بقلم: يوئيل جوجنسكي وكوبي ميخائيل- نظرة عليا-
تراكم مؤخراً ما يدل على استعداد السلطة الفلسطينية لتلطيف حدة التوتر بينها وبين عدد من دول الخليج، التي احتدمت بعد التوقيع على اتفاقات إبراهيم. فالعلاقات المهزوزة والدم الفاسد، ولا سيما بين رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد، ستصعّب فتح صفحة جديدة على وجه السرعة. لكن التطورات الأخيرة، بقدر ما تشهد على انعطافة في العلاقات بين الطرفين، كفيلة بأن تكون لها آثار لا بأس بها على الساحة الفلسطينية والمصالح الإسرائيلية.
سجلت مؤخراً ما يدل على تغيير يلوح في الأفق في موقف السلطة الفلسطينية من بعض من دول الخليج قد تشهد على رغبة السلطة الفلسطينية ورؤسائها لترميم العلاقات المهزوزة مها. رئيس السلطة، محمود عباس، بعث إلى البحرين في 9 أيار 2022 ابنه ياسر، الذي لا يتبوأ منصباً رسمياً؛ للقاء مع الملك حمد بن عيسى آل خليفة. وقبل اللقاء، أعاد الفلسطينيون سفيريهم في المنامة وأبوظبي عقب التوقيع على اتفاقات إبراهيم. بعد أسبوع من ذلك، في 15 أيار، اختار عباس أن يصل على رأس وفد فلسطيني رفيع المستوى لزيارة الإمارات لتقديم واجب العزاء في وفاة الرئيس خليفة بن زايد. وكانت الزيارة فرصة لعباس للالتقاء بمحمد بن زايد ويهنئه على تسلمه الرسمي لمنصب حاكم الإمارات، بعد قطيعة طويلة بين الرجلين وسنوات طويلة لم يزر فيها عباس الدولة.
في خلفية جهود السلطة الفلسطينية للتنسيق مع الإمارات، يدور تآكل في وضعها الاستراتيجي عقب تعزز قوة حماس، وهو تآكل متواصل في تأييد الجماهير لها، بسبب فقدان الحوكمة الفاعلة في المناطق البعيدة من الضفة الغربية، وبخاصة في منطقة جنين، وضائقة مالية بسبب تقليصات كبيرة في الدعم الدولي للعرب، وطريق سياسي مسدود مع إسرائيل، وتآكل كبير في مدى الاهتمام والتضامن الذي يبديه العالم العربي تجاه المسألة الفلسطينية، إضافة إلى تآكل واضح في توقع أن تمارس الإدارة الأمريكية ضغطاً على إسرائيل في سياق الساحة الفلسطينية.
رغم محاولات جرت في السنتين الأخيرتين من جانب الفلسطينيين لتخفيف حدة التوتر مع دول عربية في الخليج، ومع الإمارات خصوصاً، لم تسجل حتى الآن خطوات تقدم مهمة من جانب دول الخليج. الإمارات لم تغفر بعد، وثمة افتراض بأن رئيسها الجديد محمد بن زايد، لن يستجيب لمساعي التقرب الفلسطينية بسهولة.
تدهورت العلاقات بين الإمارات والبحرين من جهة والسلطة الفلسطينية على نحو خاص منذ التوقيع على اتفاقات إبراهيم، التي اعتبرها الفلسطينيون كطعنة سكين في ظهرهم وكـ “خيانة للشعب الفلسطيني”، قبل أن يصل النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني إلى تسوية.
كما أن إقامة العلاقات مع إسرائيل زادت الشك والعداء اللذين سادا بين السلطة الفلسطينية والإمارات بسبب تأييد الإمارات لمحمد دحلان، خصم عباس، وتفضيله مساعدته مالياً، وليس السلطة الفلسطينية مباشرة. القيادة الفلسطينية، وخصوصاً عباس ودائرة مقربيه ومؤيديه، لم يسلموا لتبني الإمارات لدحلان حيث يسكن منذ طرده من صفوف حركة فتح ويعمل مستشاراً مقرباً لمحمد بن زايد. كما أن القيادة الفلسطينية تعزو لدحلان تأثيراً على قرار بن زايد للعمل على اتفاق التطبيع مع إسرائيل.
كتبرير لإقامة العلاقات مع إسرائيل ولتلطيف حدة النقد الفلسطيني والعربي، ادعى الإماراتيون علناً بأنهم في اتفاق إبراهيم منعوا عن إسرائيل عملياً تنفيذ نيتها ضم مناطق في الضفة الغربية، لأن تعليق النية عرض كشرط للتطبيع. أما الفلسطينيون من جهتهم، فرفضوا هذا التفسير ورأوا في اتفاقات إبراهيم وسيلة لتحقيق مصالح الإمارات على حساب المصلحة الوطنية الفلسطينية. وعرض التطبيع مع إسرائيل باعتباره تخلياً عن التضامن معهم. ورداً على ذلك، عملوا على منع دور الإمارات في منتدى الغاز للبحر المتوسط.
