علاقات » عربي

هكذا دفعت السعودية العراق إلى أحضان إيران

في 2022/02/21

كاثرين هارفي- لوفير - ترجمة وتحرير الخليج الجديد-

بعد ما يقرب من 20 عاما من غزو العراق، وأكثر من 10 أعوام بعد الانسحاب الأمريكي المعلن، أصبحت نتائج غزو هذا البلد راسخة وجلية.

وقبل نحو 20 عاما، أمر الرئيس الأمريكي "جورج دبليو بوش" بغزو العراق زاعما البحث عن أسلحة دمار شامل ومعلنا السعي إلى إقامة ديمقراطية في الشرق الأوسط.

واندلعت التمردات السنية والشيعية على الفور، بدعم من سوريا وإيران.

ووصل الشيعة العراقيون إلى السلطة وانجذبوا نحو طهران بعيدا عن العالم العربي.، وأصبح "نوري المالكي"، الذي يعتبر حليفا طائفيا لإيران، رئيسا للوزراء وعزز موقع العراق في المحور الإقليمي الإيراني.

وبعد انسحاب الولايات المتحدة في عام 2011، انتفض السنة العراقيون ضد "المالكي"، ما أتاح فرصة لتنظيم "الدولة الإسلامية" للسيطرة في نهاية المطاف على ثلث البلاد.

وفي غضون ذلك، بالكاد ظهرت السعودية في معظم الروايات حول حرب العراق.

ويشرح المعلقون القلائل الذين ذكروا ذلك بشكل عابر أن ملك السعودية الراحل "عبدالله" كان يحتقر "المالكي"، وبالتالي رفض التدخل.

وساهم الافتقار إلى الوجود السعودي في العراق حتى عام 2015 في خلق انطباع واسع النطاق بأن السعوديين لم يكن لهم نفوذ يذكر ولم يكونوا عاملا مؤثرا في العراق في تلك الأعوام.

لكن هذا الانطباع خاطئ بكل بساطة.

أولا، من المهم الإشارة إلى أن "المالكي" لم يكن مواليا لإيران.

وكرئيس للوزراء، كان "المالكي" سلطويا وغالبا طائفيا للغاية، لكنه كان قوميا عراقيا.

وللمفارقة أيد "زلماي خليل زاد"، سفير الولايات المتحدة في بغداد آنذاك، ترشيح "المالكي" الأول لرئاسة الوزراء لأنه، من بين المرشحين المحتملين، اعتبر "خليل زاد" أن "المالكي" سيكون أكثر قبولا من جيران العراق العرب.

ومثل معظم الإسلاميين الشيعة الذين تولوا مناصب السلطة في عراق ما بعد 2003، حارب "المالكي" نظام "صدام حسين" من داخل إيران خلال الثمانينيات.

لكن الوقت الذي أمضاه هناك جعله يشعر بالحسرة تجاه الجمهورية الإسلامية، التي قمعت بل وقتلت أعضاء من حزب الدعوة.

واعتبر العديد من أعضاء حزب الدعوة أنفسهم جماعة عراقية في المنفى، وليسوا أداة في يد إيران.

وفي نهاية ذلك العقد، غادر "المالكي" إيران متوجها إلى سوريا، حيث ظل هناك حتى الغزو عام 2003. وقد تحدث صحفي لبناني تعامل مع "المالكي" في تلك الأعوام بمدى كره "المالكي" لإيران في ذلك الوقت.

وكشرط لدعمه، جعل "خليل زاد"، "المالكي" يوافق على أنه كرئيس للوزراء سوف يتعامل مع العالم العربي، وخاصة السعودية، وسافر "المالكي" إلى المملكة في أول رحلة له إلى الخارج كرئيس للوزراء في يوليو/تموز 2006.

ولكن يبدو من المرجح أن "المالكي" كان سيعطي الأولوية للتعامل مع السعودية حتى لو لم يكن قد وعد "خليل زاد" بذلك.

وكما أوضح مسؤول أمريكي تعامل مع "المالكي" في ذلك الوقت، "لم يكن المالكي مواليا لإيران.

لقد فهم الحاجة إلى موازنة إيران، وفهم أن السعودية هي الخيار الأول" للقيام بذلك.

