الخليج الجديد-
عقب زيارة سريعة إلى أبوظبي، نهاية الشهر الماضي، فاجأ الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي"، الجميع، بنشر خبراء عسكريين في اليمن، دعما للإمارات بعد تعرضها لهجمات من قبل جماعة "الحوثي".
وجاء القرار بعد مباحثات ثنائية مع ولي عهد أبوظبي، الشيخ "محمد بن زايد"، تناولت تنسيق الجهود من أجل حماية الأمن القومي العربي والتصدي لمحاولات زعزعة استقرار وأمن الدول العربية، وفق بيان صادر عن الرئاسة المصرية.
وتثير الخطوة قلقا في الأوساط المصرية، من تورط الجيش المصري في حرب اليمن، المشتعلة منذ عام 2014، دون أن يتمكن التحالف العربي للعام السابع على التوالي، من حسم الأمور.
رسالة دعم
وتحمل الخطوة الجديدة، رسائل عدة، أبرزها إظهار الدعم المصري لأبوظبي، التي تعد أبرز داعمي "السيسي" منذ وصوله للحكم عبر انقلاب عسكري، منتصف عام 2013.
وحرص "السيسي"، خلال الزيارة، على بث رسائل متعلقة بدعم القاهرة لأبوظبي، مؤكدا على رفض استهداف أمن واستقرار وسلامة الإمارات ومواطنيها، والارتباط الوثيق بين الأمن القومي المصري والأمن الإماراتي.
ويرى مراقبون، أن "السيسي" يحاول تذويب الخلاف مع أبوظبي عقب توتر بين الجانبين بشأن معالجة الوضع في ليبيا، والدعم الإماراتي لإثيوبيا، والتطبيع مع إسرائيل عبر مشاريع اقتصادية قد تؤثر مستقبلا على قناة السويس، التي تعد شريان الحياة للاقتصاد المصري.
من ناحية أخرى، تهدف مصر فعليا إلى تحسين الأمن في مضيق باب المندب من خلال إنشاء البحرية اليمنية الناشئة والمجهزة بشكل مناسب والتي ستكون قادرة على مواجهة خطط الحوثيين في هذه المياه.
ووفق دورية "إنتلجنس أونلاين" الفرنسية الاستخبارية، فإن مصر قلقة من حدوث هجمات بزوارق مفخخة قد تعرق الملاحة بالبحر الأحمر، مرورا إلى قناة السويس، ولذلك أرسلت وفدا من وحدة المخابرات العسكرية التابعة لها لمناقشة الوضع مع الحوثيين، نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
مهمة محددة
وتفيد مصادر بأن الخبراء العسكريين الذين نشرتهم مصر في عتق عاصمة محافظة شبوة اليمنية، سيقومون بمهمة محددة، تتمثل في العمل إلى جانب "ألوية العمالقة" اليمنية الجنوبية المدعومة من الإمارات.
وتضم المجموعة، خبراء عسكريين مصريين رفيعي المستوى، يوجدون في غرفة العمليات الميدانية، لألوية لعمالقة، التي خاضت معارك ضارية أخيراً ضد المقاتلين الحوثيين أدت لإخراجهم من محافظة شبوة.
وتتضمن مهمة الوفد المصري، تجهيز خطط لتطوير الهجوم البري من جانب قوات التحالف، ضد مناطق سيطرة الحوثيين، مع إعداد خطط محكمة لتأمين المناطق الحيوية، وتوحيد الفصائل المتفرقة الموالية للحكومة اليمنية، إضافة إلى جمع قوات المجلس الانتقالي الجنوبي مع الكتائب التي يقودها "طارق صالح" نجل الرئيس اليمني الراحل "علي عبد الله صالح".
وقد تبدو الخطوة إلى الآن رمزية ولا تعكس انخراطا في الحرب بالمعنى الكامل، حيث لا تريد مصر التورط في حرب اليمن، بعد ثبوت فشل التدخل العسكري، وتعرض السعودية والإمارات للاستنزاف على مدار سنوات.
ومن المرجح عدم توسع الدعم العسكري المصري إلى مرحلة إرسال قوات برية، والإبقاء فقط على دور استشاري، ودعم لوجيستي، خصوصا وأن وجود عدد كبير من قيادات "حزب المؤتمر الشعبي العام" وآخرين من القيادات الجنوبية في القاهرة، يؤهلها للعب دور مؤثر في توحيد تلك المكونات.
مخاوف جدية
تبقى المخاوف قائمة، من تعرض الجانب المصري لضغوط من حلفائه لتقديم مزيد من الدعم لهم، بالتوازي مع معاناته الاقتصادية، وبالتالي فإن "السيسي" قد يرضخ لمطالب أبوظبي مقابل الحصول على حزم دعم مالية.
ويبدي تحالف بنوك خليجية، بينها بنكان إماراتيان، استعداده لتقديم قرض للحكومة المصرية بقيمة 2.5 مليار دولار، بخلاف تعهد "بن زايد" بتقديم وديعة جديدة للبنك المركزي المصري.
وقد تتعزز المخاوف، حال إمكانية استدراج مصر نحو مواجهة مباشرة مع الحوثيين بدعوى حماية باب المندب، مع الأخذ في الاعتبار أن جماعة الحوثي نقلت عبر قنوات اتصال أمنية تحذيرا لمصر من التورط في أية أعمال عسكرية تستهدفها، بحسب "العربي الجديد".
ونقلت مصادر، أن "الحوثي" حذرت الجانب المصري من عدم الدخول في المعركة الحالية، لأنه بذلك لن يكون أمام الجماعة سوى الدفاع عن نفسها، وهي إشارة تعني إمكانية تعرض المصالح المصرية للخطر، حال تورط القاهرة في الحرب اليمنية.
ومع تعرض أبوظبي لهجمات حوثية نوعية استهدفت مطارها الدولي ومنشآت نفطية، الشهر الماضي، قد تعمل الإمارات بشكل حثيث على إغراء "السيسي" للتدخل إلى جانبها، وتقوية موقفها في الجنوب اليمني، مذكرة إياه بوعوده المتكررة، مقابل دعم سخي غير معلن.
وقبل سنوات، تحديدا منتصف عام 2014، تعهد "السيسي" بأن أي تهديد للعالم العربي -وتحديدا لدول الخليج- لن يأخذ من الجيش المصري سوى "مسافة السكة" لمواجهته والتصدي له، لكنه عاد لاحقا، وصرح بأن "الجيش المصري لمصر وليس لأحد آخر".
وكان القادة العرب وافقوا خلال القمة العربية التي استضافتها مدينة شرم الشيخ المصرية في مارس/آذار 2015 على تشكيل قوة عربية مشتركة لمواجهة التحديات الأمنية التي تواجه المنطقة.
وفي أبريل/نيسان 2015، اجتمع رؤساء أركان الجيوش العربية، في القاهرة، وتوافقوا على ضرورة إيجاد آلية جماعية لتشكيل قوة عربية مشتركة، تكون جاهزة للتدخل العسكري السريع إذا ما اقتضت الضرورة، غير أن القوة لم تر النور إلى اليوم.