ترفض السلطة الفلسطينية نفسها الانخراط في مبادرات إقليمية في مجال الاقتصاد والبنى التحتية والطاقة، التي تستند إلى اتفاقات إبراهيم، وردت عروضاً للمساعدة من جانب الإمارات. ورداً على النقد الفلسطيني، قلص الإماراتيون دراماتيكياً المساعدة التي يقدمونها لوكالة الغوث، لكن القطيعة مع السلطة مست بهم أيضاً، إذ تضررت قدرتهم على تثبيت نفوذ في مناطق السلطة، وذلك كوزن إضافي ضد نفوذ متعاظم لقطر.
بالنسبة لقطر التي هي رغم اتفاق المصالحة مع دول الخليج، في منافسة معها، يبدو أن الدور في الساحة الفلسطينية وسيلة مهمة لتثبيت مكانتها. رافعة النفوذ الأساس لقطر سواء تجاه إسرائيل أم تجاه حماس هي قوتها الاقتصادية. غير أن هناك توتراً بين المصلحة الإسرائيلية في هدوء أمني في ساحة غزة من خلال تحسين الوضع الإنساني للقطاع عن طريق المساعدة القطرية، وبين مساهمة قطر السلبية فيما يجري في ساحة النزاع عقب تأييدها لحماس والإخوان المسلمين، وكذا دورها في التحريض ضد إسرائيل من خلال شبكة “الجزيرة”. إضافة إلى ذلك، لإسرائيل مصلحة في علاقات سليمة مع مصر والسعودية والإمارات، الذي تعارض سعي قطر لتحسين مكانتها الإقليمية من خلال الدور الذي تلعبه فيما يجري في قطاع غزة ونفوذها على حماس.
عقب مكانة الإمارات الضعيفة نسبياً في الساحة الفلسطينية، سواء بسبب رفضها الحوار مع حماس أم بسبب الرواسب الثقيلة بينها وبين قيادة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، فإنها تجد صعوبة في لعب دور باعث على الاعتدال في هذه الساحة، وتركيز على المساعدة الإنسانية وإرسال العتاد الطبي وغيره للسلطة الفلسطينية وقطاع غزة. وقد فعلت هذا أساساً في ذروة جائحة كورونا.
ومع ذلك، فإن أزمة الثقة وكذا الدافع الإماراتي المحدود للمشاركة في جهد كبير في الساحة الفلسطينية، بما في ذلك استئناف المساعدة المالية للسلطة، سيصعّب فتح صفحة جديدة. من ناحية الإماراتيين، يبدو أن الدور المتزايد في الساحة الفلسطينية سينطوي على ثمن بمقاييس الاهتمام السياسي والمقدرات. ومن جهة أخرى، يحتمل في ظروف معينة تغيير في نهج الإمارات، إذا ما أتيح لهم مثلاً فرصة للمشاركة في محاولة إشراك السلطة الفلسطينية في مشاريع بنى تحتية واقتصادية إقليمية، تتم بدعم من الولايات المتحدة وبالتعاون مع إسرائيل والأردن ومصر، ويكون فيها ما يقيد النفوذ القطري ويعزز مكانة الإمارات الإقليمية والدولية.
رغم كل شيء ينبغي التعاطي مع إمكانية التقارب بين قيادة السلطة الفلسطينية، والإمارات والبحرين، والذي سينسجم مع عدة مصالح مهمة إسرائيلية وإقليمية وكفيل بأن تكون له آثار مهمة على الساحة الفلسطينية:
1-محافل تـأثير جديدة كفيلة بأن تدمج المسيرة السياسية في المنظومة الإقليمية المتشكلة، وقد تدفع إلى الأمام بمبادرات إقليمية في مجالات الاقتصاد والبنى التحتية والطاقة، المسنودة إلى اتفاقات إبراهيم، التي ستخدم المصالح الإسرائيلية والفلسطينية على حد سواء.
2-احتمال دحر قطر عن مكانتها في الساحة الفلسطينية، وبخاصة عن دورها في قطاع غزة والضفة الغربية أيضاً، ووقف خلق بديل لنفوذها.
3-تشجيع السعودية على الانضمام لمسيرة التطبيع مع إسرائيل، وفي إطار ذلك تصعيد دورها في الساحة الفلسطينية.
قد تشهد جهود التقارب المتجددة من جانب السلطة الفلسطينية للإمارات والبحرين على صحوة فلسطينية من الوهم للدفع إلى الوراء بمسيرة انخراط إسرائيل في المجال، وفي الوقت نفسه من احتمال الوصول إلى مصالحة فصائلية مع حماس. وبالتالي، على إسرائيل أن تشجع ميل “التطبيع” بين السلطة والإمارات والبحرين في ضوء إمكانية إيجابية كامنة في هذا الميل من ناحيتها. وعليها أن تحاول التأثير على أصدقائها في الخليج لترميم هذه العلاقات انطلاقاً من أن تتعزز العناصر المعتدلة في الساحة الفلسطينية نسبياً على حساب عناصر حماس الراديكالية، بحيث يرتفع الاحتمال لاستئناف المسيرة السياسية الإسرائيلية – الفلسطينية كعنصر في تصميم المنظومة الإقليمية الجديدة.