وقال "المالكي" نفسه إنه اختار السعودية كأول رحلة له إلى الخارج لأنه يعتقد أن رمزية زيارة رئيس وزراء عراقي شيعي لمركز العالم العربي السني ستساعد في تهدئة المد الطائفي المتصاعد في العراق.

وروى "سامي العسكري"، وهو أحد المقربين من "المالكي"، أن "المالكي" اختار السفر إلى السعودية لأنه أراد الإشارة إلى أن العراق، في جوهره، دولة عربية.

وفي تلك الرحلة، استقبلت القيادة السعودية "المالكي" بحرارة، والتقى بالملك "عبدالله"، لكن بعد ذلك رفض "عبدالله" مقابلته مرة أخرى.

ووصف "عبدالله"، "المالكي" بالكاذب الذي لم يفِ بوعوده، واقتنع بأنه عميل لإيران.

وكان "عبدالله" يعتقد أن "المالكي" كذب عليه، لكن لم يتمكن أي من الأمريكيين والسعوديين والعراقيين الذين تفاعلوا مع الملك السعودي وكبار مستشاريه من التعرف على ما يعتقد "عبدالله" أن "المالكي" كذب بشأنه.

وكان ادعاء "عبدالله" غامضا للغاية، ولم يظهر أبدا دليلا يثبت ذلك.

وما حدث على الأرجح هو أن الكثير من العراقيين المتضررين من "المالكي" تمكنوا من الوصول إلى القيادة السعودية، ويبدو أن بعضهم على الأقل قد نقل معلومات مضللة إلى السعوديين، زاعمين أن "المالكي" كان ينفذ الأوامر الإيرانية.

وربما كان هذا التضليل هو مصدر ادعاء "عبدالله".

والحقيقة هي، كما قال أحد المطلعين في العائلة المالكة السعودية، أن "عبدالله" لم يستطع فهم ما كان يحدث في العراق في تلك الأعوام.

ولعقود من الزمان، كانت القيادة السعودية مقتنعة بأن إيران لديها مخططات توسعية في العالم العربي واعتبرت المجتمعات الشيعية العربية بمثابة بيادق محتملة لإيران، وهي صورة نمطية قياسية للشيعة بين السنة.

وبالنظر إلى هذه المعتقدات، استنتج السعوديون عمليا بمجرد سقوط نظام "صدام حسين" أن الولايات المتحدة قد سلمت العراق لإيران على طبق من فضة.

وكان "عبدالله" مستاء للغاية من جهود الولايات المتحدة في العراق، تلك الجهود التي سمحت بطبيعة الحال للأغلبية الشيعية بالصعود إلى السلطة، قبل فترة طويلة من تولي "المالكي" رئاسة الوزراء.

لقد كان "المالكي" ببساطة كبش فداء لغضب الملك "عبدالله".

وأعمت هذه المعتقدات ملك السعودية "عبدالله" عن الخطوات التي كان "المالكي" يتخذها في حكومته الأولى لاتباع طريق مستقل عن إيران.

وفي عام 2008، أجرى "المالكي" عملية "صولة الفرسان"، التي استهدفت الشيعة المدعومين من إيران وأكسبته استحسانا كبيرا من السنة العراقيين والمسؤولين الأمريكيين.

وفي عام 2009، رفض الانضمام إلى ائتلاف انتخابي تدعمه إيران لتشكيل قائمته الوطنية للانتخابات البرلمانية عام 2010.

وللتوضيح، لم يكن "المالكي" معاديا لإيران، فمع ضرورة تأثير إيران الكبير في أي عراق بقيادة الشيعة، أراد "المالكي" علاقة إيجابية مع طهران.

وفي حكومته الأولى، لم يتحدث صراحة ضد إيران. لكنه كان أيضا على استعداد لمقاومة الضغط الإيراني، كما فعل قبل انتخابات 2010، لضمان عدم خضوع بلاده لطهران.

وفي غضون ذلك، من عام 2006 حتى أوائل عام 2009، حاول "المالكي" فتح باب مع السعودية، وإن كان ذلك بأمل ضئيل في النجاح.

وبينما رفض السعوديون التحاوب مع هذا الباب، بدأ العديد من جيران العراق العرب الآخرين في القيام بذلك.

