحد من البصمة الإيرانية في البلاد وكذلك إخطار تركيا أن هناك دعمًا عربيًا متزايدًا للأسد، وبالتالي تأمل الإمارات في الحد من خيارات أنقرة في سوريا".
في الواقع، تأتي زيارة "عبد الله بن زايد" إلى سوريا في حين أن دولًا أخرى في المنطقة، مثل الأردن، بدأت أيضًا في التقارب مع "الأسد". فبالنسبة لعمّان، فإن أحد العناصر المحفزة وراء تعزيز علاقاتها مع دمشق هو إبعاد "الأسد" عن طهران.
وكما هو متوقع، فإن دولًا مثل الإمارات تدعم ظاهريًا مثل هذه الخطوة، وهو ما يفسر كيف يرتبط قرب أبوظبي من دمشق أيضًا بنفوذ طهران في المنطقة.
ومع ذلك، من غير المرجح أن ينأى "الأسد" بنفسه بشكل كبير عن إيران في أي وقت قريب، بالرغم من أنه إذا فعل ذلك، فمن المحتمل أن تكون روسيا مبتهجة.
لا يخفى على أحد أن هناك منافسة بين موسكو وطهران على النفوذ في سوريا. تتشكل هذه المنافسة من خلال الآليات المتباينة والمتنافسة للبلدين لممارسة النفوذ في البلاد. كما أنهما لا يشتركان في نهج مماثل لمستقبل سوريا.
إذا انتهت الحرب الأهلية، فسوف يتنافسون على عقود إعادة الإعمار. ومع ذلك، تدرك روسيا أهمية سوريا بالنسبة لإيران لتوسيع نفوذها الإقليمي. ولن ترغب في أن يؤثر ذلك سلبًا على الاصطفاف السياسي بين البلدين وصفقات أسلحة موسكو مع طهران.
بينما تريد كل من روسيا وإيران أن يستمر تحالفهما، فقد لعب التنسيق المستمر بينهما دورًا في تمكينهما من إدارة عقبات ما بعد الصراع في سوريا التي مزقتها الحرب.
ثالثًا، اتفقت أبوظبي ودمشق في أكتوبر/تشرين الأول على "خطط مستقبلية لتعزيز التعاون الاقتصادي واستكشاف قطاعات جديدة".
وبما أن الاقتصاد السوري أصبح أكثر هشاشة من أي وقت مضى، فإن مثل هذا التعاون له أهمية خاصة بالنسبة لدمشق. فقد يرغب "الأسد" في الحصول على الدعم المالي الإماراتي لإعادة إعمار البلاد، خاصة وأن الاقتصاد المعطل كان عقبة أمام إعادة الإعمار.
حتى الآن، لا يبدو أن الإدارة الأمريكية الحالية قد أنهت سياستها تجاه سوريا. ومما لا يثير الدهشة، أن المسؤولين الأمريكيين كانوا مستائين من لقاء وزير خارجية الإمارات مع "الأسد".
في إيجاز صحفي دوري، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية، "نيد برايس": "نحن قلقون من تقارير هذا الاجتماع والإشارة التي يرسلها"، مضيفًا: "كما قلنا من قبل، لن تعبر هذه الإدارة عن أي دعم لجهود التطبيع أو لإعادة تأهيل "بشار الأسد" الديكتاتور الوحشي".
في الكونجرس الأمريكي، كان هناك أيضًا إحباط بين المشرعين الجمهوريين والديمقراطيين بشأن قيام الدول العربية بتطبيع العلاقات مع الحكومة السورية حتى قبل اجتماع "بن زايد" مع "الأسد".
بينما تعطي الولايات المتحدة انطباعًا بأنها مستعدة لتقليل وجودها في الشرق الأوسط، فإن هذا لم يغير من رغبتها في عزل "الأسد". ومع ذلك، لن يكون رد واشنطن على التقارب الإماراتي السوري كبيرًا. إن أسباب ذلك تتجاوز حقيقة أن سوريا لا تشكل أولوية قصوى لواشنطن.
وبحسب "ليش"، الذي صدر كتابه الأخير بعنوان "سوريا: تاريخ حديث"، فإن "السعوديين والإسرائيليين يدعمون الإمارات في محاولاتها لتحسين العلاقات مع دمشق. ويعتقد أيضًا أن الإمارات تكتشف ما اكتشفه العديد من الدول الأخرى على مر السنين، أي أن مصادقة إسرائيل والحصول على الأقل دعمها الضمني لسياسات الإمارات في سوريا يمكن أن يساعد كثيرًا في التخفيف من المعارضة الأمريكية المحتملة".
وأضاف "ليش": "لا أعتقد أن إدارة بايدن مسرورة بأي جهد لمساعدة الأسد على الخروج من المأزق، لكنها لن تعيق هذه الجهود أيضًا، خاصة أنها نقاط ضغط ضد إيران في سوريا وتحظى بدعم حلفاء واشنطن في المنطقة".
وهكذا، بينما تبدو سوريا قريبة بشكل متزايد من استعادة مقعدها في جامعة الدول العربية بعد طردها من المنظمة في أعقاب اندلاع "الحرب الأهلية"، لا يتوقع الكثير من إدارة "بايدن" فيما يتعلق بجهود التطبيع الأخيرة.
ويربط البعض رغبة أبوظبي في تعزيز علاقاتها مع "الأسد" باتفاقيات السلام التي وقعتها بعض الدول العربية ومن بينها الإمارات مع إسرائيل.
في الواقع، كانت العلاقة بين سوريا وإسرائيل متوترة بشكل عام على مر السنين. ومع ذلك، تمكن الاثنان من الجلوس حول الطاولة أكثر من مرة. لكن يبدو من غير الواقعي أن توقع دمشق وتل أبيب اتفاقية سلام في هذه المرحلة.
على حد تعبير "ليش"، "أي نوع من التقارب بين إسرائيل وسوريا هو جبل صعب التسلق. وعلى أقل تقدير، لابد من عودة مرتفعات الجولان إلى السيطرة السورية، لكن الإسرائيليين لن يفكروا حتى في هذا الأمر ما لم تكن هناك ضمانات لتقليص وجود إيران في سوريا، وخاصة إنهاء الدعم السوري لـ حزب الله".
يقر "ليش" أن هذا سيناريو غير معقول، لا سيما في ضوء اعتراف إدارة "ترامب" بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان. وبحسب قوله، كانت سوريا وإسرائيل قبل الحرب الأهلية، تفكران في إبرام صفقة في ظل الظروف المناسبة.
ويستدرك بالقول: "ربما بدبلوماسية مقنعة - خاصة النوع المالي - من الإمارات والسعودية ومصر ودول أخرى، بموافقة الولايات المتحدة ومع تخفيف العقوبات ضد سوريا، حيث يمكن أن تبتعد دمشق عن طهران، وبالتالي وضع معايير لاتفاق سلام مع إسرائيل".
أخيرًا، للإمارات مصالح إقليمية مختلفة تدفعها إلى توطيد علاقاتها مع "الأسد". وفي هذه الأثناء، يبدو أن الدافع المالي "للأسد" هو التقارب مع الإمارات، بالرغم من أنه من غير المرجح أن تمضي دمشق وتل أبيب في معاهدة سلام في أي وقت قريب. وما يتبقى هو مدى تعمق العلاقات الإماراتية السورية بمرور الوقت.