وبحلول عام 2008، كان كبار المسؤولين من مصر والأردن والإمارات وسوريا ولبنان يسافرون إلى بغداد.

لكن مع العزوف الشديد من قبل السعوديين، كانت هذه الدول العربية الأخرى غير مستعدة للذهاب بعيدا.

وكانت المشكلة هي أن رفض "عبدالله" لـ "المالكي" هو الذي دفع الأخير في النهاية نحو إيران.

واعتبر العديد من العراقيين أن عداء "عبدالله" الشديد للنظام العراقي الجديد، الذي تجسد برفضه لـ "المالكي"، ينم عن نية سعودية لعكس الهيمنة الشيعية.

وبدأ الشيعة العراقيون، المتخوفون من فقدان قوتهم السياسية الجديدة، يشعرون بالتهديد العميق من السعوديين.

وبحسب ما ورد بدأت السعودية في تمويل خصوم "المالكي" السياسيين في وقت مبكر من عام 2007.

وعلى وجه الخصوص، دعمت السعودي بقيادة الملك "عبدالله"، "إياد علاوي"، وهو شيعي علماني وبعثي سابق كان رئيس الوزراء العراقي في عامي 2004 و2005.

وبالنسبة للعديد من العراقيين الشيعة، يمثل "علاوي" عودة إلى النظام العراقي القديم.

ودفع دعم "عبدالله" لـ "علاوي" في انتخابات 2010 "المالكي"، على عكس سلوكه السابق، إلى طلب المساعدة الإيرانية في أعقاب تلك الانتخابات للاحتفاظ برئاسة الوزراء.

ثم عززت الحرب الأهلية السورية التحالف بين "المالكي" وإيران.

وكان "المالكي" مقتنعا بأن السعوديين لا يعملون فقط للإطاحة بنظام "بشار الأسد" في دمشق، ولكن أيضا بحكومته في بغداد.

لذلك سهلت حكومته المساعدة الإيرانية لـ "الأسد"، لأنه اعتقد أنه إذا سقط "الأسد"، فهو التالي في الدور.

ويبدو أن قلق "المالكي" كان له ما يبرره.

ومهما كان ما فعله السعوديون في الواقع في العراق في تلك الأعوام، فقد قال أحد المطلعين في العائلة المالكة السعودية، في حديث سري، إن "عبدالله كان على استعداد لفعل كل ما يتطلبه الأمر للتخلص من المالكي".

وكثيرا ما يشير المعلقون في شؤون الشرق الأوسط إلى أن إيران تعتبر نفسها مسؤولة عن 4 عواصم عربية، وهي بغداد وبيروت ودمشق وصنعاء.

وعلى الأقل في حالة بغداد، لم تكن إيران تعتقد أن العراق ذو القيادة الشيعية سوف ينضم إلى فلك إيران كنتيجة حتمية.

ولأعوام، حاول "المالكي" تحقيق الاستقلال عن إيران.

لكنه غير مساره هذا ليس بسبب رغبته في التقارب مع الجمهورية الإسلامية، ولكن بسبب الاغتراب العميق الذي شعر به تجاه السعودية.

وتكرر هذا النمط في اليمن ولبنان.

وحولت الحرب التي بدأها السعوديون ضد الحوثيين في عام 2015 روابط تلك المجموعة المحدودة بإيران إلى تحالف حقيقي.

ولا تفعل التحركات السعودية الأخيرة ضد لبنان، مثل فرض حظر على التصدير وطرد السفير اللبناني، سوى إضعاف قدرة الفصائل السياسية اللبنانية على الوقوف في وجه "حزب الله"، في الوقت الذي تعمق فيه البؤس الاقتصادي الكبير بالفعل في البلاد.

وفي كل هذه الحالات، كان نهج السعودية مدمرا.

لقد دفع السعوديون هذه البلدان بعيدا بحيث سحبها الإيرانيون إلى فلكها في نفس الوقت.

وفي حين لا يفوت السعوديون فرصة أبدا للتحذير من أهداف التوسع الإيرانية، فقد كانوا هم أنفسهم مسؤولين عن تحقيق جزء كبير من التوسع الإيراني.